ملفاتمميز

تستهدف الأطفال والشباب.. «الابتزاز والتنمُّر عبر الإنترنت» من أخطر الجرائم الإلكترونية!!

شارع الصحافة/ إعداد- علي الحاروني:

 أصبح التنمر عبر الإنترنت أو ما يطلق عليه الابتزاز الإلكتروني ظاهرة معقدة ومنتشرة في العالم، وفي مجتمعاتنا العربية وخاصة بين الأطفال والشباب في المدارس والجامعات حيث يستغلون التكنولوجيا والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي للترهيب والإيذاء والتخويف والتلاعب والقمع وتشويه السمعة لإيذاء أشخاص آخرين بطريقة متعمدة ومتكررة وعدائية.

وأياً ما كانت أدوات ووسائل التنمر عبر الإنترنت فإن له أسبابه وحوافزه وتداعياته الخطيرة وخاصة علي الأطفال والتي تحتاج إلي تحليل هذه الظاهرة وبحث واقعها وسبل مواجهتها عملياً وواقعياً وقانونياً، وإسلامياً حيث حذر الإسلام من السلوك العدواني المعروف بالتنمر وفقاً لقوله تعالي: (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين). وقوله صلي الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار)؛ وذلك لتداعياته السلبية إجتماعياً ونفسياً وجسدياً.. وهذا ما نتعرف عليه عبر ستة محاور رئيسة:

أولاً- ماهية التنمر عبر الإنترنت ووسائله:

إن التنمر ما هو إلا “شكلاً من أشكال العنف أو إساءة المعاملة أو الإيذاء أو المضايقة باستخدام التكنولوجيا وشبكة الإنترنت وأجهزة الاتصال الحديثة، ويتضمن ذلك التهديد والابتزاز ورسائل الكراهية والعنصرية ونشر المعلومات الشخصية أو الصور والفيديوهات المسربة لمضايقة شخص أو جماعة وإذلالهم.

ولعمل أكثر وسائل التنمر عبر الإنترنت هي وسائل التواصل الإجتماعي (الفيسبوك، تويتر، انستجرام، والشات) والرسائل النصية القصيرة SMS والرسائل الفورية عبر الإيميل أو تطبيقات الدردشة أو خيارات المراسلة في وسائل التواصل الاجتماعي.

ونظراً لتعدد وسائل التنمر عبر الإنترنت فإن هناك أنواعاً عديدة من التنمر حيث التنمر اللفظي حيث استخدام الألفاظ والعبارات والشتائم التي تحض علي الكراهية والتنمر عبر نشر المعلومات أو الصور الشخصية ونشر المحادثات دون إذن الطرف الأخر وهو ما يعرف بالخداع الإلكتروني إلي جانب ذلك فقد يكون القرصنة والمراقبة وسرقة الحسابات الشخصية أو إنشاء حساب مزيف ينتحل فيه اسم شخص معين بهدف الإساءة أو تشويه السمعة صورة من صور التنمر عبر الإنترنت.

ثانياً- واقع التنمر عبر الإنترنت في العالم وتداعياته:

وفقاَ لأحدث الإحصائيات والتقارير الصادرة عن ظاهرة التنمر عبر الإنترنت في العالم نجد الآتي : 53% من المستخدمين لشبكة الإنترنت تعرضوا للتنمر وأكثر من نصفهم عبر الفيسبوك و 34% من الأطفال تعرضوا للتنمر وأن العمر الأكثر تعرضاً للتنمر عبر الإنترنت بين 13-15 عاماً ، و 38% فقط من الأطفال يخبرون ذويهم عن تعرضهم للتنمر عبر الإنترنت وبلا شك فإن التنمر عبر الإنترنت هي جريمة إلكترونية بمعني الكلمة وتكمن خطورتها في كون المتنمر مجهول الهوية ومادة التنمر متوفرة علي الإنترنت بصورة دائمة دون أدني رقابة أو إشراف عليها وهو ما يؤدي إلي التشهير بالآخرين والسخرية منهم مما يؤدي إلي عزلة المتنمر عن محيطه العائلي أو المدرسي أو الجامعي .

ولعل هذا كله ما أدي إلى انعكاس التنمر بشكل سلبي علي الأفراد المتعرضين له حيث يؤدي التنمر إلي مشاكل نفسية وسلوكية علي المدى الطويل كالاكتئاب والشعور بالوحدة والانطوائية والأرق والقلق والسلوك العدواني وانسحاب الفرد من الأنشطة الاجتماعية الحاصلة في العائلة أو المدرسة.

وقد يوصل التنمر إلى الانتحار وقلة النوم والصداع وحالات من الخوف والذعر وقد يؤدي ذلك التنمر إلي امتناع الأشخاص عن التحدث أو محاولة التعامل مع المشكلة، كما أنها تؤدي إلي الشعور بتدني احترام الذات والتأثيرات السلبية علي التحاق الطلاب بالمدارس والتحصيل الدراسي، مع تشتت الذهن وتدني المستوي الدراسي للضحية في حال كان طالباً في المدرسة أو الجامعة، إضافة إلي ذلك قد يتعرض المتنمر إلي انتهاج سلوكيات ضارة وكذلك ضحايا التنمر عبر الإنترنت مثل التدخين أو الكحوليات والإدمان.

ثالثاً- محفزات ودوافع التنمر عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي: 

من أهم أهداف التنمر عبر الإنترنت وأسبابه هي الغيرة وتعويض النقص عندما يتعرض المتنمر لسوء المعاملة في حياته المهنية أو في المدرسة أو الأسرة فيحاول تفريغ كبته بالتنمر علي الآخر، كما أن من محفزات ودوافع التنمر أنه أقل خطورة علي المتنمر من الأنماط الأخري والتي تحتاج إلي المواجهة والشجاعة ولا يوجد عواقب واضحة لممارسة التنمر علي الإنترنت.

وتتيح وسائل التنمر الإلكتروني للمتنمر إخفاء هويته وتتيح له الانسحاب بسهولة عند الشعور بالخطر، كما أن الألعاب الإلكترونية والأفلام السينمائية التي تحث علي العنف هي أحد دوافع التنمر، الذي قد يكون بهدف الانتقام الشخصي أو الاجتماعي والبحث عن الانتماء ونتيجة للضغوط الاجتماعية، إضافة إلي أن التنمر يقلص الفروق الاجتماعية حيث بفضل شبكة الإنترنت تذوب الفوارق الاجتماعية التي تفرضها الحياة الواقعية.

وقد ينظر البعض للتنمر علي أنه وسيلة للتسلية وهذا منطقي ما دام التنمر عبر الإنترنت يمنحهم شعوراً إضافياً بالقوة والسلطة، كما أن التنمر قد يكون نتيجة اضطراب شخص والإدمان علي السلوكيات العدوانية أو الاكتئاب والأمراض النفسية.. وهناك أسباب أخري للتنمر الإلكتروني رغبة لشخص المتنمر في السيطرة والتحكم في الآخرين والغيرة منهم خاصة بالنسبة للمراهق.

وبشيء أكثر تأصيلاً يمكن رصد أهم أسباب ومحفزات التنمر عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في التربية الخاطئة القائمة علي عدم الحوار والإقناع وإحساس الأطفال بذواتهم وقيمتهم وحقوقهم وعدم الاكتراث بتطوير مهاراتهم وقدراتهم علي التواصل ما يؤدي إلي خلق طفل فاقد الثقة بنفسه ومضطرب الهوية ومعرضاً للتنمر خاصة مع المشكلات الأسرية، مع عدم الوعي بثقافة الاختلاف وغياب دور الأسرة والمدرسة وإهمال معالجة شكاوى الطلاب الواردة بخصوص التنمر وغياب الرادع لها وكما ساعد الإعلام علي نشر التنمر من خلال تركيزه على المشكلات وتضخيمها.

رابعاً- التنمر عبر الإنترنت وتداعياته علي الأطفال وسبل مواجهته:  

إن الخطورة الأكبر في ظاهرة التنمر علي الإنترنت أنها تهدد الأطفال وصحتهم النفسية والعقلية حيث يتعرض الأطفال لإساءة المعاملة عبر مواقع التواصل الإلكتروني وألعاب الإنترنت، دون أن تكون لديهم القدرة علي الدفاع عن أنفسهم ومواجهة التنمر، ما يحتم علي الأهالي ضرورة الإلمام بقضايا التنمر وبكيفية حماية الأطفال من التنمر عبر الإنترنت.

إضافة إلي ذلك ووفقاً لأحدث الإحصائيات والأرقام فإن هناك ما يقارب 43% من الأطفال الذين يستخدمون الإنترنت يتعرضون للتخويف بشكل متكرر وتعرض 70% من طلاب المدارس المتوسطة للمضايقات الإلكترونية المتكررة.

اعترف حوالي 58% من الأطفال بأن شخصاً ما قد استخدم عبارات ضارة معهم عبر الإنترنت ومن هنا فإن مشكلة التنمر عبر الإنترنت هي مشكلة واقعية وحقيقية وغير مبالغ في حجمها وخطورتها وتتطلب حتي نحمي أطفالنا من براثن التنمر أو الابتزاز الإلكتروني وتداعياته الخطيرة عليهم أن نقوم بتعريف الطفل بماهية التنمر وممارسته للنشاطات الاجتماعية لتبصرته بآداب الحديث.

وينبغي الحفاظ علي لغة الحوار والتواصل بين الطفل ووالديه أو بنيه وبين معلمه في المدرسة ومعرفة الأجهزة والتطبيقات والتكنولوجيا التي يستخدمها الطفل ومتابعته والإشراف علي استخدامه لها ، مع تعليم الأطفال الاحترام والتعاطف مع الآخرين عبر الإنترنت، مع الوضع في الاعتبار بأن احترام وحماية خصوصية الأطفال علي الإنترنت هي ضرورة لخلق إنسان سوي وقادر علي مواجهة تحديات المستقبل.

  ولبناء شخصية قوية واثقة بنفسه وحتى يستطيع مواجهة الشخص المتنمر وإيقافه عند حده ومن التعامل مع مختلف المواقف التي يتعرض لها وتفادي سلبياتها وتدريبه وتعليمه كيف يتصرف معها.. يجب تعليم الطفل المهارات الاجتماعية للتفاعل الناجح مع العالم ونشر مهارات التأقلم وإعطاء الثقة للأطفال في المنزل والمدرسة وتأسيس برامج مكافحة التنمر لتعليم التعاون بين الطلاب.

خامساً- آليات وبرامج عمل لمواجهة ظاهرة الإبتزاز الإلكتروني: 

هناك آليات ضرورية وبرامج عمل واقعية للحد من إنتشار ظارهة التنمر عبر الإنترنت ومن أهمها: ضرورة تقوية الوازع الديني والعقائدي لدي الأطفال وطلاب المدراس والجامعات وتنمية القيم الإنسانية لديهم مثل التسامح والمحبة والإحترام والتواضع والتعاون ومساعدة الضعيف، وتعزيز عوامل الثقة بالنفس والإنتماء وقوة الشخصية لدي الأطفال.

ولا بد من تدريب الأطفال علي رياضيات الدفاع عن النفس لتعزيز قوتهم النفسية والبدنية وثقتهم بأنفسهم ومتابعة السلوكيات المختلفة للأبناء في سن مبكرة والوقوف علي السلوكيات الخاطئة ومعالجتها ، هذا إلي جانب مراقبة الأبناء علي الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي وتجنب الفراغ واستثمار الطاقات والقدرات الخاصة للأفراد بالبرامج والأنشطة التي تعود عليهم بالنفع . هذا مع ضرورة التحفظ علي المعلومات والصور الشخصية علي مواقع التواصل الإجتماعي بعيداً عن متناول الجميع.

 

أضف إلي ذلك ضرورة الإنتباه إلي علامات التنمر لدي الأطفال وعرض الشخص المتنمر إلي علامات التنمر لدي الأطفال وعرض الشخص المتنمر أو الضحية علي أخصائي نفسي أو مرشد اجتماعي والحرص علي اللقاءات الدورية معه ، مع حماية حقوق الأفراد الممارس عليهم المتنمر وتعويضهم عن الأضرار النفسية أو الجسدية التي تعرضوا إليها ويتوجب علي الحكومات وضع قوانين صارمة لمعاقبة ممارس التنمر بكافة أشكاله.

وعلي الحكومات ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمات حماية الأسرة والأطفال إطلاق حملات توعية لكافة الأعمار حول سلوك التنمر وأشكاله وطرق التعامل معه والوقاية منه وعلاجه . كما أنه يجب تشجيع الشباب علي التعبير عن أنفسهم بحرية وممارسة حقوقهم في مجتمع ديمقراطي وعالمي من خلال مشاركة أفكارهم وآرائهم دون مهاجمة الآخرين الذين لديهم آراء متباينة.

وفي هذا السياق، ولتعدد مصادر التنمر عبر الإنترنت مثل المدرسة ، والمجتمع والأسرة، فإن عليهم القيام بدورهم للتعرف علي التنمر وضبط قواعد استخدام الإنترنت وآلية التواصل مع الآخرين وتدريب الكوادر المدرسية علي الحالات التي قد تنجم عن حدوث التنمر الإلكتروني وإعداد برامج توعية ثقافية لشرح ماهية وتداعيات التنمر والاستفادة من الإذاعة المدرسية في ذلك وزيادة الرقابة علي الأماكن التي يمكن حدوث التنمر الإلكتروني ومراقبة أولياء الأمور لذلك وتحديد أوقات استخدام أجهزة الكمبيوتر وبرامج التواصل الاجتماعي وأهمية التعاون والتواصل مع إدارة المدرسة في ذلك.

 

 ويتعين العمل علي نشر الوعي بخطورة الإبتزاز الإلكتروني بين أفراد المجتمع والتعاون بين المساجد والمدارس والجامعات والأسرة في ذلك للحد من وقوعهم فريسة للتنمر الإلكتروني وتوعية الأطفال بدورهم الحقيقي للقيادة والقوة ومراقبة الأسرة لحسابات أطفالهم الإلكترونية، وأن يكون الأهل قدوة لأبنائهم وتوعية الطلاب في المدرسة بضرورة التسامح والمحبة فيما بينهم وتقوية الثقة بأنفسهم.

كما يجب تفعيل دور الإعلام لمعالجة قضايا التنمر واقتراح الحلول والإجراءات الإحترازية لمواجهتها مع وضع الدولة قوانين صارمة في ذلك كما حدث في سنغافورة حيث قامت بوضع عقوبة التنمر وغرمت الطالب المتنمر وأهله بغرامة مالية قدرها (15 ألف ) دولار عند قيامه بمحاولة التنمر.

سادساً- دروس مستفادة من الإسلام لمواجهة التنمر والابتزاز الإلكتروني:  

وضع الإسلام بعض الاسس والمباديء وبرامج العمل للحد من إنتشار ظاهرة التنمر عامة بتحريم الإعتداء علي الآخرين والتحلي بحسن الأخلاق وفقاً لقوله صلي الله عليه وسلم: (أثقل شيء في ميزان المؤمن يوم القيامة حسن الخلق وإن الله ليبغض الفاحش البذي)  أخرجه البخاري.

كما أكد الإسلام أو حسن إسلام المرء هو كمال الأخلاق كما في حديث الرسول صلي الله عليه وسلم (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً). أخرجه الترمذي.

 

ومن هنا حرم الإسلام الأذى الجسدي والنفسي الناجم عن التنمر وفقاً لقوله صلي الله (لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً) أخرجه أبو داوود.. ووفقاً للرؤية الإسلامية فإن هناك العديد من الأسس التي يجب أن يتحلي بها كل مسلم لمواجهة التنمر وتتمثل في تعزيز التربية الإسلامية للأطفال والتي تحرم فيها الإسلام الإساءة أو العنف، مع تعليم الأطفال القيم الإنسانية وتنمية الأخلاق الصحيحة عند الأطفال وزرعها في نفوسهم وأن يكون الآباء قدوة لأبنائهم سلوكاً وفعلاً وغرس التواضع والحلم وحب الآخرين في الطفل منذ صغره.

قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) أخرجه مسلم، علاوة علي إيجاد بيئة إجتماعية جيدة للطفل من خلال انتقاء صحبة صالحة تعينه علي فعل الخير وحسن الخلق قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد يحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحاً خبيثة) أخرجه البخاري.

 إضافة إلي المساواة بين الطلاب في أماكن التعلم وعدم التمييز بينهم إلا لمكافأة علي عمل أو تخلق بخلق حسن، مع إبعاد الطفل عن مشاهده العروض التليفزيونية العنيفة بما في ذلك أفلام الكرتون وألعاب الفيديو التي تنمي العنف وكف الوالدين عن ممارسة العنف والعدوانية داخل الأسرة وتعزيزاً لاحترام المتبادل بين الطلاب من خلال الأنشطة التربوية الداعمة، قال تعالي:

(وتعاونوا علي البر والتقوى ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان- المائدة 21- وإرشاد الطلاب إلي أن القوه في ضبط النفس والتحلي بالصبر عند مواجهة الفعل الخاطئ وتدعيم ذلك الأمر من خلال مقررات دراسية وأساليب تربوية، قال رسول الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)- أخرجه البخاري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى