يختلف مفهوم العلوم تبعاً لاختلاف النظرة له، فمفهوم العلوم عند البعض هو مجموعة من الحقائق والمعلومات التى أمكن الوصول إليها فى ميادين الكيمياء والفيزياء، وعلوم الحياة وغيرها.
ويرى البعض أن العلوم هى بالدرجة الأولى طريقة للتفكير اكتشفها الإنسان، وفصل خطواتها. أما البعض الآخر فمفهوم العلوم فى نظره هو أنها ميادين معينة أمكن الوصول إلى حقائقها ومعلوماتها ، ويمكن دراسة مختلف نواحيها باتباع طريقة معينة هى طريقة البحث العلمى أو الطريقة العلمية فى التفكير، وهذا المفهوم هو الأشمل والأوفى للعلوم ، والعلم بالإضافة إلى ذلك كله أسلوب للحياة.
فالحصيلة العلمية الهائلة الموجودة حالياً، وكمّ التطور العلمي الضخم الذي نشهده في شتى المجالات كعلوم الفيزياء والكيمياء والأحياء والطب والفلك والرياضيات والهندسة ما هو إلا نتاج أعوام عديدة من البحث العلمى المنظم والتفكير المنطقى، وإجراء عديد من التجارب ، والمحاولة والخطأ، التى تمت عن طريق مجموعة من العلماء، الذين أثّروا في التاريخ البشري بشكل قوي بما قدموه من إسهامات واكتشافات.
وعلى الرغم من اتساع مجالات العلوم التى تشمل التفاعلات النووية، والإشعاعات المختلفة المتعددة، كما تشمل العمليات العقلية من قوانين رياضية ترسم ، وترصد تحركات الأجسام والأفلاك والكواكب والنجوم، ومن هجرة الطيور والحيوانات والأسماك ، إلى إرسال القذائف والأقمار وسفن الفضاء، إلى غير ذلك من معارف لا حصر لها، إلا أن العقل البشرى استطاع بما اكتسب من خبرة ودرايه ومران أن يُصنف هذه المعارف، وأن يوضح ما بينهما من روابط وعلاقات، وأن يستنبط القوانين.
هذه السلسلة المنطقية التى تصور التفكير العلمى، إنما هى الطريقة العلمية التى تجعل العلوم تنمو، وتتفرع وتمتد لتشمل مجالات جديدة، ومن هنا نستطيع القول بأن العلم يصنع المعرفة عن طريق البحث العلمى المنظم، والاستقراء المنطقى لنتائج البحوث، ومن هنا كانت أهمية دراسة تاريخ العلوم لمتابعة التقدم العلمى فى شتى المجالات.
تاريخ العلم هو مجال يهتم بنشأة العلم وتطوره ، والاكتشافات والاختراعات التى تبعت نشأة هذا العلم، والوقوف على الأدوات والظروف التي ساهمت بتقدّم العِلم أو تراجعه ، وتقويم حركة العلم عبر مراحله التاريخية المتعاقبة، للوقوف على عوامل تقدمه أو تعثره من جوانب عدة. بالإضافة إلى أنه يحكى تاريخ العلم والعلماء فى تسلسل زمنى ، ولغة علمية دقيقة سهلة.
يتميز تاريخ العلوم عن تاريخ الأحداث الماضية للأشخاص والحضارات بأنه يتكون دائما من حقائق قابلة للتحقق والاختبار والاستنتاج وإذا ما توافرت لها نفس الظروف، أو اتبع في استنتاجها نفس الأسلوب وسرد الحقائق وفقاً لمحور أساسي يضمها ويجذبها إلى مسار له إتجاهه الخاص. ذلك لأن الحقائق العلمية ليست كلها على درجة متكافئة من الأهمية والدلالة عندما يتناولها المؤرخ العلمي بالتحليل والتفسير في أى عصر من العصور، من هنا تتضح أهمية تاريخ العلم في صياغة نظريته العامة وفلسفته الشاملة، حيث يستحيل انفصال العلم عن تاريخه باعتباره عملية ممتدة خلال الزمان.
تكمن أهمية معرفة تاريخ العلوم فى أنه يُعطينا دروساً عن كيفية حدوث الاكتشافات ، واستحضار تلك الدروس أثناء عملنا فى البحث العلمى، كما يعلمنا أن الفشل شئ طبيعى فى طريق إكتشاف الحقائق، وأن فهم الطريق الذى سلكه مجموعة من العلماء كى يصلوا إلى اكتشاف ما يجعلنا نفهم هذا الاكتشاف نفسه بعمق أكبر.
بالإضافة إلى أنه يساهم في وضع رؤية واضحة لمستقبل هذا العلم، من خلال تدبره، ومعرفة ما يجب أن نُركز عليه، وما يجب الابتعاد عنه ، مما يجعلنا نفهم الأفكار الأساسية لهذا العلم وتطوره مع الزمن بطريقة أفضل وأعمق.
لذا يجب علي المربي أن يغرس فى نفوس طلابه أن العلم ملك للبشرية، وليس هناك احتكار فى المعرفة العلمية، إذ أن الاكتشافات العلمية التى تمت على مدار التاريخ العلمى هى قاسم مشترك بين عدد من العلماء الذين ينتمون إلى دول مختلفة فى العالم، يحمل كل عالم منهم شعلة العلم حتى ينتهى دوره، ويسلمها لغيره من العلماء فى أى مكان على الأرض، ليكمل ما بدأه أخوه فى الإنسانية بغض النظر عن عرقه أو جنسيته أو دينه.
وإذا تصورنا ما يُمكن أن يحدث إذا احتكر كل عالم اكتشافاته ومنعها عن غيره ، فإن ذلك حتما يؤدى إلى تخلف العلم ونشره، وربما إلى إستحالة وصول الإنسان إلى اكتشافات كبيرة مما تحتاج إلى عقول وإخلاص وسواعد وخبرات عشرات من العلماء فى مختلف أرجاء الأرض.
ويجدر بنا أن نضيف هنا أيضا أن محاولات الإنسان فهم الظواهر التى تحيط به فى الأزمان الماضية لم يكن يبنى على أساس من التوقع والافتراض المبني على دعائم قوية، بل كان العامل الواضح فى تصرفاته فى هذا المجال هو المحاولة والخطأ.
———————
المراجع:
البغدادى، محمد رضا(2003). تاريخ العلوم وفلسفة التربية العلمية، دار الفكر العربي، ط(1).