أدب وثقافة
د. حاتم الجوهري يفرق بين المنهج والمذهب في النقد الثقافي
شارع الصحافة/ كتبت- أميمة مصطفى:
قدم الدكتور حاتم الجوهري المشرف على المركز العلمي للترجمة بهيئة الكتاب دراسة جديدة بعنوان: (النقد الثقافي.. مقاربة ما بعد المسألة الأوربية في النشأة والتلقي)، وذلك في العدد الرابع/ صيف 2021م من مجلة (مثاقفات)، التي تصدر من لندن لمديرها المسئول الشاعر/ أزراج عمر.
وفي هذه الدراسة يطرح الجوهري تعريفا واضحا لمنهجه العلمي الذي يعمل عليه مؤخرا في عدة دراسات متوالية، حيث يطرح مقاربة (ما بعد المسألة الأوربية) كإطار عام ومنهج لتناول الظواهر الإنسانية المعاصرة، التي خصصها في دراسته هذه لمشروع (النقد الثقافي) غربيا وعربيا.
فيعرف منهجه العلمي في مقاربة (ما بعد المسألة الأوربية) بأنه مجموعة الإجراءات والآليات التي تتناول المعارف والنظريات البشرية المعاصرة، بوجهة نظر متحررة من أثر (المتلازمات الثقافية)، وتعميماتها المرتبطة بـ(المسألة الأوربية) ذاتها..
مع السعي للوقوف على كليات النموذج الأوربي/ الغربي؛ واختياراته التي يُصدرها، لكن دون أن يكون خاضعا لما يمكن تسميته بـ(التقييم الاتفاقي العالمي) لها كحلٍّ متعالي ونهائي للوجود البشري، ويرى في إمكانية رفد الظاهرة البشرية بمجموعة جديدة الاختيارات وفق فلسفة (التجاوز والتحرر)، من متلازمات (المسألة الأوربية) وعُقدها الثقافية.
وفي متن الدراسة وقف حاتم الجوهري على عدة محاور رئيسية في نقده لمشروع (النقد الثقافي) وظروف إنتاجه غربيا، وكذلك ظروف تلقيه عربيا، ومن هذه المحاور:
بيان أن النقد الثقافي في كلياته وإجماله العام – مثله مثل الدراسات الثقافية الأم- ارتبط بمسارين أحدهما منهجي والآخر مذهبي، المنهجي يصب في اتجاه (المنهج الثقافي) العام غير الظاهري أو الانطباعي، الذي يرصد الكامن والمضمر والخفي والتاريخي وراء الخطاب والظاهرة محل البحث، محاولا تفكيك بنائها الكلي ليحدد الجذور والدوافع الحقيقية لكل جزء من هذا البناء الذي قام بتفكيكه، والبحث في طبقاته الثقافية المتراكبة والمتراتبة.
أما المسار المذهبي فارتبط في (النقد الثقافي) بمتلازمات (المسألة الأوربية) نفسها، واختياراتها في مرحلة معينة، التي قامت على فكرة العجز عن مقاومة المتون والأفكار الكبرى للحياة والعالم، واختارت بديلا عنها -كوسيلة للتمرد والاعتراض- الانتصار للمتون الهامشية والفرعية، أيا كانت ودون النظر لأي (معيار قيمي).
كما أوضح الجوهري أن النقد العربي تلقى مشروع “النقد الثقافي” بكل سياقته المأزومة وأعاد إنتاج متلازاماته الثقافية؛ في المتون والهوامش بطريقته الخاصة، وذكر أن الغذامي مثلا انتصر لفكرة (الثنائيات الحدية)، فوضع مضمون الهوامش والانتصار له في مقابل البخس من الأشكال والتقاليد الفنية للآداب، وخلق تناقضا وجوديا وصراعا (ثنائيا حديا)، بين النقد الأدبي والنقد الثقافي، وبين الشكل والمضمون.
ورصدت الدراسة عدة مظاهر لرواج مذهب النقد الثقافي منها: شيوع دراسات “الأدب النسوي” من باب الانتصار (المذهبي) للهوامش، والاحتفاء والانتصار للكتابات المحسوبة على النقد الأدبي والثقافي، دون أن تكون ملتزمة ببناء تراكم معرفي أو قدرة إبداعية تعبيرية كموهبة فطرية، فطفت على السطح ظاهرة تحول طبقة (الصحافة الثقافية) كهامش، إلى متن يتم الاحتفاء به وتقديمه، في انتصار لفكرة ثنائية (المتن والهامش) الأوربي.
ووقفت الدراسة على بعض التناقضات العامة التي رصدتها في النقد العربي المتأثر بتطرف (المسألة الأوربية)، وميلها دوما لفكرة (الثنائيات الحدية) والصراع الصفري، وكيف قدم النقد الأدبي ممثلا في جابر عصفور أدونيس بصفته قطيعة حدية مع التراث، وكيف قدمه النقد الثقافي ممثلا في الغذامي تمثلا متطرفا له في صورة الفحل!