ولد محمد شحرور في دمشق 1938م، وسافر إلى الاتحاد السوفيتي (سابقا) ليتابع دراسته في الهندسة المدنية وتخرج بدرجة دبلوم عام 1964 م من جامعة موسكو ثم الماجستير عام 1970م، ثم الدكتوراه عام 1972 من إيرلندا، ثم عين مدرسا في كلية الهندسة في دمشق واستمر محاضرا بها حتى عام 1998م.
اهتم بالقضايا الفكرية وشؤونها بعد ذلك وأصدر عددا من الكتب منها: (الدين والسلطة قراءة للحاكمية /الكتاب والقرآن /النبأ العظيم قراءة معاصرة في التنزيل الحكيم /الإسلام والإيمان منظومة القيم /تجفيف منابع الإرهاب /نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي /القصص القرآني).
وهو من المفكرين الذين ينحازون إلى منهج التأويل في قراءة النص الديني سواء أكان قرآنيا كريما أو حديثا نبويا شريفا.
والمسلك التأويلي مسلك ليس غريبا على علماء المسلمين الذين يؤولون النص ابتغاء فهم معانيه ومقاصده، اعتمادا على قواعد اللغة الثابتة التي تعارف عليها الناس جميعا كذلك بلاغتها، ولكن ماذا يعني التأويل عند محمد شحرور وغيره ممن ينتهجون نهجه؟
يذهب الدكتور عبد المجيد النجار إلى أنهم يتجاوزون ذلك إلى إهدار تلك الدلالة أصلا في مجال ما هو قطعي يقيني فإذا بالنص الديني قرآنا وحديثا لا يتحصل منه معنى مستقر وإنما يصبح عند هؤلاء حمالا لما يحملونه هم من المعاني السابقة عن قراءتهم الناشئة من معتقداتهم أو من أهوائهم او جهلهم).
ومن خلال كتابات «شحرور»، وبخاصة كتابيه (نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي) و(والكتاب والقرآن قراءة معاصرة).. وفي دراسة للدكتور نضال البغدادي عن المضمون الفلسفي عند شحرور يرى أن المضمون الفلسفي عنده يدور حول محاور ثلاثة وهي (الكينونة) و(السيرورة) بالسين و(الصيرورة) بالصاد، وإن شحرورا يركن في أطروحته إلى مصادرتين أساسيتين، المصادرة الأولى: أن شحرورا مؤمن بالدين الإسلامي فهو يعد التنزيل الحكيم (القرآن الكريم) كنص مقروء ومنطوق (قبلية أساسية) يركن إليها في صياغة نظرته للوجود والمعرفة والقيم ومباحث الفلسفة جميعها نجده يصرح بالإيمان بهذه المسلمة.
ويوضح لنا الدكتور نضال البغدادي بأن (القبلي) عموما عند الفلاسفة هو الاستدلال المبنى على قواعد العقل لا غير.. وفي هذا السياق وضع القديس (أنسلم) الدليل الانطولوجي على وجود الله، وأخذ به ديكارت وخلاصته: أن وجود الله لازم عن ذاته و(لا مثيل القبلي) هو (البعدي) وهو الاستدلال المأخوذ من التجربة.
إلا أن الدكتور نضال يرى أن مصادرة الإيمان بوجود الله (ميتا قبلية)، لأنه لا يعتقد ان دليلا عقليا سيكون كافيا لإثبات هذا الوجود إطلاقا من منظوره للقصور الذاتي في العقل والتجربة على حد سواء.
أما المصادرة الثانية هي المرجعية البعدية التي ركن إليها فهي متعلقة بنظرية اللغة من حيث النشأة والتوظيف فقد تبني المنهج التاريخي العلمي في الدراسة اللغوية الذي جمع فيه بين نظرية (ابن جني) القائلة بالوصف التطوري لبنية الكلمة الآخذة عامل الزمن بالاعتبار أي أن اللغة لم تنشأ دفعة واحدة.. وبين نظرية (الجرجاني) القائلة بارتباط اللغة بالتفكير باعتبارها ظاهرة اجتماعية نمت بنمو الوعي.
ويرى شحرور أنهما (نظريتان متتامتان) وقد خلص من ذلك إلى القواعد الآتية: أولا- التلازم بين اللغة والفكر من حيث النشأة والتطور التدريجي وليس طفرة واحدة.
ثانيا- التلازم بين اللغة نطقا وتفكيرا ووظيفة الإبلاغ، ثالثا: إنكار الترادف بين مفردات اللغة إنكارا تاما.
وقد صاغ شحرور مايسمى ب (نموذج التشكيل الثلاثي) من الأفعال (كان /سار/صار) ويريد شحرور بذلك كما يرى الدكتور نضال البغدادي، إن الوجود له بداية في التكوين (الكينونة) وهذه الكينونة تتحرك خلال الزمن (السيرورة) وبفعل تلك الحركة تحدث التحولات أو التطورات (الصيرورة) بمعنى أننا صرنا على ما نحن عليه الآن بفعل (صيرورة) الكينونة خلال (السيرورة).
ويرى شحرور أن الوجود المادي للكون يتمثل في صيغة ( الكينونة والسيرورة والصيرورة).. وفكرته تنطلق من توظيفه لنظرية الانفجار الكوني العظيم.
كما يرى أن نشأة هذا الكون ملازمة لغائيته، والغائية الكونية تكمن في قانون (النفي ونفى النفي)، كما يرى أن لفظة (بشر) تدل على الحالة (الفزيولوجية) فقط، فآدم كان بشرا وليس إنسانا شأنه شأن أي حيوان آخر ولكن بعد أن (نفخ) فيه من روحه وهي (نفخة الوعي)، (أنسنه)، فتحول إلى (إنسان).
ويرى أن عالم (الآخر) وتحديدا الجنة والنار ، تندمج في كل منهما كينونة المادة بصيرورتها دون سيرورة (أي دون حركة زمن، ويفقد الزمن تأثيره المعروف ومعناه يصبح للوجود أشكال وقوانين ثابتة لا تتغير ولا تتطور ولا يطالها مايسميه (قانون الهلاك) حيث الديمومة والخلود.
ويعتقد شحرور بأنه لايمكن أن نفهم (الله) إلا بالكينونة والسيرورة والصيرورة في هذا العالم وفي أنفسنا.. كما يرى أن كل الموجودات بظواهرها وقوانينها وعلاقاتها كانت في (علم الله) (دالات دون مدلولات) وعند الخلق وبعده بدأت (الدالات) تأخذ (مدلولاتها الوجودية) وأن هناك (الوجود الحق) و(الوجود بالحق) إذ الوجود الحق هو وجود الشيء في ذاته وبذاته فقط وليس هذا الوجود إلا (الله تعالى).
أما الوجود بالحق، فهو وجود الموجودات التي تستمد وجودها من (موجد لها).. ويذهب إلى أن الوجود الإنساني هو نواة الكينونة للمجتمع والسيرورة عنده هو التاريخ وليس الزمن لأن الزمن (موجود موضوعي) خارج إرادتنا أما التاريخ فهو وعي هذا الوجود الموضوعي للزمن أما الصيرورة فهي التطور.
وبناء عليه، فإن شحرور يرى أن المجتمعات العربية من حيث بعد الكينونة موجودة فعلا، ومن حيث بعد السيرورة ما زالت موجودة تاريخيا، أما من حيث الصيرورة فمفقودة ومعنى ذلك أنها أصبحت بثقافاتها المختلفة مجتمعات ضعيفة وذليلة تستمد قواها من حيث الصيرورة العلمية والتكنولوجية والعلوم الإنسانية من مراكز تطور الحضارات الأخرى.
كما يرى أن (التنزيل الحكيم)، كينونة في ذاته، وسيرورة وصيرورة لغيره بمعنى (ثبات النص) و (حركة المحتوى)، إذ الأصل في الفهم والتدبر انه متعلق بوعي الإنسان.