أدب وثقافة

د. حاتم الجوهري وسياسة ثقافية فاعلة لتقديم الذات العربية للعالم

في دراسة جديدة قدم د. حاتم الجوهري أستاذ النقد الأدبي المنتدب بالجامعات المصرية والمشرف على المركز العلمي للترجمة بهيئة الكتاب، سياسة ثقافية جديدة لمشروع الترجمة العربية للآخر، بعنوان: “سياسة ثقافية فاعلة للترجمة للآخر”. وذلك في عدد مجلة أدب ونقد لشهر يونيو 2021م التي يرأس تحريرها الشاعر عيد عبد الحليم.

 

 

وفي هذه الدراسة يرى الجوهري أن مشروع الترجمة المصري الحديث–وربما العربي لحد بعيد– قد مر بأربعة مراحل أو مقاربات رئيسية في علاقته بالآخر ومشروعه الحضاري وسياسات النقل عنه، وأنه لا بد من النظر في هذه المراحل والمقاربات التي حملتها، حتى يمكن النظر في استشراف مقاربة جديدة لمشروع الترجمة المصري للآخر.

 

 

حيث بدأ المشروع المصري في مقارباته الأربعة بمقاربة رفاعه الطهطاوي في القرن الـ 19، والمقاربة الثانية كانت في بدايات القرن العشرين، تلاها مرحلة المد القومي والناصرية في منتصف القرن، وأخيرا المقاربة الرابعة سادت من تسعينيات القرن الماضيوحتى الآن، والتي شكل ملامحها بشكل رئيسي د.جابر عصفور بتوجهاته الثقافية ودوره الوظيفي في مؤسسة الثقافة المصرية، كما توضح الدراسة.

 

 

ويرى حاتم الجوهري أنه في المرحلة الأولى والثالثة كانت هناك علاقة تقوم على حضور الذات مع النقل عن الآخر، وفي المرحلة الثانية ظهرت أزمة ثقافية متأثرة بـ”المسألة الأوربية” وأفكار التبني الكامل لها، وفي المرحلة الرابعة مع د.جابر عصفور حدثت انتكاسة وعودة للمرحلة الثانية، والتأثر بـ”المسألة الأوربية” عن القطيعة مع الذات العربية والاستلاب التام للحظة التاريخية لـ”المسألة الأوربية”، ومحاولة محاكاتها تماما وتبنيها بمجمل سياقاتها.

 

 

 حيث يرصد بداية: مقاربة رفاعة الطهطاوي للترجمة و حضور الذات وحضور الآخر ، حينما بُعث رفاعة الطهطاوي إلى باريس في القرن التاسع عشر؛ عاد محملا بزخم الحضارة الأوربية الحديثة ونهم التعرف على مجالاتها ومنجزها، وبالطبع البحث في سبل محاكاتها لتحقيق نهضة الذات وتحديثها، لكن يمكن القول إن أبرز سمات مقاربة رفاعة الطهطاوي لمشروع الترجمة هي حضور الآخر والترجمة عنه، وفي الوقت نفسه حضور الذات والاشتغال على تراثها والاهتمام به.

 

وكانت أبرز مظاهر الاستقلالية عند الطهطاوي إلى جوار موقفه من التراث والاشتغال به، موقفه الفعال من حضور الدين الإيجابي وتوظيفه في الظاهرة البشرية عموما، ودوره الحضاري في سياق الذات العربية على وجه الخصوص.

 

 

 ثم تنتقل الدراسة إلى: مقاربة النخب الثقافية الماركسية بدايات القرن العشرين وظهور الأزمة تجاه الذات ومتلازمة المسألة الأوربية،  وذلك مع ظهور فكرة “التناقضات الحدية” تأثرا بالمسألة الأوربية ومتلازماتها الثقافية، كان قد بدأ في الظهور ربما تأثرا بالوجود الهاديء للتنظيمات اليسارية والماركسية في مصر –والليبرالية أيضا بدرجة أقل–، التي لم تأخذ شكلا واضحا سوى في عشرينيات القرن غير أن حضورها ثقافيا وتأثرها بفكرة التناقضات، ومحاولة إعادة إنتاج التجربة الغربية/ الأوربية عن القطيعة مع التراث، سوف يبدأ في الظهور رويدا.

 

وشيئا فشيئا في تلك الفترة ومع ظهور طه حسين ومثقفي الأكاديمية المصرية المتأثرين بالمسألة الأوربية عموما، إلى جوار دور اليسار الأيديولوجي، ظهر تيار ثقافي وسياسي واسع يؤكد على الأزمة والصدام بين الذات والآخر، الذي لابد انعكس بدوره على الثقافة المصرية عموما والترجمة أيضا في سياقها، رابطا الآخر بمصطلحات مثل: التنوير والتقدمية والعلمانية، والذات بمصطلحات مثل: الرجعية والظلامية والماضوية.

 

وتصل الدراسة للمرحلة الثالثة التي تسميها: مقاربة المرحلة الناصرية وسياستها الثقافية وسعي الذات للوجود في العالم مرة أخرى، حيث في المرحلة الناصرية في منتصف القرن العشرين ظهرت فكرة الشخصية القومية العربية للوجود، ومن ثم في مستوى من مستوياتها عملت على حضور الذات العربية، وهو وما انعكس على السياسة الثقافية في تلك الفترة تجاه التجاور بين الذات والترجمة من الآخر والنقل عنه، مع حضور مشروع الذات العربية في المشهد وتقديم نفسها للعالم.

 

ونشطت مؤسسة الثقافة المصرية في النقل عن الآخر الأوربي المتنوع وأبنيته الثقافية والفنية، مع منح تلك البنية الروح المصرية وحضور الذات، من ثم شهدت تلك المرحلة على المستوى الثقافي عودة ما لمرحلة الطهطاوي عن الجمع بين الذات والآخر ثقافيا.

 

 المرحلة الرابعة والأخيرة بعنوان: مقاربة التسعينيات وحتى اللحظة الراهنة وعودة خطاب القطيعة مع الذات والاستلاب للآخر، حيث في التسعينيات من القرن العشرين ظهرت مقاربة واضحة للعلاقة بين الآخر والذات، وهذه المقاربة تمتد حتى اللحظة الراهنة في المؤسسات الثقافية المصرية،وهي مقاربة ارتدت لفترة بدايات القرن وتبني “المسألة الأوربية” مرة أخرى عن “الثنائيات الحدية” التي يُذهب بعضها بعضا، والصراع بين الذات والآخر.

 

فظهرت سياسة ثقافية أقرب ما تكون تعبيرا عن القطيعة مع الذات العربية والمصرية؛ وتلتصق بالآخر الغربي/ الأوربي وترى فيه السبيل الوحيد الممكن للتحديث، ليعود تأثير “المسألة الأوربية” أشد ما يكون سواء في تصوراته الماركسية أو في شكله الليبرالي أيضا، مع الإشارة لصعود التيار الليبرالي الذي أخذ يشتد ويعلو بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

 

 ثم انتقل حاتم الجوهري إلى وضع تصور للمستقبل بعنوان : نحو سياسة ثقافية فاعلة للترجمة للآخر، بحث فيه محددات “سياسة ثقافية” تستعيد المشترك العربي والشعبي بعد استقطابات تاريخية وسياسية، وذلك عبر عمل الثقافة ومؤسساتها واستعادة دورها كـ”مستودع للأفكار والتصورات” (Think tank) والسيناريوهات البديلة للمستقبل. وكذلك وضع تصورات للعمل بين مجالي “الترجمة للذات” و”الترجمة للآخر”وتجاوز متلازمات “المسألة الأوربية”.

 

 

 ووضع الجوهري محددا لسياسته الثقافية التي يدعو لها يقوم علىاستعادة الذات وتغيير صورتها النمطية عند الآخر، وكذلك في مواجهة الذات كما صورها الآخر والكتابات الغربية عن العرب، مع تجاوز مرحلة الأزمة والقطيعة الضمنية أو المعلنة مع الذات العربية التي كانت سائدة منذ تسعينيات القرن الماضي، وسياساتها الثقافية.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى