شارع الصحافة/ إعداد- علي الحاروني:
إن مسألة تأخر سن الزواج أو العنوسة من أكبر الظواهر الاجتماعية السلبية فى مجتمعنا العربى والإسلامى والتي تنجم عن عديد من الأسباب من أهمها البطالة والارتفاع فى تكاليف الزواج وغلاء المهور …. والتى ساهمت فى تفاقم مشكلة العنوسة وهو الأمر الذى يشكل خطراً يهدد سلامة المجتمع وترابطه لفقدان الإستقرار النفسى والتوازن الإجتماعى والفساد الأخلاقى لدى الشباب علاوة على زواج الشباب العربى خصوصاً المقيمين فى بلاد الغرب من أجنبيات نظراً لعدم كلفة هذا الزواج من الناحية المادية؛ ومن هنا فإن معالجة أسباب تأخر الزواج قد أصبح أمراً ضرورياً لتدارك جوانبها وبصماتها السيئة والسلبية وتأثيراتها الإجتماعية والنفسية والأخلاقية على مستقبل الفرد والمجتمع.
– كما أن التصدى لغلاء المهور وإرتفاع تكاليف الزواج والبطالة ومحاربة العادات السيئة التى تزيد من صعوبة تحقيقه والتمسك بقيمنا الدينية وإتباع الهدى النبوى من شأنها أن تحد من ظاهرة العنوسة.
– وعلى ضوء كل ذلك ومن أجل تحليل ظاهرة العنوسة سنحاول عبر ثلاثة مباحث رئيسية التطرق لمفهوم العنوسة وإحصائياتها ومؤشراتها فى العالم العربى لبيان أسبابها وتداعياتها وسبل مواجهتها.
أولاً: مفهوم العنوسة وحجمها وأسبابها
العنوسة فى اللغة تتطابق مع المعنى الإصطلاحى وتعنى طول العزوبية دون زواج ويختلف تعريف مصطلح العنوسة حول العالم من بلد إلى آخر وأيضاً يختلف سن الزواج وأهميته فمثلاً فى الصين يطلق لقب عانس على الفتاة التى تخطت سن 27 عاماً أو لم تتزوج بعد أو لم تتم خطبتها على أقل تقدير . وفى الهند يطارد مصطلح العنوسة الفتيات اللاتى تعدين سن الـ 20 عاماً أو لم يتزوجن بعد , أما فى أفريقيا فتعد الفتاة التى تعدت الـ 18 عاماً فى بعض البلدان الإفريقية عانساً.
– أما على المستوى العربى فتشهد البلاد العربية بشكل عام إرتفاعاً كبيراً لنسبة العنوسة وتتصدر لبنان قائمة الدول العربية بأعلى معدل عنوسة حيث بلغ 85% حسب أخر الدراسات وتليها الإمارات بنسبة 75% ومن ثم كل من سوريا والعراق بنسبة 70% وبلغت فى تونس 62% ونحو 50% فى الجزائر , بينما بلغت فى كل من الأردن والسعودية 42% ونحو 40% فى مصر والمغرب وسجلت أدنى نسبة عنوسة فى كل من اليمن بنحو 30% والبحرين بنحو 25% وفلسطين 7 %
– ولقد أرجع الباحثون الإقتصاديون والإجتماعيون أسباب العنوسة لعدة عوامل منها البطالة وإرتفاع أجور المهر وغلاء المعيششة فى معظم هذه المجتمعات كما فى ( السعودية والأردن ) وزيادة الرغبة لدى الإناث فى إكمال التحصيل العلمى والحصول على فرص عمل تحقق لهن القدرة على الإستقلال والإعتماد على النفس ( كما فى تونس ) إضافة إلى السماح للشبان بالزواج من غير المنتمين لوطنه بينما يمنع على النساء ذلك ( كما فى الإمارات ) علاوة على صعوبة الوضع السياسى والحروب الأهلية والصراعات وتردى الأوضاع الإقتصادية لهذه الدول بفعل الحروب ( كما فى العراق وسوريا واليمن ) وإلى جانب البطالة والظروف الحياتية والمغالاة فى المهور وتمسك العائلات بعدم السماح لفتيات من الزواج من الشباب العربى الوافد فى هذه البلدان ( فى قطر والكويت ).
– إلى جانب ذلك نجد أن من أهم الأسباب العادات والتقاليد وإشتراط قبيلة معينة وإلتزام الترتيب بين الفتيات فى الزواج , وجشع بعض الآباء وفرض شروط تعجيزية يفرضها والد الفتاة على الزوج , وسوء سمعة الفتيات وإختيار بعضهن العنوسة وذلك من خلال بحثهن عن ما يسمونه الحرية الزائفة والتحلل من القيود والتهرب من الإلتزامات والتذرع بتحرير المرأة ومساواتها بالرجل وغيرها أضف إلى ذلك أزمة المساكن وإرتفاع أسعار وأجور العقارات وكثرة المواليد من الفتيات ووسائل الإعلام من خلال الدعوة إلى المساواة بين الرجل والمرأة ومحاربة التعدد وتجريمه ومحاربة الزواج المبكر ونشر الصور الإباحية والأفلام غير الأخلاقية وتشجيع الصداقة بين الجنسين تلك أهم الأسباب والعوامل المؤدية إلى العنوسة.
