ملفات
اليوم العالمي للقضاء على «الإسلاموفوبيا».. مصالحة تاريخية عالمية (علي الحاروني- مصر)
في إطار مرحلة مهمة لمواجهة خطاب الكراهية والعنصرية والتعصب والتطرف ودعم مبادرات الحوار بين الأديان والثقافات ومما يعود بمزيد من الأمن والاستقرار والازدهار علي المجتمعات الإنسانية كافة، إتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً باعتبار 15 مارس من كل عام يوماً عالمياً للقضاء على الإسلاموفوبيا.
وبلا شك فإن تخصيص اليوم العالمي لمناهضة «الإسلاموفوبيا» يعزز علي المستوى الدولي الوعي بحظر الكراهية والتعصب ضد المسلمين، كما يشجع المجتمع الدولي على اتخاذ تدابير ملموسة لمكافحة هذه الظاهرة وتعزيز التسامح والتعايش السلمي عبر العالم خاصة وأن التحريض علي الكراهية والتعصب علي أسس دينية يمكن أن يخلق ظروفاً تشكل تهديداً للسلم والأمن والاستقرار على المستوى الدولي الامر الذي سيكون مناقضاً للحرية بكافة أشكالها.
ولذلك اعتبرت منظمة التعاون الإسلامي اعتماد هذا القرار من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة خطوة محورية نحو إتخاذ إجراءات ملموسة دولية لمكافحة خطر التحريض علي الكراهية والتمييز والعنف علي أساس الدين والعمل علي تعزيز الوحدة والوئام من أجل تحقيق السلام والتفاهم الدوليين.
ومن هنا علي المؤسسات الدينية الحكومية والعالمية الجمع بين الحشد ضد الأفكار المتطرفة والجماعات الإرهابية، وبين القدرة على بناء أفكار معتدلة جديدة واستثمار هذه البراءة الأولي في التفكير العالمي لملئها بمعان وقيم عالمية أساسها الاعتدال واحترام الثقافات والأديان والشعوب وترسيخ قيم التشارك والتعاون والتسامح الديني العالمي، مع تعزيز الجهود الدولية لتشجيع حوار عالمي بشان تعزيز قيم التسامح والسلام علي جميع المستويات علي أساس احترام حقوق الانسان وتنوع الاديان والمعتقدات.
إضافة إلى ذلك، فإن علي جميع الدول والمؤسسات والمنظمات الدولية والاقليمية والمجتمع المدني والمنظمات الدينية إلى دعم زيادة الوعي علي جميع المستويات في مكافحة ظاهرة الاسلاموفوبيا.
وبلا شك فإن اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع قرار اقترحته باكستان بإعتبار 15 مارس من كل عام يوماً دولياً لمكافحة «الإسلاموفوبيا» علي خلفية قيام مسلحين بإقتحام مسجدين في كرايستشيرش بنيوزلاندا ما أسفر عنه مقتل 51 شخصاً واصابة 40 آخرين لهو صحوة عالمية لوقف جميع أعمال العنف ضد الاشخاص على أساس دينهم أو معتقداتهم والأفعال الموجهة ضد أماكن عبادتهم وكل الاعتداءات علي الأماكن والمواقع والمزارات الدينية.
هذا كله علي الرغم من التحفظ الهندي والفرنسي الإتحاد الأوربي علي إنشاء يوم دولي معترف به لمكافحة الإسلاموفوبيا بحجة عدم الاستفراد بدين معين، علاوة علي انه لا يوجد تعريف متفق عليه لمصطلح الاسلاموفوبيا في القانون الدولي ، علي عكس حرية الدين والعقيدة، وأن التركيز علي الاسلاموفوبيا هو تكرار غير مبرر خاصة بعد اعتماد الأمم المتحدة عام 2019 م يوم 22 أغسطس يوما دوليا لا حياء ذكري ضحايا أعمال العنف القائمة علي الدين او المعتقد.
وبلا شك أن معارضة فرنسا وغيرها من دول الاتحاد الأوربي لم يكن مفأجاة خاصة في ظل مواجهة الحكومة الفرنسية نفسها اتهامات بالاسلاموفوبيا بسبب مجموعة من الساسات التي تهدف إلى معالجة النزعة الإنعزالية الإسلامية والقوي الجديدة التي استخدمت لإغلاق المساجد ومنظمات الجالية الإسلامية مع قيام فرنسا بإطفاء الطابع المؤسسي علي الاسلاموفوبيا من خلال تبني قوانين وسياسات تقيد بشدة قدرة المسلمين على ممارسة عقيدتهم تجربة في ظل رئاسة (إيما نويل ماكرون).
رغم كل ذلك فإن مشاركة الصين وروسيا في رعاية القرار الي جانب الدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي لهو تحول تاريخي للحد من خطاب الكراهية والتميز الممنهج ضد المسلمين، والذي وصل إلى أبعاد وبائية في فرنسا والهند وأمريكا وغيرها.
وبناء على ذلك، فإنه من الضروري أن تتخذ الأمة العربية والإسلامية موقفاً موحداً في مواجهة الاسلاموفوبيا وضرورة تكريس التعايش السلمي وتشجيع الحوار بين الاديان والثقافات كآليات فعالة وقيمة في مكافحة جميع أشكال العنصرية وكراهية الاجانب والاسلاموفوبيا والتطرف والعنف والكراهية الدينية ضد المسلمين في مناطق عدة من العالم مع التركيز علي الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، والعمل على استصدار قوانين دولية ومحلية تجرم كافة أشكال التمييز والانتهاكات ضد المسلمين علي غرار تجريم مظاهر العداء للسامية.
ويتعين خلق آلية لانخراط المسلمين فى المؤسسات العامة والتشريعية وفى جماعات الضغط ومنظمات المجتمع المدنى والأحزاب في العالم، مع العمل على تأسيس شبكات عالمية ضخمة مناصرة لقضايا المسلمين والمسيحيين فى تلك المجتمعات، مع ضرورة تنشيط دور المجتمع المدنى والمنظمات الأهلية فى التعامل مع الرأى العام العالمي إزاء ظاهرة «الإسلاموفوبيا» بتوفير معلومات تتطابق مع الواقع ونشر ثقافة الحوار وإحترام الرأى ونبذ ممارسات الإقصاء والتهميش ضد أي مجموعة عرقية أو دينية.
وينبغي العمل على توظيف وسائل التواصل الإجتماعى والأدوات التكنولوجية المعاصرة فى رصد ومكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا والعمل الميدانى على تغيير الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين، بالإندماج الكامل للمسلمين فى المجتمعات التى يتعايشون بها والعمل على تغيير سلوكياتهم لتتوافق مع قيم تلك المجتمعات بما لا يخل بالثوابت الإسلامية.
وفى النهاية، يجب التأكيد على أن ظاهرة الإسلاموفوبيا هى ظاهرة سياسية عالمية فى المقام الأول من حيث دوافعها وأهدافها الكبرى، ونظراً لتطورات عصر التكنولوجيا والمعلوماتية، فلقد أصبح تفادى تلك الظاهرة يحتاج إلى حلول جذرية عالمية تشارك فى صنعها وممارستها الحكومات ومنظمات المجتمع المدنى فى تناغم وتكامل، تعكس الشعور بالمسؤولية أمام مصير البشرية حاضرها ومستقبلها معاً وللحفاظ على السلم والأمن العالمي.