إن معاملات التمويل الإسلامي بطبيعتها معاملات تعاقدية، تتم في إطار شرعي؛ الأمر الذي يجعلها أكثر تعقيدًا وتكلفة من التمويل التقليدي الذي يستخدم عقدًا واحدًا هو عقد القرض، وهو عقد نمطي دخل القوانين في كل البلاد؛ وبالتالي فإن العاملين في البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية- وهم يتنافسون مع البنوك الربوية- يميلون إلى محاولة تقليد البنوك التقليدية ومنتجاتها المالية، لكي لا تزيد تكاليفهم عن تكاليف المنتجات المنافسة.
إنهم يعمدون الى الضغط على الهيئات الشرعية لكي توافق على منتجات تقارب المنتجات الربوية في التكاليف.. وهكذا نجد بين مؤسسات التمويل الإسلامي منتجات تلبس اللباس الإسلامي، ولكنها في الحقيقة منُتجات ربوية.. ولقد درجتُ على تسميتها المنتجات المالية الاسلامية سيئة السمعة؛ وهي تشمل العينه والتورق المنظم والمرابحات الدولية.. وتذكرني بـ(لورانس العرب)؛ فقد البسوه ثوبًا عربيًا وغُتره وعقالًا عربيًا وعلَّموه بعض الكلمات التي يتداولها المسلمون، ثم أرسلوه إلى جزيرة العرب لكي يخدع البدو، ويُقنعهم بمحاربة الدولة العثمانية الإسلامية لصالح الاستعمار البريطاني.
والخشية من التقارب بين التمويل الإسلامي والتمويل التقليدي، أنه سيثير السخرية، ويُفقد الصناعة المالية الإسلامية مصداقيتها؛ ما يصرف الناس عنها.. والوسيلة المستخدمه للتعميه هي الحيلة، وهي الوسيلة التي استخدمها بنو إسرائيل لتخطي تحريم العمل يوم السبت فحفروا الحفر على شاطئ البحر يوم الجمعة وانتظروا المد لكي يلقي الأسماك في تلك الحفر ثم أتوا يوم الأحد لكي يجمعوا السمك. ولهذا قال لهم رب العزه (كونوا قردة خاسئين).. والواقع أن الهيئات الشرعية العاملة في البنوك الإسلامية تتبع هذا النهج الذي يجمع بين الخطيئة وبين محاولة مُخادعة الله سبحانه وتعالى وهو خادعهم.
فكيف إذًا السبيل إلى منع هذه الحيَل ووقف التقارب بين التمويل الإسلامي والتمويل الربوي؟؟!
من الناحية الرقابية؛ فإن معايير إيوفي لم تفلح في منع هذا التحايل، بل إنها وضعت معايير لبعض المنتجات سيئة السمعة، وهناك من يتبع تلك المعايير بلا وعي، ويقع في أخطاء جسيمة.. والحل في نظري، هو وضع وصف لجميع المنتجات المالية الحلال منها والحرام، بصورة واضحة ومُبسَّطة على هيئة دليل مُختصر للمنتجات المالية الإسلامية، ثم أن يصدر الدليل كدليل رقابي من البنك المركزي لتلتزم به البنوك الإسلامية.
وفي الوقت نفسه، فإن هذه المنتجات لا بد وأن تتوافق مع مقاصد الشريعه في مجال الاقتصاد. فكل تمويل يتناقض مع التوظف الكامل والنمو المتوازن والاستقرار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية يتناقض أيضا مع مقاصد الشريعة. والحكم على ذلك بتوقف على مآلات المعاملات الاقتصادية.. هذه المآلات يصعب على الفقهاء- بحُكم تخصصهم- التعرف عليها.. بينما يسهل ذلك على الاقتصاديين.. ولما كان توافق التمويل الاسلامي مع المقاصد هو في ذاته من اهم المقاصد. فلابد اذا من ان تكون اغلبية الهيئات الشرعية مكونة من الاقتصاديين الاسلاميين حتى نتاكد من التوجه المقاصدي للتمويل.
الإصلاح الثالث الذي يمنع استخدام الحيل ويسد الطريق أمام المنتجات سيئة السمعة، هو أن يتم تمثيل أصحاب حسابات الاستثمار في البنوك الإسلامية في مجلس الإداره؛ فهم يتحملون المخاطر مثل المساهمين تماما، ولكنهم لا يشاركون في القرار، علمًا بأن المنتجات سيئة السمعة تضر بهم دينيًا وماليًا.. ولما كان نصيبهم من الأموال المستثمرة عن طريق البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية هي الأكبر حجمًا، فإن تمثيلهم في مجالس الإداره سيغير من طبيعة هذه البنوك، وسيسمح بالتعبير عن مصالح المستثمرين في التوافق مع الشريعة.
والخلاصة أن التقارب بين التمويل الإسلامي والتمويل التقليدي يتزايد تزايدًا مخيفًا يهدد بانهيار الصناعة المالية الإسلامية. ولكي يتوقف هذا التقارب لابد من إعادة تكوين الهيئات الشرعية ليكون لتكون أغلبيتها من الاقتصاديين الإسلاميين، ووضع دليل دقيق ومُختصر للمنتجات المالية الإسلامية، تلتزم باتباعه المؤسسات المالية الإسلامية، وتمثيل أصحاب حسابات الاستثمار في مجالس إداره البنوك الإسلامية.