فنونمقال رئيس التحريرمميز

إبداعات الفنانة إيمان داود التشكيلية.. بين الأحلام الأفلاطونية والحياة التراجيدية!!

• يُقال إن «الإبداع يُخلق ويُولد من رحم المعاناة والألم والحرمان، بأنواعه المختلفة.. ويرى بعض النقاد أن الشّخص المبدع يخلق من معاناته إبداعًا بأشكالٍ مختلفة، وطرائقَ متعددة ومتجددة مبتكرة وأصيلة، بتراكيب خلاقة».. وهذا تلخيص بسيط لإبداعات الفنانة التشكيلية الشابة، ابنة مركز مشتول السوق بمحافظة الشرقية؛ «إيمان أحمد داود».

• في عالم «إيمان» التشكيلي؛ نلاحظ أن الحزن يرسم تجاعيد وجوه، كتمت آلامها.. فبين ملامحها قصصٌ لم يشعر بها أحد.. وتنطق لوحات «إيمان» بالبكاء، وتطفح بالهموم والأحزان، ربما لأنها تريد أن تشعر المتلقي بأن ثمة أشواكًا في حياة هذه الشخصيات، وأن هناك همومًا تجثم على صدرها، وتكتم أنفاس فرحتها البديهية، وسعادتها التلقائية المفترضة.

• وأيا كانت بطلات لوحاتها تقطن المدينة، أو تحيا بالأرياف، فإن هدوء الكفور والنجوع- كما البندر والمدينة- تحول إلى ما يُشبه البركان، الرابض تحت الرماد !!

• تفسر الفنانة «إيمان داود» نظرات الانكسار المُطلَّة من أعين بطلات وأبطال لوحاتها، بقولها (إن الرسام يترك دائمًا بصمات إحساسه على لوحاته)..

• وتضيف:  (لا يكفي أن يكون الإنسان على قيد الحياة، بل يجب أن يكون على قيد الأمل .. على قيد الحلم.. على قيد التفاؤل.. على قيد شيء جميل سيحدث له يومًا ما).

• تثق «إيمان داود» تمام الثقة بأنها قوية، وتمتلك إرادة حديدية، فتؤكد قائلة:  (في الواقع لا توجد خاتمة؛ فلكل نهاية امتداد يبدأ به كل شيء).. ولا شك أن المرء يُدرك بداهة أن كلامها صحيح ومنطقها سليم، وهي لم تفقد الأمل، وما زالت تحلم بيوم تشدّ فيه الرحال؛ إلى واقع جديد وجميل، يشبه الجنة الأفلاطونية المُثمرة والمزهرة !!

• شخصية الفنانة الشابة «ذات الخمار الأسود»؛ تجمع كثيرًا من المتناقضات: الأمل والإحباط .. الفرحة والبكاء.. بيد أن إيمانها بالله يجعلها تهرب إلى «الشخبطة» بألوان الباستل تارة، وألوان الخشب والرصاص والفحم، في أغلب الأحيان، لتخلق لنا عالمًا يضج بالحركة، وتُبدع شخصيات نابضة بالحياة، بصرف النظر إن كانت حياتهم بائسة ويائسة، أو  مُفعمة بالسعادة والسرور !!

 

• تتفق معي الفنانة التشكيلية الشابة «إيمان داود» بأن الإبداع- بحسب أحد الكتَّاب- عبارة عن «ومضة» تسكن الذات، يستفزها مسببٌ ما، ثم تخرج إلى الواقع بصيغة مُلهمة للآخرين، وقد يكون ذلك لأثر خارجي أو داخلي، ولكنه، على كل حال، يعد محفّزاً أساسياً لمكامن الطاقة في النفس البشرية.. ولعل هذا ما يدفعنا لأن نقول دائمًا إن «الإبداع يُولد من رحم المعاناة»، وهي جملة فلسفية تخرج من أعماق الفكر لتطفو على سطح الواقع، مرسخة معتقداتٍ تدور حولها تساؤلات عديدة.. ويبقى الســــــــــؤال ذاته مطروحاً دائماً لدى كثير من الباحثين والنقاد: كيف يؤثر الألم في الإبداع؟

• وفي هذا السياق، يقول أحد الكتاب: إن الألم والحزن قد يكون مسبباً رئيساً في صياغة الإبداع والتعبير عن ما بداخل الإنسان بصورة صادقة تلامس شغاف نفس المبدع، لأنها أكثر صدقاً وارتباطاً بالمشاعر حين يعتصر الإنسان نفسه.

• والشاهد أنَّ المبدعين دائماً ما يبحثون عن ذواتهم، وما يعبر عن وجدانهم من مشاعر، كما أن الإبداع يكون عادة قريباً من الذات، ومن الآخرين، ويلامس نفوسهم ووجدانهم، مؤكداً أن الحزن يشكل أحياناً منحى إنسانياً معبراً؛ لأن المشاعر فيه تتجرد من كل شيء، وترتكز على مرحلة مهمة من الحياة، ويشعر بها الجميع، وتلامس قلوب الجميع أيضاً.

وتُعرب «إيمان داود» عن اقتناعها بأن المعاناة سبب رئيس وقوي للإبداع، فمعاناة الفنان تدعوه للتأمل، والسمو بجمال الإبداع فوق آلام الجراح وتباريح الآلام، واستعادة التوازن النفسي.. وهي تعي وتدرك تمامًا أن الألم هو وقود التألق، وأنه حين يلامس النفس البشرية، يساهم بصورة غير مباشرة في صنع لمسات وومضات إبداعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى