مقال رئيس التحريرملفاتمميز

قصة درامية تحكيها موظفة.. ما الآثار طويلة الأمد للتعرض للتحرش الجنسي بمكان العمل؟

  يؤثر التعرض للتحرش الجنسي على الصحة والمال والعلاقات على المدى القصير.. لكن له في الوقت نفسه تأثيرات مهنية يمكن أن تستمر حتى التقاعد.

 

كانت السنوات الأربع الماضية دراماتيكية بالنسبة لكيم بيني، البالغة من العمر 42 عامًا والتي تعيش في بلدة ساندياكر بإنجلترا، ففي فبراير/شباط 2017 أجرت مقابلة شخصية لوظيفة سائق متدرب بشركة (هايويز إنجلاند)، وهي شركة مملوكة للحكومة مسؤولة عن الطرق السريعة والطرق الرئيسية، والمعروفة الآن باسم (ناشيونال هايويز).. وكانت بيني، وهي أم لطفلين، متحمسة لإمكانية العمل في هذه الوظيفة والحصول على مقابل مادي جيد.

 

تقول بيني:  كان من المفترض أن يكون ذلك بداية لمهنة جديدة بالنسبة لي، فلم تكن لدي مسيرة مهنية محددة قبل ذلك، لأنني كنت أعمل دائما من أجل دفع الفواتير فقط .

وفي نفس يوم المقابلة، حصل مدير في الشركة على رقم هاتفها من نموذج طلب التوظيف الخاص بها وبدأ في مراسلتها. وزادت الرسائل بسرعة، سواء في شكل رسائل نصية أو رسائل عبر موقع فيسبوك، وأصبح من الواضح أن هذا لم يكن مجرد مزاح في مكان العمل، إذ طلب منها أن يُقبلها، وطلب خدمات جنسية وأرسل لها صورًا عارية جزئيًا. كما خدعها، مدعياً أن مؤهلاتها سيئة للغاية وأنها بحاجة إليه للحصول على الوظيفة.

وعندما هددته بإبلاغ قسم الموارد البشرية بالشركة، قال إنه يمكن أن يقتلها لو فعلت ذلك.

شعرت بيني أنها مضطرة للاستمرار في التحدث معه من أجل الحصول على الوظيفة. وفي نهاية المطاف عُينت في هذه الوظيفة، وبدأت العمل في شهر أبريل/نيسان في المحطة التي عينها فيها.

لقد اختار لها هذا الموقع خصيصا بحيث يكون أحد أصدقائه هو المشرف عليها، وبالتالي سيكون قادرًا على ممارسة السيطرة عليها نيابة عنه.

وبعد أسبوعين من بدء العمل، تقدمت بيني بشكوى إلى قسم الموارد البشرية، التي قالت إنه ألقى باللوم عليها وقلل من شأنها، ورفض طلبها بتغيير مكان عملها. وبعد استئناف غير ناجح، اضطرت للاستقالة من منصبها في أغسطس/آب 2017.

لم تنته الأمور عند هذا الحد، إذ تقدمت بيني بشكوى إلى محكمة العمل، وهي هيئة حكومية تنظر في دعاوى المعاملة غير القانونية للموظفين.

وفي مارس/آذار 2020، حكمت المحكمة لصالحها ووصفت تعامل شركتها مع المشكلة بأنه “سيئ للغاية” ومنحتها تعويضا قدره 74,000 جنيه إسترليني (100,000 دولار).

تقول بيني، التي كانت تعمل على فترات أثناء سير قضيتها القانونية: لقد كان مبلغًا ضخمًا من المال، لكن الأمر لم يكن يتعلق أبدًا بالمال، فقد فعلت ذلك لأنني كنت أريد أن يُسمع صوتي.

وكان لهذه القضية أيضًا تأثيرات على نطاق أوسع، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2020 وقعت شركة (هايوينز إنجلاند)، وثيقة قانونية تلتزم بموجبها بحماية موظفيها من التحرش الجنسي.

تقول بيني الآن: لقد دفعتني هذه التجربة بأكملها إلى حافة الهاوية تماما.

وأعربت بيني عن امتنانها لمحاميها ولأفراد عائلتها، الذين قدموا لها كل الدعم خلال محنتها. لكن بيني تقول إنها وجدت صعوبة في استعادة الثقة في الأفراد والمؤسسات التي خذلتها.

ولو لم تؤد تلك المضايقات إلى استقالتها من منصبها، فإنها تعتقد أنها كانت ستستمر في العمل بشركة “هايويز إنغلاند” وتبني مسيرتها المهنية هناك. لكنها بدلاً من ذلك تعمل حاليًا بدوام جزئي، وبأجر أدنى، سائقة لتوصيل الطلبات. كما تتدرب وتبحث عن وظيفة في مجال الصحة والسلامة البيئية، على الرغم من أن هذا البحث لم يكلل بالنجاح حتى الآن.

وتعد حالة بيني غير عادية، لأنه جرى الإعلان عنها وحققت نتيجة قانونية ناجحة، لكن معظم حالات التحرش الجنسي تظل في الخفاء ولا يُبلَّغ عنها. لكن الشائع في قصتها هو تأثير التحرش على حياتها، فقد امتدت هذه الآثار – وستستمر – لفترة طويلة بعد فترة التحرش نفسها.

ونظرًا لأن الحوادث من هذا النوع من السلوك غير اللائق تظل في الخفاء في أغلب الأحيان، فقد يكون من الصعب كشفها ثم تحديد مدى التحرش الجنسي. وقد يُنظر إلى التحرش بشكل مختلف تمامًا وفقًا للخلفية والثقافة والسياق الذي حدث فيه ذلك.

لكن ما نعرفه، مهما كان تعريفه، هو أنه يجري الإبلاغ عن حالات التحرش الجنسي على نطاق واسع في قطاعات متنوعة، بما في ذلك الخدمة المدنية والمطاعم والزراعة ودبلوماسية المناخ. أما العوامل التي تؤثر على من يتعرض للمضايقات والتحرش، فتشمل عدة عوامل من بينها العرق والطبقة الاجتماعية وحالة الهجرة، لكن كل قصة ستكون فريدة من نوعها.

بشكل عام، تشمل مخاطر العمل المباشرة للأشخاص الذين أبلغوا عن تعرضهم للتحرش الجنسي النبذ والطرد من العمل. ووفقًا لتحليل أسترالي أجرى عام 2019 حول التحرش الجنسي، ومن بين الحالات التي شهدت كتابة تقارير رسمية بشأن هذه الحوادث، استقال 17 في المئة من الضحايا وفصل ثمانية في المئة (مقارنة بـ 11 في المئة وخمسة في المئة على التوالي من الجناة).

بعبارة أخرى، كان الأشخاص الذين عانوا من التحرش أكثر عرضة لترك وظائفهم من أولئك الذين ارتكبوا التحرش. وقد يضطر الشخص المستهدف من التحرش إلى ترك وظيفته لتجنب المتحرش أو الرحيل عن الشركة التي لا تحميه.

وحتى عندما لا يكون الشخص الذي تعرض للتحرش هو الشخص الذي يترك العمل، فقد يكون من غير المريح البقاء في بيئة تدهورت فيها الثقة.

تعرف شيري مارتس، البالغة من العمر 65 عامًا، هذا الأمر جيدًا. ففي عام 1983، عندما كانت طالبة دراسات عليا في جامعة ديوك في الولايات المتحدة، بدأ أحد الفنيين مضايقتها والتحرش بها في المختبر، ثم طاردها في منزلها.

أخبرت مارتس مشرفها وقالت له: “لا يمكنني العمل في هذا المختبر بعد الآن، لأنه في كل مرة يمشي فيها هذا الرجل أمامي ترتجف يدي، لكن المشرف قال لي إنه يتعين علي أن أعتاد على ذلك لأن هذا سوف يحدث مرة أخرى”.

ولم يكن رد فعل أحد كبار الموظفين أفضل من ذلك، فعندما أخبرته مارتس وضع يديه على أذنيه في إشارة إلى أنه لا يريد سماع ذلك.

قدمت مارتس شكوى بذلك إلى مكتب تكافؤ فرص العمل بالجامعة، وهو الأمر الذي أدى إلى استقالة المتحرش من منصبه.

تقول مارتس: “لكنهم أيضًا جعلوا جميع أعضاء هيئة التدريس يشاركون في تدريب لمكافحة التحرش الجنسي مرة أخرى، وهو الأمر الذي جعلني شخصًا غير مرغوب فيه في القسم. لقد رأى طلاب الدراسات العليا الأكبر سناً أنني أصبحت منبوذة وقرروا عدم التحدث معي”.

وكان يتعين عليها أن تعمل مع مشرفين آخرين، وبدأت العمل مع عضو هيئة تدريس على وشك التقاعد كان متعاطفًا معها لأن ابنته أيضا كانت تعاني من التحرش الجنسي.

وعلى الرغم من أن مارتس كانت تعمل في مكان جيد وقدم لها الدعم اللازم، إلا أن مسيرتها الأكاديمية قد تعطلت، ليس فقط بسبب التحرش، ولكن أيضًا بسبب الأشخاص المحيطين بها الذين لاموها على الإبلاغ عما حدث لها. (الانتقام يمتد في بعض الأحيان إلى الأشخاص الذين يساعدون الضحايا).

وهناك أيضًا تداعيات نفسية ناجمة عن التعرض للتحرش الجنسي، مثل القلق والاكتئاب والصدمة. ويمكن أن تتضاعف هذه التداعيات بالنسبة للشخص الذي لا يستطيع ترك وظيفته رغم تعرضه للتحرش.

أصبحت جون باريت عاملة منازل بدوام كامل وهي في السادسة عشرة من عمرها، في كينغستون بجامايكا. وتعلمت في سن مبكرة أن “هناك تاريخًا من العنف الجنسي في العمل المنزلي”، وقد تبعها ذلك في منزلها الجديد في فلوريدا بالولايات المتحدة.

تقول باريت “بمجرد أن تذهب خلف تلك الأبواب، تصبح بمفردك فقط في مواجهة صاحب العمل الخاص بك، فليس هناك وسيط ولا قسم للموارد البشرية”.

وفي عام 2014، وفي الليلة الأولى لباريت في العمل لرعاية عميل مسن، طلب منها النوم بجانبه في الفراش. شعرت باريت بالقلق وأغلقت باب غرفة نومها بإحكام في تلك الليلة، لكن المضايقات زادت، ووصلت خلال الأشهر القليلة التالية إلى تلمس جسدها.

لم تبلغ باريت الجهة الوسيطة التي جلبت لها هذه الوظيفة، لأنها لا تستطيع تحمل تكاليف الاستغناء عن العمل، وكانت بحاجة لدفع فواتير إيجار المنزل والرعاية الصحية.

وفي أغلب الأحيان، لا يستطيع العمال المنزليون تقديم شكوى، لأنهم قد يجدون صعوبة في إيجاد فرص أخرى للعمل في المستقبل.

وفي حالة باريت، اكتفت ابنة العميل بالضحك فقط عندما شاهدت والدها وهو يتحرش بباريت!

ولم ترحل باريت إلا عندما وجدت وظيفة جديدة. وتعد هذه التجربة أحد الأسباب العديدة التي تجعل باريت تدافع عن قانون حقوق العمال المنزليين الوطنيين. وتعتقد باريت أنه في ظل مثل هذه الحماية والأجور اللائقة، فإن عاملات المنازل اللاتي يتعرضن للتحرش الجنسي “سيشعرن بالأمان للمضي قدما”.

ويدفع التحرش الجنسي النساء إلى الخروج من قطاعات معينة، وبالتالي استمرار الفصل بين الجنسين. لقد تركت مارتس الأوساط الأكاديمية بعد حصولها على الدكتوراه وزمالة ما بعد الدكتوراه. صحيح أن التحرش لم يكن السبب الوحيد لابتعادها عن هذا المجال، لكنه كان “بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير”.

وتظهر دراسات من أستراليا والولايات المتحدة حالات من التحرش الجنسي دمرت العديد من الوظائف الأكاديمية.

ويمكن للعمل في مناخ من التحرش الجنسي أن يؤدي إلى رحيل حتى أولئك الذين لا يتأثرون بشكل مباشر.

كانت سارة هاميلتون، طالبة دراسات عليا في ولاية أوريغون الأمريكية، تدعم صديقة مقربة لها في قضية تحرش جنسي. تقول هاميلتون إن هذه التجربة غير المباشرة “أبعدتني بالتأكيد عن متابعة الأوساط الأكاديمية”، رغم أنها تعتقد أنها كانت ستصبح أستاذة جيدة.

وكما هو الحال مع مارتس، تخطط هاميلتون للحصول على الدكتوراه، لكن بعد ذلك ستعمل في المجال الحكومي أو المنظمات غير الحكومية.

تقول أديتوتو أينا بيليمو، التي تجري أبحاثا في القانون والتحرش الجنسي في جامعة ريديمير في نيجيريا، إن ثقافة التحرش يمكن أن تدفع الناس إلى الابتعاد عن المجال القانوني أيضًا. فكما هو الحال في الأوساط الأكاديمية، فإن هذا المجال الهرمي للغاية يعتمد فيه العمال الصغار على الإرشاد الوثيق والإشراف من جانب كبار السن.

تقول بيليمو: “الشكوى من محامٍ أو قاضٍ رفيع المستوى يكون لها بعض الآثار غير الجيدة على الحياة المهنية للضحية بسبب هيكل السلطة في هذه المهنة”.

تتذكر بيليمو أن امرأة قررت عدم العمل في المجال القانوني مرة أخرى بعد أن تعرضت للتحرش الجنسي من قبل الشركاء الرئيسيين في شركتي المحاماة اللتين عملت بهما.

ومن الواضح أن هذا يؤدي إلى خسارة الأموال بمرور الوقت، فقد أظهرت دراسة أمريكية تتبعت سكان ولاية مينيسوتا لأكثر من 23 عامًا وجود صلة بين التحرش في أواخر العشرينيات من عمر المرأة وانعدام الأمن المالي بسبب تغيير الوظيفة في أوائل الثلاثينيات من العمر.

وتعني الثغرات في التوظيف والخبرات الضعيفة أن العديد من الأشخاص الذين يتركون العمل بعد التحرش الجنسي يضطرون إلى القبول بأعمال ذات مستوى أقل من حيث الأجر والمسؤولية.

___________________________

المصدر: بي بي سي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى