في ظل اهتمام العالم العربي بقضية محو الأمية لكونها تمثل واحدة من أولى قضايا الأمن القومي العربي.. سوف تنظم جامعة الدول العربية غدًا الاثنين (العاشر من يناير 2022م)- بالتعاون مع الهيئة العامة لتعليم الكبار- الاحتفال باليوم العربي لمحو الأمية 2022م تحت شعار (محو الأمية.. بناء للإنسان وتنمية الأوطان).
وهذا كله من أجل تكاتف الجميع حكومات ومنظمات المجتمع المدنى والقطاع الخاص للقيام بدورهم المجتمعى للقضاء على الأمية من أجل تحقيق مستقبل أفضل للتنمية المستدامة في العالم العربى والإسلامى وخاصة وأن الأمية وإنخفاض نسبة التعليم تكلف الإقتصاد العالمى حوالى 1.19 تريليون دولار.
ومن أجل رصد واقع قضية الأمية فى العالم عامة والدول العربية خاصة فى عام 2021 وأسبابها ونتائجها وسبل مواجهتها فى المستقبل لا سيما مع التحديات والصعوبات المستقبلية سوف يكون محور مقالنا وهذا كله ما سوف نتناوله عبر أربعة محاور رئيسة.
أولاً- واقع الأمية في دول العالم والعالم العربي لعام 2021م:
وفقاً لتقديرات واحصائيات منظمة اليونسكو فإن هناك حوالى 17% من سكان العالم البالغين ( 15 عاماً فأكثر) مازالوا لا يعرفون القراءة والكتابة وان حوالى 127 مليون شاب فى الفئة العمرية (18-29 عاماً) على مستوى العالم لا يستطيعون القراءة والكتابة من بينهم 60.7 من الفتيات بينما هناك 67.4 مليون طفل لم يلتحقوا بالمدارس ممايزيد من أزمة الأمية كما أنه يعيش معطم الأميين البالغين (15 عاماً فأكثر ) فى جنوب آسيا وغرب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء أى أن حوالى 781 مليون شخص في جميع أنحاء العالم لا يستطيعون القراءة والكتابة منهم 64% من الإناث.
وقد شهدت النيجر أعلى نسبة أمية فى العالم للشباب فى الفئة العمرية (15– 24 عاماً) التى بلغت حوالى 81% فى عام 2021 م ، من بينهم 89% من الاناث تليها تشاد والتي بلغت معدلات الأمية فيها حوالى 78% وقد يرجع ذلك الى تفاقم العنف فى تلك الدول والتي أدت الى تعطيل الدراسة فيها.
أما في العالم العربى فيوجد واحد من كل خمسة بالغين يزيد أعمارهم عن 15 عاماً يعانون من الأمية، كما أن هناك دولاً عربية لم تتعد فيها نسبة الأمية الى 10% وهم ( قطر وفلسطين والبحرن والأردن والكويت ) بينما بلغت نسبة الأمية فى الصومال حوالى 62.2% وموريتانيا 48% واليمن 30% والمغرب 28% ومصر 25% والسودان 24% والجزائر 20% والعراق 20% وتونس 18% وسوريا 14% وليبيا 9% ولبنان 6% والامارات 6% وعمان 5% والسعودية 5%.
ثانياً- أسباب ومحفزات الأمية في العالم العربي:
الأمية داء لم يتم الابراء منه حتى عصرنا هذا وهو عصر التكنولوجيا والمعلومات وله أسبابه ودوافعه وتختلف من مجتمع لاخر ومن دولة لدولة حسب الظروف المحيطة بها ومن أهمها الظروف الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والأمنية المحيطة بالأسر العربية حيث الجهل المدقع والفقر والحروب الأهلية والاحتلالات المستمرة والأوبئة وعدم تعلم الآباء وإنخفاض المستوى المعيشى لهم, هذا علاوة على نقص الكفاءات فى العملية التعليمية والتى كانت من أهم اسباب ظهور الأمية بين الطلاب والأطفال والتى تستمر معهم فى الكبر فتصبح سلسلة غير متناهية من الأمية.
إلى جانب ذلك نجد العامل الثقافى حيث التقاليد والاعراف وثقافة الأسرة الذكورية المحافظة والعامل الإجتماعى حيث التفكك الأسرى والزواج المبكر والطلاق كلها عوامل أدت الى زيادة نسبة الأمية فى العالم العربى والتى وصلت لدرجة وصلت كبيرة خاصة بين الاناث والتى تراوحت ما بين 60% و 80%.
كما أن الزيادة السكانية فى العالم العربى والتى يقابلها ضعف الأنظمة التعليمية وعدم تطبيق التعليم الإلزامى في معظم الدول العربية وضعف الإجراءات الحكومية بشأن محو الأمية وتعليم الكبار وضعف التشريعات والتى تلزم الأميين بالإلتحاق بالتعليم مع ضعف ميزانيات التعليم في الدول العربية وبرامج محو الأمية فيها والتى تستخدم المنهج القديم دون الاستفادة من التقدم العلمى والتقنى فى هذا المجال.
هذا مع اختلاف مفهوم الأمية بين الدول العربية وبالتالى اختلاف الرؤى وبرامج المواجهة، مع عدم وجود دراسات جادة لتأصيل الواقع الحقيقى للأمية والتضليل الإعلامى والذى يعبر عن صورة غير حقيقية خاصة فى مجال التعليم، الى جانب الحروب والإرهاب والعنصرية والطائفية والأقليات والتوجه العام للمنطمات الانسانية والعالمية والتى تركز على قضايا الفقر والأوبئة على حساب التعليم ومحو الأمية.
ثالثاً- تداعيات وسلبيات الأمية على المجتمع العربي:
إن آثار الأمية متعدده ومتنوعة على الفرد والدولة ومنها البطالة خاصة مع عصر التكنولوجيا والثورة المعلوماتية والتى يحتاج الى أشخاص مؤهلين بدرجة كافية من العلم وبالتالى قلة الدخل للفرد وعدم قدرته على توفير متطلباته اليومية له ولأسرته . هذا مع انخفاض مستوى الوظائف وعدم ايجاد كفاءات مناسبة للعمل بإستخدام التكنولوجيا الحديثة.
هذا الى جانب إنهيار الصحة بين أفراد المجتمع وقلة المشاركة فى القضايا المجتمعية بين الأفراد حيث أن الأمية تمنعهم من التواصل والمشاركة الإيجابية فى الحياة العامة، مع تأخر الإقتصادات للدول التى تعانى من الأمية بين أفرادها.
كما أنه من تداعيات الأمية ارتفاع نسبة العنوسة وعدم اقدام الشباب على الزواج بسبب عدم توافق قدرات التعليم لدى الفتيات والرجال بالاضافة الى قلة الدخل وزيادة الاسعار مما يؤدى إلى مشكلات عديدة مثل التحرش وزيادة قضايا الإغتصاب والسرقة والقتل وغيرها.
رابعاً- حلول واقعية وعملية لمواجهة الأمية في عالمناً العربي والإسلامي:
هناك عديد الآليات وبرامج عمل لمواجهة البطالة ومن أهمها العمل على توسيع المدارات التى تخدم انتشار التعليم من دروس محو الأمية والبرامج التعليمية فى وسائل الاعلام وكورسات التعليم الالكترونية المجانية وكورسات الكفاءات التكنولوجية المتطورة.
هذا مع ضرورة الإهتمام بعمل مؤسسات محو الأمية لعمل دروس تقوية ودعوة الآباء والأهل الغير حاصلين على التعليم من أجل محو أميتهم ، مع قيام الدولة والحكومة توفير فرص عمل للعاطلين لتحسين مستوى معيشتهم وتوفير احتياجاتهم التعليمية لهم ولأبنائهم من كتب ووسائل تعليمية.
يُضاف إلى هذا.. العمل على انشاء الدعم داخل المؤسسات التعليمية للتعرف المبكر على المشكلات الدراسية التى تواجه الطلاب مثل صعوبات التعليم أو الاعاقات بالإضافة إلى مساعدة المعلمين على معرفة الأساليب التى يجب اتباعها مع الطلاب وفقاً لقدراتهم ومستوياتهم العقلية.
ناهيك عن ضرورة العمل على تحفيز المواطنين ودعمهم من أجل الحصول على التعليم المناسب من خلال انتشار الاعلانات والدعايا التى تحث على اهمية التعليم أو الدعوة الى التعلم من أجل الحصول على وظائف معينة وغيرها من الأساليب المحفزة ، مع توفير التعليم المجانى والعمل على الغاء الدروس الخصوصية والتى تؤثر على المعلمين داخل المدارس .
كما أنه من بين المقترحات العملية لمواجهة الامية فى العالم العربى تطبيق التعليم الالزامى فى سن مبكره وتقديم خطط حقيقية وبرامج فاعلة للأميين الكبار ونشر الوعي بأهمية التعليم وإجراء المزيد من الدراسات والبحوث لتشخيض هذه الظاهرة ومعالجتها، مع الاستفادة من المؤسسات والمنظمات وتجارب الدول الرائدة فى هذا المجال وتفعيل دور المنظمات العربية ومؤسسات التعليم الأهلى لوضع المبادرة الجادة لعلاج مشكلة الأمية أضف الى ذلك ضرورة الاستفادة من التقدم العلمى والتكنولوجى لمواجهة هذه الظاهرة.
في النهاية، يجب التأكيد على أن الأمية فى عصر الذكاء الاصطناعي والرقمنة لم تعد تقتصر على أمية القراءة والكتابة بل توجد أميات عديدة في العالم ومنها الأمية التكنولوجية والحاسب الآلي والأمية الثقافية والأمية الوظيفية والأمية السياسية والصحية والاقتصادية والاعلامية …. والتي تتطلب جميعها تكاتف المجتمع الدولى بمنظماته ومؤسساته المسئولة عن محو الأمية وتعليم الكبار وتفعيل دور العمل التطوعي في نشر التعليم ومساعدة المجتمعات على رسم خطط واضحة وشاملة لمواجهة الأمية والتغلب عليها مع وضع المعايير والأهداف المرحلية بناء على المعايير العالمية واعادة صيغتها بما ينسجم مع طبيعة وظروف الدول العربية، مع نشر ثقافة الوعي بالهوية وتحقيق مبدأ المساواه والعدالة الاجتماعية واحترام الأديان والتنمية المستدامة.
زر الذهاب إلى الأعلى