ملفاتمميز

 اقتصاديون: عدم اعتماد الدولة على الأموال الساخنة وتحفيز الاستثمار المباشر.. اتجاه صحيح  لزيادة الدخل القومي

تقرير- مصطفى خالد:

ثمَّن خبراء اقتصاد ومصرفيون اتجاه الدولة في عدم الاعتماد على الأموال الساخنة وتعظيم الصناعة الوطنية وتحفيز الاستثمار المباشر يزيد الدخل القومي

وأكدوا أن الاقتصاد المصري قوي ومستقر يستطيع الاستغناء عن  الأموال الساخنة التى لا تمثل استثمارا حقيقيا، ولا يمكن الاعتماد عليها في بناء الاقتصاد وتحقيق معدلات نمو حقيقية،  خاصة بعد الاهتمام القوي للدولة لتعظيم الصناعة والزراعة الوطنية.

وقال الخبير الاقتصادي الدكتور محمد راشد المدرس بكلية السياسة والاقتصاد جامعة بني سويف  إن قرار الدولة في عدم الاعتماد علي الأموال الساخنة لسد فجوة موارد النقد الأجنبي أحد أفضل القرارات الاقتصادية حيث أن قيام البنك المركزي بتعويم سعر صرف الجنيه المصري أواخر عام 2016 كان يتطلب جذب بعض الأموال الساخنة لحين تحقيق الاستقرار في سعر الصرف وأن هذا الإجراء من المفترض أنه إجراء مؤقت لحين وقوف الاقتصاد علي قدميه مرة أخرى والاعتماد بشكل أساسي علي مصادر النقد الأجنبي الأساسية والمتمثلة في السياحة والصادرات وتقليل فاتورة الواردات من خلال توطين الصناعة وتعميق المنتج المحلي.

 

وأشار «راشد» إلى أنه مثلما تساعد الأموال الساخنة في استقرار سوق الصرف في أوقات معينة فيمكن أن تشكل تهديدا حقيقيا لهذا الاستقرار في أوقات أخرى مثلما حدث مؤخراً ولا سيما منذ الربع الأخير من عام 2021 والذي شهد نزوح للأموال الساخنة بشكل كبير من الأسواق الناشئة ثم زادت هذه النغمة بعد الحرب الروسية الاوكرانية مما كان دافعا قويا للبنك المركزى لخفض قيمة الجنيه المصري خلال شهر مارس الماضي بنحو 17%.

 

ولفت إلى أن الأموال الساخنة كانت سبباً رئيسياً في أزمة دول جنوب شرق آسيا عام 1997 وكانت قناتي البورصة والعملة سببا رئيسيا لنقل عدوى الأزمة آنذاك إلي الكثير من دول العالم ، وبالتالي التخلي عن الأموال الساخنة لموازنة سوق الصرف سيشكل دافعا قويا إلي مضاعفة الصادرات وجذب الاستثمارات الأجنبية بقوة ودعم معدلات النمو الاقتصادي وهو السبيل الآمن للحفاظ علي استدامة استقرار سوق الصرف.

ومن جانبه أشار الدكتور رمزي الجرم الخبير الاقتصادي والمصرفي إلى أن تغيير استراتيجية الدولة نحو عدم الاعتماد بشكل أساسي على الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين الحكومية ، سواء كان في أذون الخزانة أو السندات أو أسهم الشركات التي يتم طرحها في البورصة للاستفادة من انخفاض العملة المحلية أو حتى إلايداع في شهادات الإيداع التي تطرحها البنوك المحلية كان قرارا في الميزان ،بل أنه كان ينبغي تبني هذا الأمر ، بعد أزمة عام 2018 والتي خرجت فيه المزيد من الأموال الساخنة بشكل كبير جدا ، كما حدث في الصين في عامي 2014 & 2015 ، والذي تسبب في خسائر فادحة على الاقتصاد الصيني بمئات المليارات من الدولارات.

 

   وأكد «الجرم» أن اعتماد الدولة على الاستثمارات الأجنبية المباشرة ، خصوصا بعد تهيئة البيئة المتاحة لجذب تدفقات الاستثمارات الأجنبية بشكل مباشر في استثمارات واعدة ، من الأمور الجيدة التي تتبناها الدولة خلال الفترة القادمة ، في ظل اتجاه الدولة نحو الإصلاح القطاعات الحيوية من زراعة وصناعة تحويلية وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والطاقة المتجددة في برنامج الإصلاح الاقتصادي بمرحلته الثانية.

 

  وأشار إلى أن تنوع الاقتصاد المصري، باعتباره من طائفة الاقتصادات العينية، القادرة على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بفضل تطوير البنية التحتية بشكل كامل، فضلا عن جولة رئيس الجمهورية في الدول الخليجية الشقيقة،لضخ المزيد من الاستثمارات العربية في الاقتصاد، سوف يؤدي إلى الاستغناء عن الاستثمار في أدوات الدين الحكومية، والاتجاه بقوة نحو تلقي المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتي يطلق عليها الاستثمارات  الحقيقية، في ظل البيئة الاقتصادية المناسبة لتلقي المزيد من الاستثمارات.

ومن جانبه، أوضح الدكتور هيثم جمال الخبير الاقتصادي أن الأموال الساخنة عبارة عن استثمارات قصيرة الأجل نتيجة تدفقات مالية للاستفادة من وضع اقتصادي معين تأخذ عدة  أشكال منها الاستثمار في أذون خزانة أو السندات التي تقوم الحكومة بطرحها بغرض الاقتراض، وهناك شكل أخر يتمثل في استثمارات في أسهم الشركات المدرجة في البورصة للاستفادة من تدني العملة المحلية مقابل الدولار.

 

وقال إن هناك مجموعة من المخاطر التي تترتب علي ذلك النوع من المضاربات من أهمها لا تمثل استثمار حقيقي ولا يمكن الاعتماد عليها في بناء الاقتصاد وتحقيق معدلات نمو حقيقية، وتسبب هزات في سوق المال نتيجة الخروج السريع، والتأثير علي قيمة العملة المحلية نتيجة عملية المضاربة والتي تتسبب في قيام البنك المركزي برفع سعر الفائدة لضمان بقاء تلك الأموال أطول فترة ممكنة علي الرغم من قصر مدة تواجدها.

 

وأشار إلى أنه لتحسين وضع الاقتصاد لابد من وجود استثمارات حقيقية وتقديم حوافز لدعم الاستثمار المحلي والاجنبي وتنمية المدخرات المحلية وتوفير فرص توظيف حقيقية وزيادة حجم الصادرات وتبني استراتيجية وطنية للتصدير وتشجيع التصنيع المحلي، وتقوية الصناعة المحلية لزيادة معدلات النمو الاقتصادي وزيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي.

ومن ناحيته، قال أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، نائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربي بجامعة الدول العربية لشؤون التنمية الاقتصادية، أن اتخاذ الدولة استراتيجية جديدة تهدف لعدم الاعتماد على الأموال الساخنة القادمة من الخارج لشراء أدوات الدين المحلية هو قرار جرئ وهام جاء في التوقيت المناسب خاصة بعد أزمات الأموال الساخنة في أعوام 2018 و2020 و2022، كان آخرها الفترة الماضية نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ورفع الفيدرالي الأمريكي للفائدة لتصعد من 0.25% إلى 1.75% فهربت الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة إلى الولايات المتحدة الأمريكي مؤكدا أن الاقتصاد المصري قوي ومستقر يستطيع الاستغناء عن هذه الأموال خاصة بعد الاهتمام القوي للدولة لتعظيم الصناعة والزراعة الوطنية.

 

 وعرَّف «غراب»، الأموال الساخنة بأنها التدفقات المالية القادمة للبلاد من الخارج من دول أسعار الفائدة فيها منخفضة وذلك بهدف الاستفادة من ارتفاع معدل أسعار الفائدة أو انخفاض سعر الصرف للعملة المحلية بهدف حصول المستثمر على أسعار فائدة عالية، وتدخل هذه الأموال للاستثمار في أذون الخزانة أو السندات التي تطرحها الحكومة، أو أسهم شركات مدرجة بالبورصة للاستفادة من انخفاض العملة المحلية، أو الاستثمار في شهادات الإيداع المطروحة في البنوك للاستفادة من الفائدة العالية.

وأوضح أن هذه الأموال تعطي مؤشرات وهمية عن النمو الاقتصادي وهي أموال محفوفة بالمخاطر لأنها سريعة الخروج من اقتصاد أي دولة في حالة حدوث أي اضطرابات، مشيرا إلى أن أبرز الأمثلة على خطورتها ما حدث في الصين بعد خروج الأموال الساخنة من السوق الصينية عامي 2014 و2015 بسبب انخفاض اليوان الصيني ما تسبب في خسارة الصين مئات المليارات من الدولارات .

ولفت «غراب» إلى أن تركيز الدولة حاليا على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وذلك عن طريق وضع استراتيجية لجذب 40 مليار دولار استثمارات أجنبية بواقع 10 مليارات دولار سنويا على مدار السنوات الأربع المقبلة وفق تصريحات رسمية، مؤكدا أن الدولة خلال السنوات الماضية أصبح مناخها جاذب للاستثمارات الأجنبية وذلك بعد أن قامت بتطوير البنية التحتية فطورت ما يقارب الـ 5 ألاف متر من الطرق، إضافة لتشييد المحاور والكباري والأنفاق لربط المحافظات ببعضها لتقليل الوقت والجهد على المستثمر، إضافة لتطوير منظومة السكة الحديد لنقل البضائع، المنطقة الاقتصادية لقناة السويس الجديدة وتطوير الموانئ التجارية، وذلك كله جعل المناخ مهيأ لجذب الاستثمارات .

وأشار «غراب»  إلى أن الدولة هيأت المناخ الاستثماري ببيئة تشريعية جاذبة للاستثمارات فقد أقرت قانون تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وقانون الاستثمار الجديد، وقانون تيسير إجراءات منح التراخيص ولائحته التنفيذية، وقانون المناطق الصناعية الخاصة، وتعديلات على قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، إضافة إلى التوسع في إصدار الرخصة الذهبية التي تمنح موافقة واحدة للمشروع وتيسير التراخيص من خلال جهة واحدة فقط ، بالاضافة إلى العديد من التيسيرات للمستثمرين منها إنشاء جهاز قومي للملكية الفكرية والتحول لنظام حق الانتفاع في الاراضي الصناعية وبدون قيود، إضافة للإعلان عن قانون جديد لاستثناء المشروعات الصناعية الجديدة من الإعفاءات الضريبية، وإتاحة أصول مملوكة للدولة بقيمة 40 مليار دولار للشراكة مع القطاع الخاص خلال الفترة المقبلة، إضافة إلى الإعلان عن وثيقة سياسات ملكية الدولة .

وبيَّن «غراب» أن الصعود بمؤشرات الاقتصاد المصري، يأتي من إصرار الدولة في المضي قدما في استمرار تحفيز المستثمرين في القطاعات الإنتاجية والصناعة والزراعة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى توسع الدولة في المشروعات القومية الزراعية كمشروع توشكى الخير والدلتا الجديدة ومستقبل مصر وغيرها، إضافة إلى الاستمرار في تنفيذ برنامج تعميق المنتج المحلي وتعظيم الصناعة الوطنية وتصنيع مستلزمات وخامات الإنتاج لتحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض المنتجات، إضافة للتوسع في وزيادة المجمعات الصناعية في كافة المحافظات،إضافة لزيادة في حجم الصادرات لنصل لـ 100 مليار دولار، وتقليل فاتورة الواردات لأقل ما يمكن بالاستغناء عن السلع الرفاهية والاستفزازية والتي لها بديل محلي لتشجيع المنتج المصري، كما تفعل الدولة حاليا وفق خطة استراتيجية.

 

ونوه الخبير الاقتصادي، إلى أن جولات الرئيس عبدالفتاح السيسي بدول الخليج والدول الخارجية وزيارات رؤساء الدول الخليجية لمصر ستسفر عن زيادة حجم الاستثمارات، منها توقيع مصر 14 اتفاقية بقيمة 7.7 مليارات دولار مع المملكة العربية السعودية، إضافة إلى استثمارات إماراتية عبر الحصول على حصص في شركات أو غيرها بقيمة نحو 2 مليار دولار، إلى جانب استثمار صندوق الاستثمارات العامة السعودي في مصر، للمساهمة في جذب استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار بالتعاون بين الصندوقين في مختلف القطاعات، إضافة إلى تفاوض مع قطر بشأن استثمارات جديدة تتراوح بين 2 و3 مليارات دولار، متوقعا زيادة الاستثمارات الخليجية من السعودية وقطر والبحرين وعمان والإمارات والكويت الفترة القادمة في مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى