ملفاتمميز

 هل يمكن لروسيا والصين خلق عُملة احتياطية عالمية جديدة بديلة للدولار الأمريكي ؟!

شارع الصحافة/ كتب- علي الحاروني:

أشارت عديد من الدراسات والتقارير الدولية إلي أن هناك خطوات جادة روسية وصينية لإطلاق عملة جديدة مدعومة بالذهب للإطاحة بالدولار الأمريكي أو التخفيف من وصايته علي الاقتصاد العالمي بصفته عمله احتياطية أساسية في العالم ومهيمنة علي نظام التجارة العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

– وإن كانت هناك دوافع ومحفزات روسية للتخلي عن الدولار الأمريكي بسبب العقوبات المفروضة عليها جراء غزو أوكرانيا وشراء وزيادة الطلب علي الذهب لإصدار عملة بديلة فإن الصين نظراً لحربها التجارية مع أمريكا والتوترات في جزيرة تايوان وتصعيد الحرب الروسية الأوكرانية قد حفزها علي شراء كمية كبيرة من الذهب لإطلاق عملة جديدة مدعومة بالذهب .

– ولكن إلي أي مدي يمكن لبيكين وموسكو النجاح في ذلك ؟

وكيف سيؤثر ذلك علي مكانة الدولار في الاقتصاد العالمي ؟ هذا ما سوف نتناوله عبر ثلاثة محاور رئيسة:

أولاً- خطوات روسية – صينية للحد من هيمنة الدولار علي الاقتصاد العالمي:

– في هذا السياق عليه يمكن الإشارة إلي أن فكرة العملة الروسية الصينية المشتركة تم الحديث عنها تكراراً ومراراً في الماضي خاصة بعد أن افتتح البنك المركزي الروسي أول مكتب خارجي له في بكين عام 2017 م والحديث عن ضرورة إصلاح النظام المالي العالمي بما يضمن وضع حد لهيمنة الدولار الأمريكي علي الأسواق المالية العالمية والتحكم في مصير الاقتصاديات المتقدمة والنامية.

 

– كما أن روسيا قد سعت بشكل بارز منذ ضمها شبه جزيرة القرم في عام 2014م لمواجهة الهيمنة الدولارية والحد من اعتمادها الزائد علي الدولار في المعاملات الاقتصادية والتجارية مع العالم من حيث حماية سيادتها النقدية وتخفيف مخاطر العقوبات الأمريكية والأوروبية علي اقتصادها خاصة تلك التي تحد من قدرتها علي الوصول إلي النظام المالي العالمي.

وفي هذا السياق، اتخذت الحكومة الروسية خطوات أكثر جدية للحد من استخدام الدولار فى معاملتها الدولية مقابل زيادة إستخدام الروبل الروسي والعملات الآخري وكان أخر هذه الخطوات في 6 سبتمبر 2022م حيث أعلنت مجموعة ( غاز بروم ) الروسية أن الصين ستبدأ تسديد ثمن شحنات الغاز الروسي بالروبل واليوان بدلاً من الدولار مع محاولة خفض حصة الدولار من الاحتياطي النقدي الروسي واستبدال باليوان واليورو ، وخفض حصة الدولار في التجارة الروسية مع الدول الصديقة لإعطاء الأولوية لاستخدام العملات المحلية في التجارة الثنائية.

 

– إضافة إلي السعي الروسي – الصيني للحد من ظاهرة ( البترودولار ) واعتماد الروبل أو اليوان كعملة معتمدة لتسوية مبادلات الطاقة الدولية ومن هنا أصدرت روسيا مرسوماً في مارس 2022 م يقضي ببيع الغاز والنفط الروسي إلي الدول غير الصديقة بالروبل بدلاً من الدولار واليورو وهو شرط أساسي لاستمرار عقود الغاز مع تلك الدول.

 

– كما أن روسيا والصين حاولت إدراج عملات جديدة في الاحتياطي النقدي العالمي وتنويع قائمة العملات في سلة حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي وعملات الاحتياطي النقدي العالمي عن طريق إدراج عملات دول البريكس والروبل تحديداً ضمنها بيد أن ذلك المقترح توبل بالرفض من قبل صندوق النقد الدولي بسبب عدم قدرة العملة الروسية علي تلبية الطلب الهائل علي العملات.

ثانياً- محددات نجاح روسيا والصين في خلق عملة مشتركة احتياطية عالمية:

– وإذا أردنا إجراء نظرة تحليلية علي قدرة الصين وروسيا علي إصدار عملة مشتركة بديلاً للدولار الأمريكي فإنه يمكن القول بأن ذلك يتوقف علي عدة عوامل منها.

– أن يكون هناك رغبة عالمية لهذا التوجه لتحدي هيمنة الدولار من خلال إنشاء عملة احتياطية جديدة.

– أن يكون هناك تطوير في نظام تجارة السلع والخدمات العالمية علي أساس اليوان.

– أن يكون هناك رصيد ذهب قياسى لكسب ثقة العالم في العملة الاحتياطية الجديدة وهذا ما فعلته الصين في الآونة الأخيرة حيث أعلنت إدارة الجمارك الفيدرالية السويسرية في أغسطس 2022م أن الصين أحد أكبر مشتري سبائك الذهب في العالم تلقت أكثر من 80 طناً من سويسرا في شهر يوليو 2022م بزيادة ثمانية أضعاف عن شهر مايو 2022م وتشير البيانات المالية الدولية الصادرة في مارس 2022م إلي أن الصين تمتلك سابع أكبر احتياطي عالمي للذهب وبلا شك فإن استخدام الذهب لدعم العملة بعد أفضل توطين وكسب الثقة في العملة البديلة المشتركة.

– أن أي عملة دولية بديلة مثل اليورو مثلاً تتطلب تكاملاً اقتصادياً وبيئة سياسية خصبة وتنسيق تشريعي ومالي علي أعلي مستوي كما هو في الاتحاد الأوروبي إضافة إلي قدرة العملة الاحتياطية البديلة علي تلبيه الطلبات العالمية عليها في المعاملات الدولية وهذا غير متوفر حتي الآن وعلي ذلك فإن ثقة العالم في مستقبل الآفاق الاقتصادية للصين وروسيا أو عدم وجودها ستحدد مستقبل أي عملة مشتركة محتمل وجودها في المستقبل القريب أو علي المدي البعيد.

– يتوقف نجاح روسيا والصين في سياسة تدويل عملة احتياطية عالمية بديلاً للدولار علي مكانة عملتها كعملة احتياطية عالمية ومساهمتها في نظام المدفوعات الدولية واستخدام عملتها علي نطاق واسع بين الدول .

ثالثاً- رؤية مستقبلية:

والخلاصة مما سبق أن الصين وروسيا لن يتمكنا في المستقبل القريب خلق عملة احتياطية دولية في العالم بديلاً للدولار الأمريكي لعدم قدرتهما علي التنافس مع العملات المهيمنة علي الاقتصاد العالمي خاصة الدولار الأمريكي، بيد أن السياسات الانتقائية الأمريكية والعقوبات المنتقاة ضد دول بعينها والحروب التجارية مع الدول الكبري واستخدام الدولار كسلاح في هذا الشأن قد يحفز العديد من الدول للسير علي خطي روسيا والصين في تقليص الاعتماد علي الدولار وعلي نحو يدعم نشوء نظام مالي عالمي قائم علي عملات متعددة ومتنوعة.

 بيد أن الحقيقة الماثلة في الاقتصاديات العالمية حتي الآن أن الدولار الأمريكي سيبقي العملة الأكثر أماناً واستخداماً في العالم حيث أنه لا توجد عملة أخري مدعومة بالذهب أو بغيره يمكن مقارنتها بالدولار الأمريكي في المستقبل القريب ومن هنا فإن العديد من الخبراء الاقتصاديين يرون أنه حتي في حال استخدام كلا البلدين عملة جديدة في المعاملات التجارية الثنائية فإن حجم التجارة الصغير نسبياً سيحد من التأثير في الدولار الأمريكي حيث أنه في شهر أغسطس 2022م تم إجراء 43% من المدفوعات العالمية بالدولار الأمريكي و 34% باليورو فيما بلغت المدفوعات العالمية بالعملة الصينية أو الروسية 2% من إجمالي المدفوعات العالمية وأنه رغم الجهود الحثيثة لروسيا والصين لخلق عملة احتياطية عالمية فإن عملتهما المحلية لم تستطيعا حتي الآن أن تحتل نسبة تذكر في الاحتياطيات العالمية للعملات الأجنبية حتي سبتمبر 2022م وعدم إستحواذهما علي نسبة تذكر في المدفوعات الدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى