ملفاتمميز

حدثان تاريخيان عظيمان شهدهما هذا الشهر .. المولد النبوي الشريف ونصر أكتوبر

شارع الصحافة/ كتب- علي الحاروني:

يتوافق ويتعانق خلال شهر أكتوبر 2022م حدثان تاريخيان كبيران كان ولا يزال لكل منهما عظيم المكانة وبالغ الأثر علي كل المستويات.

أولا- ميلاد خير الأنام وسيد الوجود سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم:
والذي ولد يوم الاثنين الموافق الثاني عشر من شهر ربيع الأول وكان ميلاده إيذاناً بزوال الظلمة والظلم وحلول النور والعدل وببعثته صلي الله عليه وسلم كان إيذاناً بميلاد مبدأ الكرامة الإنسانية والذي يقوم علي احترام وتكريم الإنسان بغض النظر عن لونه وديانته حيث رأيناه صلي الله عليه وسلم يُحرم استعباد الإنسان واسترقاقه ويقرر له الحقوق التي تحفظ كرامته وإنسانيته وحياة آمنة كريمة مستقرة حيث قال صلي الله عليه وسلم مخاطباً الناس في خطبة الوداع:
(إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) (رواه مسلم).


كما أقر صلي الله علي وسلم للإنسان حقه في كافة الحريات الممكنة وعلي رأسها حرية الاعتقاد وحقه في التفكير وإعمال العقل وإبداء الرأي وحقه في التعلم وفي العمل وبما يفوق حد الكفاف إلي الكفاية والكرامة فإن عجز عن العمل كفلته الدولة وأمنت له الحياة الكريمة من خلال مواردها وآلياتها الاجتماعية وقال صلي الله عليه وسلم – في شأن الحث علي التكافل الاجتماعي: (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلي جنبه وهو يعلم به (رواه الطبرائي).

كما أقر صلي الله عليه وسلم للإنسان حقه في المساواة الإنسانية وحارب النزعة العنصرية البغيضة فكان بحق نعمة وهداه ورسولاً للبشرية جمعاء, صلوات ربي وتسليماته عليك سيدي يا رسول الله.

ثانيا- نصر أكتوبر ودروس للمستقبل في إدارة الأزمات الدولية والاقتصادية:
لقد كانت وما زالت ملحمة حرب أكتوبر أروع البطولات وأصدق المواقف والتضحيات وخير مثال علي الإيمان بالله والتوكل عليه والثقة في النصر وصدق الإرادة وتمام الإعداد والاستعداد والأخذ بالأسباب في العدد والعدة والتدريب والتخطيط ولذلك ينبغي أو نستلهم من حرب أكتوبر الدروس المستقبلية في كافة المجالات ونتغلب علي كافة التحديات لتحقيق التنمية الشاملة وذلك بالإيمان القوي برب البرية وتماسك جبهتنا الداخلية وقوة وحدتنا الوطنية ومنح الفرصة للكفاءات المجتمعية وبث الجهود علي كافة الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية.

هناك عديد الدروس المستفادة من حرب أكتوبر والتي يمكن الاستفادة منها في تحسين حاضرنا ومستقبلنا ومنها:
 استيعاب أخطاء الماضي لتحسين صورة المستقبل وهو ما تجلي في العبقرية المصرية التي استوعبت دروس هزيمة 1967م وإجراء إعداد سياسي واقتصادي وعسكري كامل وإعداد البنية الأساسية للأرض لتلبية متطلبات الحرب والمشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات وتنفيذها من سياسيين وعسكريين ورجال استراتيجيين .
 استخدام كل الأسلحة السياسية والاقتصادية وغيرها للدفاع عن الأمن القومي العربي والمصري ومن أهم الأمثلة علي ذلك سلاح البترول والذي دخل لأول مرة في تاريخ الصراعات الدولية ومما عزز من القدرة المصرية في الحرب وفي القدرة التفاوضية بعد الحرب وكان واحداً من العوامل التي حفزت الولايات المتحدة الأمريكية علي سرعة التحرك لدرجة أن من بين المطالب الأولي التي حملها كيسنجر في أول رحلة له إلي مصر في أعقاب حرب أكتوبر 1973م وبتكليف من الرئيس نيكسون , طلب أن يبذل الرئيس السادات مساعيه الحميدة لإنهاء المقاطعة البترولية . وقد كان للتماسك العربي ثمار أهلته لاستخدام سلاح البترول ضد الولايات المتحدة وأثبت للعالم أن العرب قوة لا يستهان بها في ميزان القوة العالمي.

وعلي المستوي الحديث نجد سلاح الغاز تم استخدامه من قبل روسيا في حربها مع أوكرانيا ولكن شتان بينه وبي سلاح البترول في حرب أكتوبر 1973م يأتي علي رأسها أن الدول العربية فاجأت الغرب والولايات المتحدة باستخدام سلاح البترول وقطعت الإمدادات فوراً دون سابق إنذار عن الدول التي تتبني وجهة نظر إسرائيل أو تدعمها لذلك كان تأثيره فعالاً لصالح الدول العربية علي حين أن القرار الروسي بقطع إمدادات الغاز الروسي جاء متوقعاً وسبقه تخفيض الإمدادات وهو ما أعطي الفرصة للدول الأوروبية للبحث عن البدائل بل باتت روسيا تبحث عن عملاء لها في الصين والهند للترويج للغاز الروسي.

وعلي الرغم من أن الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط والغاز في العالم إلا أنها لم تتمكن من السيطرة علي ارتفاع أسعار الطاقة مع تزايد الطلبات بسرعة أكبر من زيادة الإنتاج ولجأت أمريكا إلي دول الخليج لتعويض نقص إمدادات الغاز الروسي لأوروبا وفي نفس الوقت حث دول الأوبك لرفع سقف إنتاجها من البترول للحد من الارتفاع في أسعار الوقود.
– لقد كانت حرب أكتوبر اختباراً حتمياً يفرض ضرورته لاستعادة الأراضي المحتلة وباستعادتها بتجلي المعدن الحقيقي لعبقرية الجيش المصري والذي تجلت في أساليب التخطيط والتنفيذ والحشد والتنسيق في مجال الخطة الاستراتيجية التي أديرت بها الحرب والتغلب علي المعوقات حيث مشكلة فتح الثغرات في الساتر الترابي وإعداد وتسليح المشاه المترجلين وأجهزة الرؤية الليلية وسلالم الحبال.
– كانت عملية التخطيط السياسي العسكري أهمية كبيرة فى منظومة التخطيط القومي للدولة لأنها معنية برسم سياسة وبناء استراتيجية استخدام القدرة العسكرية والتي تمثل المظلة الحامية لباقي القدرات الشاملة للدولة حيث بنيت علمية التخطيط السياسي العسكري علي أسس سياسية وعسكرية ويتم تنفيذها في إطار عملية تحليل دقيق للبيئة السياسية والعسكرية والإقليمية والدولية وما تحمله من تهديدات ومخاطر وكذلك ما تحمله من فرص متاحة للتعاون السياسي والعسكري, بالإضافة إلي تقديرات استراتيجية دقيقة للمتغيرات السياسية والعسكرية المعاصرة وتأثيرها علي المدي القريب والمتوسط والبعيد.
– وكانت حرب أكتوبر ملحمة مصرية أبهرت العالم في الذكاء والخداع حيث تم توظيف الذكاء المصري ببراعة فائقة في عمليات التخطيط الدقيق لمعركة التحرير التي نفذت في 6 أكتوبر 1973م ومن خلال التقديرات السليمة التي بنيت علي المعلومات الدقيقة والموثقة لأجهزة الاستخبارات المصرية وقوات الاستطلاع التي عملت خلف خطوط العدو لمتابعة كافة أوضاع وأنشطة القوات الإسرائيلية في سيناء والدراسة المتعمقة لنقاط قوة وضعف القوات المعادية واستغلال نقاط الضعف لتحقيق النجاحات المطلوبة في ضوء الإمكانيات الأقل المتوفرة لدي قواتنا.

وأيضاً لعل من أبرز ما حققه الذكاء المصري في خطة الخداع الاستراتيجية المصرية سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً واجتماعياً وإعلامياً أنها نجحت في خداع تقديرات كافة أجهزة الاستخبارات خاصة الإسرائيلية والغربية بما فيها الاستخبارات الأمريكية حيث أكدت جميعها علي عدم قدرة الجانب المصري والعربي علي تنفيذ الملحمة العظيمة التي تحققت بهذا الانتصار والنجاح المبهر.. كما أن الذكاء المصري يكمن أيضاً في التكتيكات وأساليب القتال الجديدة التي نفذتها القوات المصرية في هذه الحرب ما دفع المحللين العسكريين إلي دراستها والاستفادة منها.

ويجب التأكيد علي أن الحديث عن روح أكتوبر يرفعنا إلي ضرورة أن نتذكرها جيلاً بعد جيل ونستلهم روحها لبناء جمهوريتنا الجديدة والتأكيد علي أهمية المشاركة الشعبية من كافة فئات المجتمع عسكريين وسياسيين واقتصاديين ومثقفين وفقهاء قانون ورجال الدين ورجال القطاع الخاص … لحرص الجميع علي التمسك بالجانب الوطني والأخلاقي والشعور بالانتماء والوطنية وخاصة وأن القيادة العسكرية دائماً ما تلعب دوراً كبيراً في تقوية جهاز المناعة للحفاظ علي الوطن من الطمس للهوية والإرهاب.

وفي هذا السياق نحن بحاجة إلي ندوات تثقيفية في المدارس، والجامعات، والإعلام، والفضائيات والمساجد، والكنائس لتوعية الشباب بأهمية دور الجيش في استعادة الكرامة العربية والأمن القومي العربي والمصري مع ضرورة تزكية مناهج التربية الوطنية بمبادئ الانتماء والحس الوطني لتربية أجيال قوية ولديها حس أخلاقي ووطني فعال وتأمينهم ضد الأفكار المتطرفة والإرهاب.

وأخيراً.. فإن ملحمة أكتوبر درس مثالي في مواجهة الأزمات والتخطيط والإعداد الجيد لها والاستفادة من جميع الإمكانيات لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية.

ومن هنا فلا يجب أن نرى جميع المعاهد العسكرية حول العالم اعتبرت الدروس المستفادة من حرب أكتوبر 1973م جزء لا يتجزأ من مناهجها الدراسية في دورات قادة السرايا والكتائب والألوية وكليات أركان الحرب الدفاع الوطني.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى