أدب وثقافةمميز
		
	
	
كتاب «دفاعاً عن القدس».. أبلغ رد على التماهي مع المشروع الصهيوني وطرد الفلسطينيين من أرضهم !!

بقلم: د.محمد السيد إسماعيل

«دفاعا عن القدس ..وهوية الذات العربية- نقد خطاب الاستلاب العربي للصهيونية»، الصادر عن دار نشر صغيرة رغم أهميته (إضاءات للنشر والتوزيع)؛ هو أحدث إصدارات الشاعر والناقد والباحث الأكاديمي الجاد د.حاتم الجوهري.
ويكتسب الكتاب أهميته مما يزخر به من معلومات وحقائق علمية ردا على دعاة التماهي مع المشروع الصهيوني في أقصى تطرفه، ممثلا في ما سمي بصفقة القرن التي تقوم على التطهير العرقي، وطرد الفلسطينيين جميعا من أرضهم وترحيلهم قسريا إلى الدول المجاورة، بحيث تكون فلسطين وطنا لليهود الصهاينة فقط.
وقد أحسن د.حاتم في تأكيد رفض الشعوب العربية- خاصة الشعب المصري- لهذه الصفقة بل ورفض التطبيع أساسا مع الكيان الصهيوني فقد ظلت كل مؤتمرات الأدباء تضع فى أولى توصياتها رفض كل أشكال التطبيع خاصة الثقافي مع هذا الكيان ناهيك عن الموقف المبدئي لاتحاد الكتاب الذي يفصل كل مطبع من عضويته، وما حدث مع على سالم مثال شهير على ذلك.
ويرى الكاتب في دراسته أن الاتفاقية الإبراهيمية تهدف- في الأساس- إلى قبول إسرائيل والتعاون الكامل معها.
والحق أن هذه الاتفاقية هى امتداد لدعوة شيمون بيريز في كتابه «الشرق الأوسط الجديد»، الذي طرح فيه قيادة إسرائيل للدول العربية لتحقيق الرخاء للجميع. وقد ساعد على ذلك صعود الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عالمية مهيمنة وتوطيد سياسة القطب الواحد بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.
هذا السقوط الذي نتج عنه تأكيد هنتنجتون لما سماه «صراع الحضارات»، بين الحضارة الغربية الحديثة والإسلامية والصينية، وما نادى به فوكوياما حول نهاية التاريخ والانتصار النهائي للرأسمالية.
ويأتي أهم ما قدمه الكاتب- في رده على يوسف زيدان- هو تفريقه بين المكان الذي أسرى إليه الرسول (ص)، والذي أطلق عليه القرآن المسجد الأقصى باعتبار أن الأرض كلها مسجدا وطهورا للمسلم، وبناء المسجد الذي تم في عهد عبد الملك بن مروان وتطور عبر الزمن.
والحقيقة أن منهج يوسف زيدان يقوم على تشويه الرموز الإسلامية التي وقفت في وجه الصليبيين وحررت بيت المقدس مثل صلاح الدين الأيوبي الذي وصفه زيدان بأنه «أحقر رجل في التاريخ»، ورغم أنني ضد تقديس أي شخصية تاريخية وأدعو إلى حرية أى باحث في إعادة قراءة هذه الشخصيات، فإن وصف يوسف زيدان السابق ليس بحثا علميا إنما هو أحكام تقييمية مجانية، ثم يقوم منهجه -كما تكشف الدراسة- على التشكيك في الوقائع التاريخية المستقرة مثل وقوف الزعيم أحمد عرابي في وجه الخديوي، تشكيكا في سردية البطولة العربية كلها، وهذا مالم يقل به- في حدود علمي- أي باحث تاريخي.. ومما قاله زيدان أيضا أن اللغة العبرية أقدم من اللغة العربية، رغبة منه- كما تقول الدراسة- في التقليل من شأن العربية والانتصار للثقافة الصهيونية من خلال اللغة العبرية التي أحيتها من مماتها.
إن «زيدان» في كل هذا يختلف عن طه حسين الذي ظلم كثيرا في قضية محاباة الصهيونية وهو منها براء تماما، فقد استند المتهمون له على رئاسته لمجلة «الكاتب المصري»، التي كانت تمولها إحدى الأسر اليهودية الثرية في مصر ، ثم زيارته للجامعة العبرية وإلقاء بعض المحاضرات هناك.. وهما تهمتان فارغان حيث كانت المجلة والزيارة قبل عام 1948م حيث لم يتكشف وجه الصهيونية حينذاك، كما أن يهودي مصر كانوا ضمن نسيج الشعب المصري وكان منهم الفنانون والفنانات ورجال الأعمال والوزراء.
ومما يحسب للدكتور حاتم الجوهري في دراسته أيضا تمييزه الدقيق بين أنواع الصهيونية؛ التي تنقسم إلى الصهيونية الدينية والصهيونية الماركسية والصهيونية العلمانية وما عرف بالمسيحية الصهيونية (المرتبطة بالقيم الليبرالي) التي تسيطر على العقلية الغربية وعلى الولايات المتحدة الأمريكية بصورة أكثر فجاجة وتطرفا وعنصرية.
وتظل قضية الاستلاب إحدى القضايا الرئيسية في هذا الكتاب ويعني بها الباحث التماثل التام مع خطاب الآخر الغربي والصهيوني.. وهو ماكان يطلق عليه- منذ بدايات عصر النهضة- التيار التغريبي والذي بلغ أقصى تطرفه في قول سلامة موسى «علينا أن نتبع الحضارة الغربية بخيرها وشرها».
وقد تجاور مع هذا التيار تيار آخر يقف على النقيض منه وهو التيار السلفي الذي آمن بأن «آخرنا لن يتقدم إلا بما تقدم به أولنا»، وأخيرا التيار التوفيقي الذي حاول الجمع بين الأصالة والمعاصرة.
والذي أراه أن الاستلاب لا يقتصر على التيار التغريبي فحسب، بل يشمل التيار السلفي أيضا لأنه يقوم – هو الآخر – على الاتباع ومحاولة استعادة عصر متخيل ذهني وعصي على الاستعادة. فأنا مع وجود هوية ثقافية منفتحة- دون اتباع مطلق أو محاكاة تقليدية- على الثقافات كلها سواء الغربية أو ثقافات الشرق الأقصى.
ومن هنا من الممكن التعامل مع العلمانية بوصفها من المكتسبات الحضارية رغم نشأتها في مجتمعات المسيحية بوصفها رد فعل على هيمنة الكنيسة على مجمل الحياة الدينية والفكرية والثقافية ناهيك عن كونها مؤسسة رأسمالية كبرى حيث كانت تضع يدها على آلاف الأفدنة الزراعية وغيرها.
وليس معنى الأخذ بالعلمانية أن نعيد استنساخها داخل العالم العربي؛ حيث يظل من الضروري إعادة تأويلها وتأهيلها لكي تناسب ثقافتنا.
إن أقصى ما نريده منها هو الفصل بين الدين والسياسة وعدم احتكار الدين لجماعة محددة والتلاعب بمشاعر الناس الدينية.

 
				