ثانيا- آثار العنوسه السلبيه على المرأه والمجتمع
– بعض الفتيات قد يجدن في العنوسه كابوسا حقيقيا يؤرق حياتهن ويسبب لهن الحزن والاكتئاب والشعور بالغربه والاحساس بالدونية والفراغ النفسي والعزله اضافه الى ان العنوسه تؤثر في العلاقات الاجتماعيه بين افراد المجتمع بصوره سلبيه حيث انها تساهم في انتشار الزواج العرفي وزواج المسيار والعلاقات خارج الزواج ولجوء البعض إلى السحر والشعوذه لحل عقده الزواج و جذب العريس فضلا عن الشعور بالحسد كما تحدث العنوسه اثار نفسيه سيئه على الاسره حيث يشعر أفرادها بالحزن والاكتئاب والخزي والعار في بعض المجتمعات حيث الخوف من نظره الناس وتفسيرها بغير معناها واعتبارها نوعاً من الاتهام لهم ولبناتهم ، اضافه الى خطوره العنوسه على المجتمعات حيث التفكك والتحلل ونشر الأحقاد والضغائن بين افراده كما تنتشر الرذائل والانحرافات والفساد وزيادة حالات الانتحار.
– علاوه على ذلك فان هناك تداعيات اجتماعيه ونفسيه للعنوسه ومنها التسرع في الزواج وذلك للخلاص من شبح العنوسه بغض النظر عن التكافؤ بها بل قد تقبل بعض العوانس بعرض الزواج العرفي أو غيره هذا علاوة على الانحراف الاخلاقي والتامر والكيد والحسد واصطياد الشباب بشتى السبل للزواج منهم واتباع السلوك الاجرامي ومنها تناول المسكرات والمخدرات مع التوتر العصبي الدائم والامراض الجنسيه وقله النسل والتفكك الاسري وضعف الروابط الاجتماعيه لغياب المصاهره والنسب والطلاق نتيجه اندفاع العانس الى الزواج غير المتكافئ والخلاص من واقعها , وأخيراً يمكن القول بأن تزايد معدلات العنوسة والعزوبية في المجتمعات العربيه ومصر خاصه لا يمكن تجاهلها لما لها من آثار نفسية و اخلاقية واجتماعيه وماديه علي شباب المجتمع من الجنسين خاصة وأن آخر التقارير تشير إلي ارتفاع العنوسه في مصر إلي ما يقرب من ٩ مليون نسمه منهم ٥ ملايين و ٢٢٣ ألفا من الذكور و ٣ ملايين و ٦٢٥ ألفا من الإناث ، هذا إضافه إلي وصول عدد المطلقات والمطلقين إلي حوالي ٢١٨ ألفا و ٧١٨ حالة وعدد الأرامل الي ٢ مليون و ٨١ ألف حاله والتي تحتاج إلي حلول عمليه لمواجهتها.
ثالثا : كيفيه مواجهة ظاهرة العنوسه وعلاجها :
– هناك العديد من الآليات وبرامج العمل الواقعية والعملية والتي يكون لها دورا فاعلا في الحد من العنوسه والتخفيف من حدتها ومنها تخفيف المهور وتسهيلها والبعد عن المغالاة ولقد حث الاسلام علي ذلك.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :” ألا لا تغالوا صدقة النساء ،فإنها لو كانت مكرمه في الدنيا أو تقوي عند الله ، لكان اولاكم بها نبى الله ، ما علمت رسول الله نكح شيئا من نسائه، ولا انكح شيئا من بناته علي أكثر من اثنتي عشرة أوقيه”.
علاوة علي مبارده الشباب الي الزواج طالما كانوا قادرين علي المهر والنفقه ، وأن لا تجعل الفتيات الدراسه عائقا لهن عن الزواج ، مع العمل علي حل أزمة المساكن وضيق فرص العمل وها واجب من واجبات الدول والحكومات والمؤسسات والجمعيات الأهلية والخيريه ، وأن تقوم وسائل الإعلام بدورها المنشود وتشجيع الزواج المبكر وتوعيه الفتاه علي عدم وجود انسان مثالي واقامه جلسات نقاش بين الأبناء وأبائهم واجراء حوار حول الرغبه في الزواج واختيار المناسب دون التعصب في الاراء.
ويجب إعطاء الابناء الحريه في الاختيار دون وضع ضوابط صارمه وزياده الانشطه الاجتماعيه لزياده فرص التعارف بين الاسر مع العمل على انشاء صندوق للزواج على غرار ما فعلته الامارات والكويت والسعوديه و هذا الصندوق يساهم فيه رجال الاعمال وهو مخصص لمنح سلف معقوله لراغبي الزواج مع العمل على قبول تعدد الزوجات بشروطه وضوابطه الشرعية وتقديم الرعاية النفسية والإجتماعيه للعانس إذا تعرضت لمشكلات ماديه او نفسيه او اجتماعيه مع مراعاة مشاعرهم وعدم تجريحها بالتصريح او التلميح وأن يتكافل الأغنياء لتزويج الفقيرات والتسابق بين المحافظات في إقامه الزواج الجماعي وان يضرب الاغنياء القدوة بتقليل مهور بناتهم وزيادة دور رجال الدين بتوعية المجتمع بمشكله العنوسة وآثارها وسبل مواجهتها.
زر الذهاب إلى الأعلى