مقالات

د. نشوه عمر تكتب: استدعاء لولي الأمر !!

نتكلم كثيراً عن الحب، بل هو أسهل ما نكتب عنه، ولكنه أصعب ما نقوم به، فهل سألنا أنفســنا؛ هل تحملنا فعلاً مسئولية الحب الذي نزعم؟؟!

 

 

الحب معنى كبير ليس مجرد مشاعر رومانسية حالمة أو شعور يضعه الله سبحانه وتعالى بداخلنا، دون إرادة مِنّا فيجعل قلوبنا لا تحمل لمَن نحبهم إلا مشاعر الود والرغبة الدائمة في أن نراهم سُعداء وبخير، مُشرقين كالشمس، لامعين كالقمر،  ونتألم إذا ما أصابهم مكروه.

 بل وأحياناً تغمرنا مشاعر بغيضة تجاه مَن يتعرض لهم بالأذى حتى ولو  كانوا أعز الناس وأغلاهم لدينا، فالحب ليس أنانية أو تملكًا، أو استثمار أحبك من أجل كذا وكذا….. هل هذا حب ؟! هل الحب هو إصدار أحكام وقرارات دون النظر إلى مشاعر ووجدان مَن نحبهم.. دون حتى أن نستمع إليهم، ونتفهم ما يدور بعقولهم ووجدانهم.. ودون إعطائهم فرصة التعبير عن أنفسهم؟!

 مَن أعطانا هذا الحق والمساحة، أن نحكم أو نصادر على مشاعر أبنائنا دون حتى وقفه معهم؟! كم من الجرائم ارتُكبت باسم الحب؟؟! هل أحببنا أبناءنا حق الحب.. هل تقبّلناهم كما هم، وليس كما نريد أن يكونوا؟ هل أعطيناهم المساحة والحرية للتعبير عن أنفسهم، وفي التفكير في مستقبلهم، على حسب رغباتهم وقدراتهم، التي منحها الله سبحانه وتعالى لهم؟؟!

يا كل الأمهات والآباء: هل تخلصتم من سُلطانكم على أبنائكم باسم الحُب، وتركتوهم يختارون حياتهم كما يرغبون؟ هل تخليتم عن أنانيتكم وقسوتكم على أبنائكم، ومحاولة إقناعهم منذ اليوم الأول لدخولهم المدرسة، بأهمية تحقيق رغباتكم وأحلامكم أنتم، وما عجزتم أو فشلتم في تحقيقه، فمطلوب منهم أن يحققوه لكم!!

ترسمون لهم مستقبلهم، وتحددون لهم الكليات التي عليهم أن يلتحقوا بها.. ومن يُخلّ بذلك، فهو ابن عاق ومقصر، ولا يستحق المساعدة أو الثناء من وجهة نظركم!! كم من أب وكم من أم، فرضت على أبنائها دخول القسم العلمي بالثانوية العامة، بينما ميولهم الأدبية مسيطرة عليهم، وتبشر بمستقبل ناجح في هذا المجال.. وعندما نُجبرهم على الالتحاق بالقسم العلمي؛ يحصدون الفشل والتعاسة مدى الحياة.

 هل النجاح هو أن أكون طبيباً أو مهندساً وما دون ذلك فهو مستوى أقل؟! ما هذا الفكر العقيم المستبد الذي يُستخدم باسم الحب؟!.. يا سادة؛ إنَّ الحب هو التقبل والتسامح والاحتواء.. الحب أن تخلقوا لهم أجنحة، ليحلقوا بها في أرحاب الكون الفسيح، لا أن تكسروا أجنحتهم وتكبلوها بالقيود والعقد، التي تسمم حياتهم وتجلب لهم الضياع والشقاء.

 

  اتركوهم يعيشون كما يرغبون، يلتحقون بالكلية التي يريدون.. يمتهنون المهنة التي يُحبون.. يختارون شركاء حياتهم بأنفسهم  فقط.

 ربّوهم بطريقه صحيحة تُكسبهم الثقة في أنفسهم.. ربوهم على كيفية الاختيار الصحيح، وليس الاختيار الأحمق، دربوهم على التمييز بين النافع والضار،  ثم اتركوا لهم حق تقرير مصيرهم بعد ذلك، بكامل حريتهم، وليتحملوا مسئولية اختياراتهم.. وليكن تدخلكم فقط لتقديم المساعدة أو الدعم أو درء الخطر، دون المساس بخصوصيتهم أو مشاعرهم.

كم من أسر لا يعلم بحالها إلا الله، بسبب رغبة الأهل في زواج أبنائهم وبناتهم على حسب قناعاتهم وتفكيرهم، فهذا الأب يرغب في أن يطمئن على ابنته قبل وفاته، فيستخدم مشاعرها تجاهه لكي توافق على الزواج من شخص مناسب من وجهة نظر الأب، الذي يرحل ويتركها مع شخص يعاني من كل الأمراض.

 هنا يكون قدرها أن تعيش لتمرّضه، وربما كان لا ينجب فتتحمل قدرها في عدم الشعور بالأمومة، أو يعاني من مشاكل  نفسية وعصبية ومادية، تصل لدرجة التهديد بالتدمير، أو الحرمان من الأبناء، حال إنهاء العلاقة الشكلية، فتشفق على أبنائها فتتحمل أن تعيش زوجة (مع إيقاف التنفيذ) طوال حياتها، لتضيع أجمل سنوات شبابها وعمرها حتى يغطى الشعر الأبيض رأسها، وتصبح في مرحلة عمرية لا ترغب فيها في شيء، سوى محبة أبنائها وتقديرهم، وانتظار يوم الرحيل، كأنما هو الراحة الوحيدة لروحها المعذبة.

  يا ليت هذا الأب تركها لمصيرها، وأيقن أن الله موجود، لكن باسم الحب حكم عليها بهذه الحياة.. وهذه الأم التي فرَّقت بين ابنها وزوجته، التي يحبها وهدمت البيت وشردت الأسرة باسم الحب لابنها، واعتبارها زوجته غريمة وليست ابنة لها وأماً لأحفادها لتحكم عليه بالتعاسة والألم.. فكم من أسُر انهارت وبيوت خُرِّبت، وأرواح تحيا مُعذّبة باسم الحب.. والكثير والكثير من حكايات البشر، التي هي أقرب للخيال منها للواقع!

الحب معنى كبير، وليس كلمة تُستخدم للسيطرة وفرض السلطة والتملّك، الحب هو أن نسعد لسعادة من نحب دون انتظار مقابل.. تكفينا ابتسامة صافية صادقة مرسومة على وجوههم والاطمئنان عليهم..

ليس من حق الأم التي اختارت أن تعيش لأبنائها فقط، أن تطالبهم بدفع ثمن هذه التضحية عن طريق تنفيذ رغباتها.. فليس لهم ذنب لأنها مَن اختارت بمحض إرادتها التضحية فلماذا تعاقبهم بذنب اختيارها؟؟!.. اتركوهم يسعدون بحياتهم بالشكل الذي يريدونه وكونوا لهم سنداً وناصحٱ وقت المحن والأزمات، فلا يكلف الله نفسٱ إلا وسعها، فإذا لم نرحم أبناءنا فمن ذا سيرحمهم في هذه الدنيا القاسية، وتذكروا دائماً أن الحب معنى كبير، ولا ينبع إلا من قلب كبير.

 

بقلم الأستاذة الدكتورة/ نشوة عمر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى