في ظل التداعيات الطاحنة التي يمر بها العالم أجمع وفي القلب منه منطقة الشرق الأوسط والعالمين العربي والإسلامي من جراء التغيرات المناخية ومؤشراتها الصعبة المتمثلة في تصاعد درجات الحرارة وفقاً للتقرير الصادر عن (الاتحاد من أجل المتوسط ) بأن درجة الحرارة في منطقة البحر المتوسط إرتفعت بما يزيد على 20% مقارنة بالمتوسط العالمى وبما يعادل 1.5 درجة مئوية تقريباً والتوقع يزيادتها بمقدار 2.2 درجة درجة مئوية بحلول عام 2030م وبما يتجاوز 3.8 درجة مئوية بحلول عام 2040م / 2050م.
ومن الملاحظ ارتفاع منسوب المياه والذى حذر منه البنك الدولى فى تقريره عام 2020م / 2021م من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أكثر المناطق عرضه للخطر نتيجة لإرتفاع منسوب مياه البحر والذى يؤدى إلى غرق أجزاء من الأراضى الزراعية الخصبة وإرتفاع نسبة الملوحة فى باقى الأراضى.
هذا مع إحتمالية ترشح منطقة الشرق الأوسط للسيول العنيفة مستقبلاً وهو ما قد يؤثر على الإستقرار السكانى فى المنطقة وتغيير الخريطة الديموغرافية فيها.
ليس هذا فحسب بل وفقاً لما أشارت إليه وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) إلى تعرض منطقة شمال أفريقيا إلى موجات جفاف شديدة مما يعرض الأراضي الزراعية للتصحر مع توقع تناقص المياة خلال العقد القادم نتيجة الجفاف وبالتالى زيادة الضغط على المياه الجوفية وقلة المحاصيل الزراعية والإنتاج الغذائى وهو ما سيؤثر على دول منطقة الشرق الأوسط أمنياً وسياسياً واجتماعياً وإقتصادياً.
وإزاء كل ذلك فأن التداعيات الخطيرة للتغيرات المناخية يكمن أهمها فى الأبعاد الأمنية المسكوت عنها بأبعادها الدولية إقتصادياً حيث تكبد الإقتصاديات العالمية خسائر فادحة نتيجة الحرائق والجفاف والسيول وإرتفاع درجات الحرارة تفوق 200 مليار دولار بسبب التغيرات المناخية.
وسياسياً حيث تتحدى تلك الأزمة قدرة الأنظمة السياسية على التصدى لمخاطرها خاصة فى دول الشرق الأوسط ومنها الدول النامية مما يثير قلق مجتمعاتها ويدفع مواطنيها إلى السخط الإجتماعى على النظام السياسى القائم وأخيراً تداعيات التغيرات المناخية على الأمن الإنسانى حيث أن تلك الأزمة عابرة للحدود والقارات وبالتالى لا تقتصر تداعياتها السلبية على دولة بعينها ولكنها تنتشر فى العالم أجمع ولكن ماذا عن تأثيرات التغيرات المناخية السياسية الأمنية الداخلية فى منطقة الشرق الاوسط ؟ وما هي الحلول المقترحة للتغلب عليها ؟
أولاً- التداعيات الأمنية السياسية الداخلية للتغيرات المناخية
إضافة إلى التأثيرات السلبية المناخية على الأمن الدولى بأبعاده المختلفة إلى أن هناك العديد من المؤثرات التى تبين الأبعاد الأمنية للتغيرات المناخية فى الشرق الأوسط وتصاعد النزاعات الداخلية ووجود حالة عدم إستقرار سياسى وتوتر يمكن أن تشكل التغيرات المناخية بداياتها أو عاملاً مضاعفاً لزيادتها حيث أن إرتفاع درجات الحرارة وتزايد مشكلة ندرة المياة والجفاف والسيول وبالتالى تفاقم أزمة الغذاء والسياحة مما يزيد من تفاقم الأوضاع الأمنية فى المنطقة.
– فمثلاً ووفقاً لتقرير الأمن الغذائى والتغذية فى العالم عام 2020م فإن التغير المناخى فى سوريا أدى إلى تراجع معدلات الإنتاج الزراعى والتى تمثل 24% من إجمالى الناتج المحلى سنوياً مما نتج عنه إرتفاع معدلات الفقر والبطالة مع تراجع قيمة العملة الوطنية وتصاعد معدلات التضخم , هذا ناهيك عن تعرض سوريا لموجة من الجفاف فى منتصف عام 2000م مما أدى إلى تخلى معظم المزارعين عن مهنتهم والهجرة إلى المدن الكبرى مما أدى إرتفاع أثمان السلع الغذائية الأساسية مع إستغلال التنظيمات الإرهابية ذلك وبخاصة ( داعش ) وتأجيح الصرعات والإحتجاجات داخل سوريا والتى تحولت فيما بعد إلى حرب أهلية كانت سبباً فى تدويل الأزمة السورية والتدخلات الدولية والإقليمية فيها وهذا ما أشارت إليه تقارير صادرة عن وزارة الخارجية الألمانية منذ عام 2017م وحتى عام 2021م.
– إضافة إلى ذلك نجد أن السودان من اكثر الدول تضرراً من التغيرات المناخية بخاصة أزمة دارفور وفقاً لما أعلنه الأمين العام السابق للأمم المتحدة. ” كى مون ” من أن الصراع فى دارفور ” هو أول صراع فى العالم يتعلق بالتغيرات المناخية ” حيث بدأ لأول وهلة نتيجة أزمة بيئية تتعلق بالجفاف بسبب إنخفاض معدل سقوط الأمطار بنسبة 30% وتراجع الإنتاج الزراعى بنسبة 70% مع إرتفاع متوسط درجات الحرارة بمعدل 1.5 درجة مما أدى إلى تفجر الصراع على مراعى الماشية بين القبائل الرعوية والقبائل العاملة بالزراعة.
– وأخيراً نجد الصومال التى عانت عام 2019م من موجة جفاف شديدة بسبب إنخفاض معدلات سقوط الأمطار الشتوية مما أدى إلى مجاعة 2 مليون شخص يمثلون خمس السكان ومما أدى إلى نزاعات مسلحة تسببت فى إصفاف مؤسسات الدولة وإجبار العديد من السكان على الهجرة إلى الخارج والنزوح منها.
– وفى النهاية يؤكد ذلك على حقيقة مفادها أن التعيرات المناخية تؤدى إلى تصاعد الصراع على المياة والموارد الطبيعية والإقتصادية ويخلق حالة من عدم الإستقرار الأمنى والسياسى بالدول والذى يمثل بيئة حاضنة للإرهاب والإرهابين.
رؤية مستقبيلة لمواجهة السلبيات الأمنية للتغيرات المناخية
– في ظل تبنى الدول الصناعية المتقدمة لسياسات الخماسية البيئية وإنسحابها من إتفاقية باريس للمناخ وبخاصة أمريكا وامتداد تأثيرات التغيرات المناخية للعالم أجمع بحرائقها وجفافها وسيولها وإرتفاع درجات حرارتها كما حدث فى حرائق غابات أستراليا مثلاً فى مطلع 2020م.
وم المهم الوضع في الإعتبار أن دول الجنوب هى الأضعف فى المعادلة الدولية للتغيرات المناخية لا سيما مع وجود تأثيرات أقل حدة على دول الشمال المتقدم فإن الحاجة ملحة لضرورة تعاون دول الشرق الأوسط مع المنظمات الدولية والإقليمية لمكافحة هذه الظاهرة وتبني مفهوم (التنمية المستدامة) مع تبني إطار حل موحد لدول العالم أجمع يضع في اعتباره اختلاف خصائص دول المنطقة من حيث الطبيعة الديموغرافية والثروات الإقتصادية والوضع البيئي ودرجة الاستقرار الداخلي.
وعلى الدول الكبرى تحمل مسؤلياتها الدولية بتعويض الدول النامية والفقيرة عن تداعيات التغيرات المناخية والإحتباس الحراري حيث أنها هى المسئولة الاولى والأخيرة عن تفاقم تلك الأزمة وإمتداد تداعياتها الجسيمة على دول الشرق الأوسط والتى لا طاقة لها بتحمل تتعابتها سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً.
زر الذهاب إلى الأعلى