ملفاتمميز

العراق الجديد بين الواقع والمستقبل.. في ضوء رغبته في استعادة مكانته العربية والدولية

إعداد/ علي الحاروني:  

في ظل رغبة الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي في استعادة مكانتها العربية والدولية واستعادة هيبتها بعد عزلها منذ غزو الكويت عام 1990 حاولت الارتقاء والانفتاح على المحيط العربى والارتقاء بمستوى العلاقات مع الدول العربية لاسيما على الصعيد الاقتصادي، فجاءت قمة بغداد للتعاون والشراكة والتى تم انعقادها في 28 أغسطس 2021 فرصة ذهبية للعراق لعودتها الى الأحضان العربية وتخفيف التوترات ولاحتواء الأطماع الخارجية وسط طموحات المثلث غير العربي ( إيران وإسرائيل وتركيا) والذى تسعى القوى الكبرى لإسترضائه في كل مناسبة وضمه الى حساباتها الخاصة في لعبة التوازنات الدولية.

 

ومن هنا جاءت قمة بغداد توافقية وليست محلاً لبحث القضايا الخلافية حيث ركزت على قضايا استقرار العراق وسيادته وعدم التدخل فى شئونه ودعمها فى مجالات الاقتصاد والإستثمار وإعادة الإعمار والتعاون النفطى والوقوف بالمرصاد لحظر الإرهاب المزمن، وذلك كله رغم الأجواء المتناقضة والمعارضة لمؤتمر بغداد بسبب دعوة دولاً ليست مجاورة للعراق مثل مصر والإمارات وقطر وفرنسا بينما لم توجه الدعوى لسوريا إحدى دول الجوار العراقي.

 

 

وعلى الرغم من الجولات المكوكية للحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمى منذ توليها السلطة فى مايو 2020م لإنفتاحها على المحيط العربى والدعوة لتأسيس المشرق الجديد وتطوير العلاقات مع دول الخليج والتضامن مع الأزمات العربية اللبنانية والسورية فلقد جاءت قمة بغداد الدولية أو مؤتمر دول الجوار لإستكمال التواصل الإقليمى مع دول الجوار والمنطقة سعياً لجمع الأطراف الدولية (أمريكا وفرنسا) والإقليمية على طاولة مستديرة تتبنى مناقشة معظم الملفات السياسية والأمنية والإقتصادية ذات الاهتمام المشترك.

 

وعلى الرغم من كل ذلك فإن إمكانية تحقيق تلك الطموحات فى ظل العقبات التى لا تزال تقف حائلاً أمام هذا الإنفتاح العراقى على المحيط العربى ويأتى على رأسها النفوذ الإيرانى فى العراق وإن كان من الملحوظ أن تهدئة الصراعات الإقليمية والتوصل لإتفاقات مبدئية على تسويتها سلمياً يمكن أن يدعم جهود العراق للإنفتاح على المحيط العربي.

 

وعلى ضوء كل ذلك سوف نقوم بالبحث عبر أربعة مباحث رئيسية مؤشرات الإنفتاح العراقى على المحيط العربى ومحفزاته ودوافعه والعقبات التى تعترضه وإستشراق مستقبل العراق على ضوء مقررات قمة بغداد والذى عقد بمشاركة تسع دول إضافة الى العراق وفرنسا والذى عقد فى 28 أغسطس 2021م وذلك كله على التفصيل الآتي:

أولا- مؤشرات الانفتاح العراقي على المحيط العربي:

لقد سعت الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمى منذ وصوله للسلطة فى مايو 2020م الى الإنفتاح على العالم العربى والإسلامي وذلك من خلال جولات خارجية شملت المحيط العربى – الخليجى الى جانب الأوروبى وتوطيد أطر التعاون معها سواء على المستوى الثنائى حيث زيارة الكويت والرياض والامارات وعمان وعلى المستوى الثلاثى من خلال وضع آلية للتعاون الثلاثى بين مصر والأردن والعراق وطرح فكرة المشرق الجديد من قبل الكاظمى وذلك يوم 15 مارس 2021 وفى هذا الإطار تم عقد سلسلة من اللقاءات والإجتماعات حتى إنعقاد القمة بين زعماء الدول الثلاث فى بغداد يوم 27 يونيو 2021م.

إضافة الى ذلك كانت العراق حريصة على تأكيد تضامنها مع الجانب اللبنانى فى الأزمة التى تشهدها البلاد وقد برز ذلك بشكل لافت خلال أزمة إنفجار مرفأ بيروت فى أغسطس 2020م حيث كانت العراق فى مقدمة الدول التى قدمت مساعدات إنسانية للبنان.

ثانيا- دوافع الانفتاح العراقى على المحيط العربي:

وإذا أردنا معرفة أبرز الدوافع التى جعلت العراق تنفتح على المحيط العربى نجد أولها يتمثل زيادة معدلات التعاون الاقتصادى من خلال طرح فكرة تشكيل تكتل المشرق الجديد مع مصر والأردن لخلق منطقة إقتصادية مزدهرة تستفيد منها جميع القوى فى المنطقة لزيادة التبادل التجارى وتعزيز الاستثمارات المشتركة وبحث سبل الربط الكهربائي.

إضافة إلى ذلك، تسعى العراق من وراء الانفتاح على المحيط العربى التنسيق الأمنى والتصدى للإرهاب والوقوف بالمرصاد للنشاط المتصاعد لتنظيم داعش ومنع تسلل عناصره من سوريا للعمق العراقى ووفقاً لآخر التقديرات المعلنة من جانب الأمم المتحدة فإنه يوجد أكثر من 10ألاف مسلح لداعش لا يزالون نشطين فى العراق وسوريا.

 كما يستهدف الكاظمى عبر انفتاحه على المحيط العربي إحتواء مخاوف بعض الدول العربية خاصة السعودية من التهديدات الأمنية التى باتت تهددها إنطلاقاً من العراق فى ضوء مساعى إيران لتوظيف ميليشياتها وأدواتها فى المنطقة ضد خصومها وعلى رأسها السعودية وليس أدل على ذلك من إستهداف الميشيليات التابعة لإيران فى العراق لقصر اليمامة الملكى فى الرياض بطائرات مسيرة محملة بالمتفجرات قادمة من العراق.

 

 ويسعى الكاظمى الاستفادة من إنفتاحه العروبى لتعزيز جهود إعادة الإعمار وتعزيز التعاون النفطى من خلال تنفيذ مشروع خط انبوب البصرة – العقبة وإمكانية توسعته الى مصر ليكون إضافة مهمة ومنفذاً جديداً للصادرات النفطية الى شمال أفريقيا كما حاول الكاظمى خلال زيارته للسعودية والامارات مؤخراً زيادة مساحات التعاون وتنسيق المواقف ضمن منظمة أوبك.

 

وأخيراً يحاول الكاظمى من خلال الإنفتاح على المحيط العربى خلق جبهة عربية موحدة للتصدى للتدخلات الإقليمية فى الشئون العربية وبخاصة الإيرانية منها والتركية.

ثالثاً-تحديات الانفتاح العراقي على المحيط العربي:

من أهم المعوقات التى تعترض طريق الإنفتاج العراقى على المحيط العربى هو تصاعد النفوذ الشيعى ذات الصلة بإيرانفى العراق فالقوى والميشيليات الموالية لإيران فى الداخل العراقي تمتلك شبكات مصالح أمنية وإقتصادية فى العراق تجعلها تقف حجر عثرة أمام توجهات الكاظمى العروبية إضافة الى التصعيد الإعلامي للميليشيات الشيعية ضد الاستثمارات العربية فى العراق وبخاصة المعارضة الشيعية للاستثمارات السعودية في العراق إضافة إلي وجود قيود مؤسسية علي الانفتاح العراقي علي المحيط العربي تمثلت في وزارة الموارد المائية العراقية وبيانها في 9 نوفمبر 2020م وتحذيراتها بأن مخزون المياه الجوفية في تلك المنطقة قليل لا تتيح التوسع الهائل للإستثمار الزراعي وأن هذا المخزون هو حيوي لتلبية إحتياجات مياه الشرب في ظروف الجفاف الإستثنائية التي تشهدها منطقة شرق الأوسط وشح المياه.

 

وأخيراً يشكل خطر الإرهاب المزمن في الواقع العراقي عقبة مستقبلية أما سعي بغداد للإنفتاح علي الحاضنة العربية بشكل قد يؤثر سلبياً علي بعض الدول للإستجابة علي محاولات الانفتاح خاصة إذا ما نجحت بعض هذه العمليات الإرهابية في استهداف الاستثمارات العربية.

رابعاً- رؤية مستقبلية للعراق على ضوء مفردات بغداد:

هناك عديد من الحقائق التي يجب أن نضعها نصب أعيننا عند رسم صورة مستقبلية للعراق وتتمثل فى الأتي:

 إن قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب والفساد والخدمات وإعادة الإعمار والمياه ملفات عراقية ذات تماس دولي وإقليمي مباشر لذلك فإن عملية التواصل الإقليمى وحل الخلافات مع دول الجوار سوف يكون فى صالح العراق فى معظم الملفات السياسية والأمنية والعسكرية والزراعية والإقتصادية ومن هنا فإن مقررات قمة بغداد أو ما يسمى بإعلان بغداد قد تفضى الى توقيع بروتوكول دولى ستكون جميع الأطراف الدولية والإقليمية مهتمة به وملتزمة ببنوده.

   إن ملامح العراق الجديد تبدو ملامحها فى تأكيدها على أنها ترفض استخدام أراضيها ساحة للصراعات الإقليمية والدولية أو أن تكون منطلقاً للإعتداء على جيرانه من أى جهة كانت أى أن العراق أرادت من خلال قمة بغداد تبريد أزمات المنطقة وتنقية الأجواء بين دول الجوار وفتح نوافذ جديدة للتعاون والشراكة.

 

 إن قمة بغداد شهدت العديد من الظواهر الإيجابية من أهمها عقد أول قمة مصرية – قطرية بعد (إتفاق العلا) فى السعودية مطلع العام الحالى ولقاء أمير قطر مع الشيخ / محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات ورئيس مجلس الوزراء مع انعقاد الأخير مع وزير الخارجية الإيرانى الجديد وفى ذلك محاولة لتهيئة الأجواء والخلافات الإقليمية ومحاولة خلق شراكة عربية وخليجية مع العراق لدعم العراق وإعادة إعماره ومواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب والتى تحتاج الى التعاون الدولي والإقليمي لمواجهتها.

 

إن الإختبار الحقيقي للعراق بعد محاولتها لم الشمل العربى والدولي حولها هو الإستحقاق الإنتخابى فى أكتوبر 2021م فذلك هو الرهان الحقيقى للعراق والذى سيحتاج بكل تأكيد لدعم دولي وتأييد إقليمى خاصة أن القوى الدولية والإقليمية أدركت أهمية الهدوء في المنطقة عامة والعراق خاصة لاسيما بعد عودة جماعة طالبان لحكم أفغانستان مع ضرورة التأكيد أن الانتخابات القادمة علامة  فارقة للعراق لتحسين صورته داخلياً وخارجياً فى رحاب مشروع العراق الجديد والذى روج له لقاءات وجوالات الكاظمى عربياً ودولياً وقمة بغداد للتعاون والشراكة والتي جمعت بين الخصوم تحت سقف واحد ولم الشمل العربي بينهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى