ملفاتمميز

الولايات المتحدة في الصدارة.. الرابحون من الأزمة الروسية- الأوكرانية!! 

شارع الصحافة/ كتب- علي الحاروني:

 

في كل الحروب هناك رابحون وخاسرون، ولكن هناك أيضا ضحايا يتحملون أخطاء وأوزار صناع القرار الذين مهدوا للحرب، أو اشتركوا منها فمن هو المستفيد من الحرب الروسية- الأوكرانية ؟؟!

 

 

هناك عديد من المكاسب السياسية والاقتصادية والأمنية التي تتطلع مجموعة من الدول تحقيقها من وراء التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا ومن أهم تلك الدول إيران والصين وتركيا وأمريكا وهذا ما سنحاول التعرف عليها عبر أربعة مباحث رئيسة.

أولا- مكاسب وطموحات إيران من الأزمة الأوكرانية الروسية:

تتطلع إيران إلى أن تكون الرابح الأكبر من الأزمة الأوكرانية ليست بوصفها حربا روسية – أوكرانية وإنما بوصفها أمة دولية كبري ستكون لها تداعياتها علي الملفات الساخنة في العالم لاسيما تلك المتعلقة بملفات طهران.

  وعليه تتطلع إيران من الأزمة الأوكرانية لتحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية ومن أهمها توظيف الأزمة الأوكرانية لصالح الملف النووي الإيراني وتعزيز موقفها التفاوضي في فيينا حيث قد تدفع الحرب الروسية الأوكرانية إلي تقديم الغرب تنازلات كبري لإيران.

 

  وقد تكون تلك الأزمة فرصة ذهبية لإيران لتقوية أوراق تفاوضها ولإطالة المفاوضات النووية بهدف إنتاج السلاح النووي خاصة في ظل إشارة تقارير غربية وإسرائيلية إلي أن ما يفصل إيران عن تحقيق هذا الهدف هو شهران علي الأكثر.

إضافة إلى ذلك ترغب إيران فى تحميل الناتو وأمريكا سبب الحرب الجارية فى أوكرانيا بسبب رغبتها فى توسيع دورها فى المنطقة مما يشكل تهديداً بالاستقرار الإقليمي.

  كما أن إيران في بحثها عن تعزيز مكانتها الإقليمية ونفوذها في العديد من الدول والمناطق ترى أن الأزمة الأوكرانية الحالية هي أفضل فرصة لتعزيز علاقاتها مع روسيا في كافة المجالات.

  وأمام نظرة موسكو إلي طهران كجزء من مشروعها في المواجهة مع الغرب تدرك إيران الأهمية الاستراتيجية الروسية في العلاقات الدولية بوصفها عضوا دائما في مجلس الأمن الدولي وطرفا أساسيا في مفاوضات فيينا النووية، فضلا عن الأهمية العسكرية والتجارية والاقتصادية للعلاقات بين البلدين وتطلع إيران إلى استغلال التطورات الجارية وزيادة وتيرة العقوبات الغربية والدولية علي روسيا والتوقيع علي اتفاقية الشراكة التجارية والعسكرية المقترحة بين البلدين لمدة عشرين عاما وهو ما يعني إطلاق حزمة من المشاريع الحيوية بينهما في مجالات الطاقة والسلاح والنقل والسكك الحديدية.. والأهم ضمان موقف موسكو لصالح طهران في مفاوضات فيينا.

ويصب التدخل العسكري الروسي- الأوكراني في صالح علاقات طهران مع موسكو في مواجهة الخصوم الإقليميين لاسيما تركيا وإسرائيل اللتين لهما علاقات قوية مع أوكرانيا، مع محاولة إيران استثمار تلك الأزمة في الساحة السورية حيث الحساسية الروسية- الإسرائيلية بسبب عمليات القصف الإسرائيلية للأراضي السورية بحجة استهداف الوجود العسكري لإيران في سوريا وحليفها حزب الله.

 

  ولعل ما ينطبق علي جبهة إسرائيل ينسحب علي تركيا حيث التنافس والصراع مع ايران علي شمال غرب سوريا وتحديداً إدلب.. كما أن إيران تتطلع الي الاستفادة من الأزمة الاوكرانية لتوسيع دورها في جنوب القوقاز لاسيما بعد أن نجحت تركيا في تحقيق خطوات علي حساب طهران هناك.

 

وتمشيا مع ذلك تتطلع إيران الي تصدير الغاز الي أوروبا خاصة في ظل حاجة أوروبا الي البديل الروسي في مجالي الطاقة والغاز ولكن إيران تدرك أن الطريق لذلك يمر عبر التوصل الي اتفاق نووي مع فيينا بالرغم من أن ذلك قد يؤثر سلبا علي العلاقات الروسية – الإيرانية.

ولكن كل هذه التطلعات والمكاسب التي تأمل إيران فى جنيها من الأزمة الأوكرانية تتوقف علي مستقبل التفاهمات الغربية الروسية واحتمال توسيع رقعة الحرب.

  كما أن زيادة القبضة الروسية علي أوكرانيا من دون حدوث مواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب قد يزيد من رغبة روسيا في فرض أجندتها علي القضايا الإقليمية المثارة وقد يشمل ذلك ضبط طموحات إيران لاسيما في سوريا وهي نقطة توافق وتقاطع روسية – أمريكية – تركية – إسرائيلية.

ثانياً- الأرباح الصينية من الأزمة الروسية – الأوكرانية:

هناك عديد من المحددات التي تحدد حجم المكاسب الصينية من تلك الأزمة ومن أهمها ارتباط الأزمة الأوكرانية تبعا بتفاعلات وتحولات النظام الدولي والصعود الروسي الصيني وتمثل ذلك في مبادرات صينية مثل «الحزام والطريق» والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية ووضع أطر لعلاقات مستقرة مع دول العالم بما في ذلك أوروبا وقيام روسيا بمخاطبة دول آسيا الوسطي بإغلاق القواعد الأمريكية لديها وتوقف حلف الناتو عن التوسع والتدخل العسكري في المناطق الساخنة مما حدا إلى اتخاذ الغرب سلسلة من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا والتى ألقت بظلالها علي الصين أيضا، مع الاستهداف الأمريكي للصين وروسيا والتهديد الروسي والصيني للمصالح الأمريكية.

وتمشيا مع ذلك وفي ظل الموقف الصيني الذي لم تعلن فيه تأييدا صريحا لأي من إجراءات ضم روسيا للقرم ولا الاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوجانسك ولا بالتدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، مع رفضها وصف التدخل الروسي في أوكرانيا بالغزو، يمكن القول إن هناك مكاسب استراتيجية للصين من وراء تلك الأزمة تتمثل في إعادة تشكيل النظام الدولي والاتجاه نحو التعددية من خلال الأزمة الأوكرانية عن طريق إفشال المخططات الأمريكية وإجبارها على التراجع في أوكرانيا وقد اتبعت الصين ذلك علي الصعيد الاقتصادي من قبل من خلال رفضها للحرب التجارية مع أمريكا ومع التقارب الروسي الصيني لتحقيق ذلك.

كما أن الأزمة الروسية قد تؤدي الي انشغال أمريكا عن الصين وتخفيف الضغط عليها للتركيز علي الأزمة الأوكرانية وإن كان هناك اتجاه أخر يرى أن ذلك قد يؤدي الي تحول في السياسة الأمريكية كليا تجاه الصين في محاولة لفك ارتباطها بروسيا خاصة وأن صانع القرار الامريكي علي قناعة بان القوة الصينية هي التي تزحف الي القمة وليست روسيا.

ثالثاً- الأزمة الأوكرانية فرصة وأزمة لتركيا:

في ظل الأزمة الاوكرانية نجد تركيا تتبني موقفا مزدوجا حيث أنه في الوقت الذي تؤكد فيه رفضها لأي غزو عسكري روسي لأوكرانيا مع ابداء استعدادها لتقديم الدعم لكييف بصفتها عضوا في التحالف الغربي وحليفا في الناتو ، تطرح أنقرة نفسها وسيطا بين روسيا واوكرانيا لحل الازمة ، وهو ما يكشف حساباتها ومكاسبها من الأزمة والتي تتمثل في رغبة انقرة في ابقاء علاقاتها الاستراتيجية مع اوكرانيا خاصة في ظل ارتفاع حجم التجارة معها حيث بلغت 7.4 مليار دولار عام 2021م، كما أن اوكرانيا تعد من أبرز مستوردي الطائرات المسيرة التركية.

كما أن تركيا تسعي لتوظيف الأزمة للتأكيد علي مركزية دورها بالنسبة للأمن الأوربي وأهمية موقعها في استراتيجية الولايات المتحدة وحلف الناتو لاحتواء روسيا وذلك بعد ما تسببت سياسات تركيا الاقليميه وتقاربها مع روسيا في توتر علاقاتها مع القوي الغربية وزيادة الدعوات لطرد تركيا من الناتو كما ان تركيا تسعي الي الحفاظ علي علاقاتها المتنامية مع روسيا علي المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية وتدعو الي التوسط بين روسيا واوكرانيا خاصة وان تركيا تعتمد بشكل كبير علي الغاز الروسي لسد احتياجاتها من الطاقة وتعتبر روسيا سوقا مهما للمنتجات الزراعية التركية، كما قامت تركيا بشراء نظام الدفاع الروسي “إس – 400”.

كما تخشي تركيا من الانعاكسات السلبية للحرب الروسية – الأوكرانية علي التنسيق القائم بين موسكو وأنقره في مناطق الصراعات في سوريا وليببيا وجنوب القوقاز وآسيا الوسطي واشتعال جبهات القتال مجدداً كرد علي الانحياز التركي المحتمل للغرب في مواجهة روسيا خاصة وأن تلك المناطق محل تنافس بين روسيا والغرب.

 

وفي النهاية فإن الأزمة الأوكرانية هي فرصة وأزمة لتركيا في آن واحد ففي الوقت الذي تسعي فيه تركيا للاستفادة منها في تحسين علاقاتها مع الغرب فإن الغزو الروسي لأوكرانيا سيضع تركيا في اختيار صعب بين الانحياز لأوكرانيا وحلفاؤها في الناتو وخسارة علاقاتها ومصالحها مع روسيا أو الوقوف علي الحياد وانهيار علاقاتها مع القوى الغربية.

وفى كل الأحوال فإن حجم الخسائر التركية ستكون أكبر من مكاسبها من جراء الأزمة الاوكرانية خاصة فى ظل فرض العقوبات الإقتصادية الغربية على روسيا مع تحفظ روسيا على الوساطة التركية بإعتبارها وسيطا غير محايد لكونها عضوا فى الناتو ولديها تعاون عسكرى مع أوكرانيا.

رابعاً- أمريكا الرابح الأول من الأزمة الأوكرانية:

منذ إعلان جون بايدن فى اليوم الرابع عشر للحرب الروسية فى أوكرانيا حظر توريد النفط والغاز والفحم الروسى تدخل تلك الحرب منعطفاً جديداً لتنم عن حرب اقتصادية خانقة إلى جانب الحرب الميدانية التى يتابع العالم تداعياتها الإقتصادية الخطيرة والإنسانية العابرة للحدود مع الارتفاع الصاروخى المسجل لأسعار النفط والغاز ومعه أيضاً إرتفاع أسعار القمح.

ومن الواضح أن المستفيد الأول من هذا الإعلان هى أمريكا التى تنتج ما تحتاجه واكثر من النفط بمعنى أن إلتزام الشركاء الأوروبيون وشركائها فى الحلف الأطلسي بمقاطعة مزودها الروسى يعنى أنها ستخرج من مظلة النفط الروسى إلى مظلة النفط الأمريكي.

وتعول إدارة بايدن على أهمية الاستقلالية وتحقيق البدائل التى تؤمن أمن الطاقة الأوروبي بعيداً عن الهيمنة الروسية علاوة على أنه ليس من الأخلاق أن تستمر أوروبا في تمويل حرب بوتين عبر مواصلة اقتناء النفط من روسيا.

بل لابد من العمل على إضعاف الإقتصاد الروسى وضربه فى الصميم ولقد بدأت محاولات إستمالة دول مجلس التعاون الخليجى والجزائر وفنزويلا لملئ الفراغ الحاصل وتطويق بوتين وضعفه ومحاولة استمالة الشعب الروسى ودفعه للتمرد عليه وإسقاطه وهو أحد السيناريوهات التى يراهن عليها الغرب ضمن عدد من السيناريوهات المطروحة ومنها محاولة الردع للتدخل العسكرى الروسى في أوكرانيا ومنع سقوط حكومة كييف وعدم الإستجابة لخطة الضمانات الأمنية الروسية وضمان أمن الطاقة العالمي.

 

 

وفي النهاية، يمكن القول إنه مع المكاسب الأمريكية وطموحاتها من الأزمة الأوكرانية إلا أن واشنطن لم تستطع تحقيق أهدافها حيث عدم تغير الموقف الروسى حتى الآن وضعف الدعم العسكرى لحكومة كييف ومحدودية فاعلية العقوبات على روسيا والتدخل العسكرى الروسى في أوكرانيا؛ ما جعل روسيا تهيمن على أوكرانيا وتفرض شروطها الامنية وضماناتها على أمريكا وحلف الناتو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى