حياة الإنسان نتاج أفكاره، وكلما كانت أفكارنا صحيحة صحت حياتنا، وقلوبنا، وعقولنا وكما يقال: (جنة المرء في صدره).. أما إذا كانت أفكارنا عقيمة خالية من التعقل والمنطق ورحابة العقل فحتما سينعكس ذلك على طرق معيشتنا وإحساسنا وتعاملاتنا الحياتية.
فمثلاً: الطريقة التى يعلق بها بعض الكتاب على ظاهرة حساسة وخطيرة مثل ظاهرة الانتحار وهي: هل المنتحر كافر أو معذور… وياليتنا نأخذ بجوهر الدين الصحيح، لكننا لا نأخذ من الدين إلا ظاهره؛ فلا نبحث عن أسباب ظاهرة الانتحار وكيفية علاجها، ونكتفي فقط بحصرها فى نطاق الدين، بأن نمنع حدوثها عن طريق تكفير كل من يقوم بفعلها مهما كانت دوافعه ومبرراته ونترك البحث عن الأسباب وراء هذه الظاهرة الخطيرة وعلاجها.
إن أسباب الانتحار مفزعة ولا تخطر على بال أحد وأهمها فقدان الثقة في الذات وانهيار الإيمان بها.
موضوع الانتحار موضوع ثقافي واجتماعي ملح تجاوز الأعمار والأنواع بل والمستويات التعليمية والتعريفات التقليدية مثل الكفر والإيمان.
الموضوع يجب التعليق عليه باعتباره مشكلة تحتاج إلى دراسة علمية منهجية إنسانية، لمحاولة الوصول لحلول للحد من حدوثها أو منعها تماماً.
ومثلا.. فى حالة الإصابة بمرض عضوي، فإننا جميعا نسارع إلى الطبيب بلهفة وعندما يحدد الطبيب المدة التي سيحتاج لها العلاج، الكل يلتزم ويتفهم ذلك ويقدره، بل وربما أدرك أن جسمه سيأخذ وقتا عقب الشفاء، حتى يعود إلى طبيعته الأولى، فيهتم ويحافظ على تنفيذ تعليمات الطبيب بكل دقة.
أما إذا انكسرت أرواحنا وأنفسنا، يتسابق الجميع في الإسهاب بالوعظ والإرشاد.
نحن نقدر الألم العضوي في الجسد جيداً ولا نتفهم أن الألم النفسي ليس أقل إيلاما من الألم العضوي؛ فهو ليس تحت تحكمنا ولا يشفى بالدواء بل يشفى بالوقت والاهتمام والتماس العذر وعدم القسوة، دون سخريه أو لا مبالاة أو تعجل، ودون وعظ وإرشاد ونصح عقيم وإعطاء الحكم التى لا طائل ولا عائد منها.
ليس من العدل أن لا نترك الوقت الكافي للجراح النفسية حتى تشفى ويتعافى منها الإنسان، فكما أنه يمكن أن تسوء حالة المريض الجسدي حال استعجال وقت العلاج وربما أصيب بعاهة مستديمة، كذلك هو الألم النفسي إذا لم نترك الوقت للآخرين ليتعافوا من أحزانهم وانكسار أرواحهم والتخفف من آلامهم.
إننا لا نفعل ذلك.. بل نحن نتفنن فى السخريه منهم واتهامهم بالتدلل وأحياناً عدم إدراك النعم، لا نراعي مشاعر الآخرين بل وفي كثير من الأحيان نتنمر عليهم غير متفهمين أن الشعرة رقيقة جداً ما بين العقل والجنون، وأن الكثيرين فقدوا أرواحهم بسبب تعرضهم لأزمات نفسية لم يستطيعوا أن يتحملوها فصرخت أجسادهم، وكانت الصرخة على هيئة أزمة قلبية، أو ذبحة صدرية، أو جلطة، أو توقف مفاجئ فى عضلة القلب، أو ربما عقده نفسية مدى الحياة.
ولذلك يجب علينا عندما نجرح شخصاً عزيزا نحبه، لا نتركه حتى يهدأ فإن لم نطهر ما خلفناه من حزن، سيلتئم على أحزانه، وقد يؤدي ذلك إلى ورم خبيث، علاجه بتر تلك المحبة والمودة.
ومثلا: سلوكياتنا كمجتمع فى التعاملات الحياتية…. كالتعايش مع سيارة سيئة الطلاء لمده زمنية قد تكون غير قصيرة لا نحاول فيها إصلاح السيارة أو طلاءها وعندما نسأل عن السبب يكون الرد: حتى لا يقل ثمنها عند البيع.
نفكر فى لحظة البيع ولا نفكر في سنوات عدم الاستمتاع بالسيارة والتعايش معها بشكلها السىء غير المبهج.. هل هذا تفكير؟!! هذه الأفكار أدت إلى انعدام قدرة غالبية أفراد المجتمع على الاستمتاع بالحياة بشكل عام.
إننا عند تجهيز بيتا جديداً نحرص على أن تكون حجرة استقبال الضيوف في مقدمة الأولويات، وتنفق معظم الأموال للصرف على تأنقها وروعتها من أجل الضيوف الذين لم نعد نراهم فى بيوتنا إلا نادراً ثم بعد ذلك باقي الحجرات التى هي الأهم والأكثر نفعا لأهل البيت والتى يقضون فيها معظم أوقاتهم حتى يتركوا البيت أو يتوفوا، لا تجهز بنفس الإتقان والذوق كحجرة استقبال الضيوف، ما قد يترتب عليه حدوث حالات اختناق فى معظم البيوت والخروج المتكرر.. هل هذا تفكير ؟!!!
ونرى بعض السيدات لا تهتم بأناقتها داخل البيت، فلا تذهب لصالون التجميل إلا فى المناسبات، ولا ترتدي الثياب الجميلة إلا أثناء الخروج وتترك للبيت الثياب البالية، القبيحة.
ربما لا تتأنق فى بيتها إلا من العيد للعيد، وتهتم بمظهرها أمام الناس والضيوف والآخرين أكثر من اهتمامها بمظهرها أمام أسرتها التي هي محور حياتها الحقيقية والتى يجب أن تكون هي أول اهتمامها.
وكذلك فإننا نحتفظ بالأواني الثمينة والأكواب المزينة الجميلة لتقديم الطعام والشراب فيها للضيوف.. أما أفراد الأسرة فيتناولون الطعام في أوان رديئة ويشربون فى أكواب عادية وليس مهما استمتاعهم بذلك!!
للأسف معظمنا لا يفقه شيئاً عن ممارسة الحياة والاستمتاع بها وهي أن نخلق الطقوس والظروف التى تجعلنا نشعر بالاستمتاع ونحن نمارس أمور حياتنا كتناول الطعام والشراب وغيرها…….
كذلك أفكارنا التقليدية بأن المرأة فقط هي من يجب أن تكون جميلة وأنيقة وذات مظهر جذاب، ورقيقة، وتهتم بأسرتها وعائلتها، تمنح الحب والدفء والاستقرار.. أما الرجل فمقبول أن يكون مهملا فى مظهره، غير وسيم، لا يهتم باختيار ألفاظه، لا يدرك أن مسئوليته ليست مادية فقط ولكنها معنوية أيضا.
إن النساء لا تعيش فى البيوت من أجل المال فقط لو افترضنا جدلاً وجوده إنما يتحملن أعباء الحياة لأجل الود والمحبة والتقدير.. بينما ننسى أن الرجل مثل المرأة كلاهما إنسان فيسمح للرجل أن يكون فظا، غير مهندم، عديم الذوق، مهمل ينفق في حدود إمكانياته ولو كره الكارهون.. ولكن لا نتقبل إلا امرأة جميلة، أنيقة، رقيقه تضحي بالغالى والنفيس من أجل أسرتها وعائلتها ……. إلخ …..فهل هذا تفكير؟!!!!
ناهيك عن أفكارنا عن الزواج وما نسميه قطار الزواج، وأن هناك وقتا معينا للفتاة للزواج فإذا فات هذا الوقت أو القطار فقد فاتها العمر، وتصبح بعدها فريسة لنظرة الناس، إما بالتنمر أو الشفقة.
وبسبب هذه الأفكار القميئة، تضطر الكثير من الفتيات إلى اللحاق بالقطار قبل فوات الأوان.. ولا يهم إن كان هذا القطار وجهته الشقاء والحرمان وامتهان الروح والجسد مدى الحياة، لمجرد أن تحمي نفسها من ناحية، ومن ناحية أخرى تستطيع الإنجاب، وربما لا تنجب أساساً ويكون عليها أن تكمل الرحلة حتى المحطه الأخيرة.. وعلى المجتمع أن يتحمل تبعات ذلك فيما نراه ونعيشه من قصص وحكايات يومية بائسه.
أليس من الممكن لو تمهلت الفتيات لربما لحقت بقطار آخر وجهته السعادة والحياة حتى ولو أتى متأخرا؟ هل نتزوج من أجل الإنجاب فقط ؟!!!!وغيرها وغيرها من أفكارنا المتجذرة فى أعماق المجتمع والتى نعاني بسببها عدم السعادة والحزن الأسري والتي يجب علينا تغييرها والنظرة للحياة من منظور آخر مفتوح على المحبة والمنطق ورحابة العقل والأفق.. لا على العقد، والأنانية، والرجعية، والعنصرية، والأفكار العرجاء والتى أنتم جميعا ربما أكثر علما ومعرفة بها.. وياليتنا جميعاً نكون أكثر شجاعة ورغبة حقيقية في تغييرها.
زر الذهاب إلى الأعلى