ملفاتمميز

رؤية مستقبلية لتيارات الإسلام السياسي علي ضوء تراجع دورها عربيًا- ودوليًا

إعداد/ على الحاروني

لقد شهد تيار الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط وفي القلب منها العالمان العربي والإسلامي انهياراً واضحاً في الحقبة الأخيرة، وهو ما شاهدناه في تونس ومصر وليبيا.. ليس هذا فحسب بل نجد أيضاً ملف الإسلام السياسي علي طاولة الدول الأوروبية، حيث اتخذت الأخيرة عديد الإجراءات لتحجيم التيارات الإسلامية المتطرفة التي تشكل تهديداً لأمن المجتمع الأوروبي ولا سيما في فرنسا وألمانيا.

 

 

وفي إطار تحليل مؤشرات وأسباب الإنهيار الداخلي والخارجي لتيارات الإسلام السياسي واستشراف لمستقبلها سوف تدور محاور دراساتنا عبر ثلاثة مباحث رئيسية علي النحو التالي:

أولاً: مؤشرات الانهيار الداخلي والحظر الخارجي لتيارات الإسلام السياسي

هناك العديد من الدلائل والمؤشرات التي تؤكد علي تراجع دور الإسلام السياسي سواء عربياً أو أوروبياً حيث الإنقسامات داخل تيارات الإسلام السياسي ولعل هذا ما اتضح جلياً في تونس حيث الصراع الداخلي لحركة النهضة التونسية والذي تمثل مؤخراً في الخلاف بين أعضاء الحركة خاصة ما يطلق عليهم مجموعة المائة علي خلافة راشد الغنوشي في منصب زعيم الحركة خاصة بعد توليه دورتين لرئاسة الحركة عام 2012م , 2016م وأن توليهم توليه الولاية الثالثة يعارض الفصل الثالث من القانون الأساسي للحركة هذا ناهيك عن تراجع شعبية النهضة في تونس بنسبة تصل إلي 68% بسبب إنعدام الثقة في راشد الغنوس وذلك وفقاً لإستطلاعات الرأي الدولية والإقليليمة والتي تمثلت في مؤسسة ( سيجما كونساي ) بالتعاون مع جريدة المغرب التونسية في يونيو 2021م.

وإلي جانب الانقسامات داخل تيارات الإسلام السياسي فيما يتعلق بالصراع علي رئاسة حركة النهضة بتونس، نجد هناك انقسامات عميقة داخل حركة النهضة فيما يتعلق بالعلاقة مع الرئيس التونسي ( قيس سعيد ) خاصة بعد إقدامه علي إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وتجميد البرلمان والدعوات للتظاهر ضد رئيس الدولة والاستقواء بالخارج وهو ما يعبر عن رؤية الحركات السياسية المقربة من أعضاء النهضة مثل (قلب الأسد) و (ايتلاف الكرامة) والتي تري ضرورة تجنب التوتر وفتح المجال للحوار الوطني نظراً لأن مؤسسات الدولة التونسية لا تحتمل التعطيل أوالإنهيار بسبب الأزمات الطاحنة التي تواجهها تونس علي الصعيد الإقتصادي والإجتماعي …

  وهذا ما أعلنته أيضاً قيادات النسائية بحركة النهضة في تونس وإنسحابها من مجلس شوري الحركة وعدم إعترافهن بقراراته. ناهيك عن اختلافات وخلافات الإخوان المسلمين في ليبيا ومصر مع إتخاذ بعض الدول الأوروبية إجراءات لتحجيم التيارات الإسلامية المتطرفة خاصة في فرنسا حيث قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عام 2020 بحملة ضد ما أسماه (الانفصالية الإسلامية) وأقر قانون لمكافحة النزاعات الإنفصالية في فرنسا والتي تمت الموافقة عليه في فبراير 2021م مع إقدام السلطات الفرنسية علي إغلاق مدراس ومساجد وجميعات خيرية إسلامية وذلك لمحاربة الإسلام الأصولي مع تخفيض عدد الأئمة الأتراك لتحييد الجماعات المرتبطة بتركياً في ظل التحذير من تحول السفارة التركية بباريس إلي مركز مخابراتي لحزب العدالة والتنمية التركي.

أما في ألمانيا فلقد تكررت دعوات المجتمع المدني للحكومة وعلي رأسها سياسيون وشخصيات في التحالف المسيحي بضرورة التصدي بكل حزم للإسلام السياسي في البلاد بعد الهجوم الإرهابي في مدينة نيس الفرنسية وفي هذا السياق حاولت ألمانيا تحجيم مخاطر تيارات الإسلام السياسي من خلال إصدار قرار بإطلاق دورة تدريبية جديدة لتكوين الأئمة في ألمانيا.

وإلى جانب ذلك نجد النمسا بعد قيامها بتطبيق قانون يخطر رموز وشعارات التنظيمات المتطرفة وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين وحزب الله وتنظيم الذئاب الرمادية التركي استحدثت جريمة جنائية جديدة تسمي ( الإسلام السياسي ) في نهاية عام 2020م لملاحقة الأشخاص الذين يوفرون أرضية خصبة للإرهاب.

ثانياً: سر إخفاق تيارات الإسلام السياسي وأسبابه  

إذا حاولنا تأصيل تجربة الإسلام السياسي في العالمين العربي والإسلامي علي ضوء ثورات الربيع العربي وما تلاها من أحداث علي ضوء تجارب مصر وليبيا وأخيراً تونس, يمكن القول إن هناك العديد من الأسباب والسياسات التي عجلت بإنهيار دولة الإسلام السياسي بلا رجعة ومن أهمها إخفاق الإسلام السياسي في صياغة وتبني نموذج سياسي مقبول من المجتمعات العريبة لاسيما في مصر من قبل جماعة الإخوان المسلمين المصرية وحركة النهضة التونسية أثناء فترة حكمهم وعجزهم عن تبني برنامج إصلاح اجتماعي واقتصادي وسياسي متكامل مع تبنيهم لممارسات سلطوية ونخبوية من أجل الاستئثار بالسلطة ناهيك عن غياب الديموقراطية الداخلية داخلها مع وجود إنقسامات وإنشقاقات داخل التيار الإسلامي السياسي سواء في تونس أو مصر ومما أدي في النهاية إلي عزوف الشارع عن المشاركة السياسية لإنعدام الثقة في هذه التيارات.

ومن بين أسباب انهيار وتراجع تيار الإسلام السياسي تراجع نموذج حكم حزب العدالة والتنمية الإسلامي في تركيا ما أدي إلي إنحسار شعبية الإسلام السياسي في المنطقة وأوروبا لعدم إحترامهم قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وما دفع أوروبا إلي توجيه انتقادات لاذعة لتركيا خاصة مع الممارسات والسياسات العدائية لرجب طيب أردوغان مع دول الجوار وأوروبا مما جعل الجميع يتشكك في النموذج التركي والذي روجت له الولايات المتحدة مثل عام 2011م بأنه النموذج الناجح الذي يجمع بين الديمقراطيه والإسلام ودعت دول المنطقة إلي الاقتداء به عقب ثورات الربيع العري وتزامناً مع ذلك أدت الحوادث الإرهابية والتطرف إلي إقدام أوروبا علي تحجيم الإسلام السياسي خاصة بعد تمكن تركيا من توظيف التيارات الدينية لتصفية الأفراد المناوئين لها.

ثالثاً: رؤية مستقبلية للإسلام السياسي.. انهيار أم تفاعل

علي ضوء ما سبق يمكن القول بأن حركات الإسلام السياسي تواجه تحديات كبيرة من أبرزها إنعدام الثقة الشعبية فيها لسلطويتها ورغبتها في الإستئثار بالسلطه وغياب الديمقراطية بداخلها وجمود النخبة السياسية بها واتباع سياسات العنف مع الأحداث السياسية والإقتصادية بالدولة ولنا في تونس مؤخراً خير شاهد ودليل كما أن فقدها للدعم الدولى أو الإمريكي أو التركي الإقليمي أدي إلي إضعاف جماعات الإسلام السياسي في المستقبل بل وانهياره خاصةً وأنها لا تستطيع التبرؤ من إرث الماضي والذي يعني السلطوية والعنف ومن هنا فلا أمل في استعادة ثقة الشارع العري وبخاصة التونسي أو الليبي أو المصري، مع تراجع دورها في المشهد السياسي في عدد من الدول العربية ولكن كيف سيتفاعل تيارات الإسلام السياسي مع هذ التحديات والمستجدات والتي ستحدد حدود دورها في المنطقة ومدي بقائها واستمرارها في المستقبل.

وهذا يتوقف علي استعدادهم للدخول في حوار وطني مع كافة القوي السياسية ونقدها لذاتها وقيامها بمراجعة برامجها وتجديد مبادئها وأهدافها وإعادة النظر في إختياراتها بما يتناسب مع طموحات الشارع العربي وإحتياجات البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً … إلخ. ولعل هذا ما أعلنه مجلس شورى حركة النهضة (إخوان تونس) برئاسة عبد الكريم الهاروني وتأكيده علي استعداد الحركة لنهج الحوار مع جميع الأطراف الوطنية وفي مقدمتها رئيس الجمهورية قيس سعيد من أجل تجاوز تونس لازماتها المتعددة والمتنوعة فهل تصدق النوايا ويتحقق ذلك علي أرض الواقع ؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى