ملفاتمميز

الطفل العربي في مرمى الأفلام ومسلسلات الرسوم المتحركة !!

شارع الصحافة/ إعداد- علي الحاروني:

 من سمات عصرنا الراهن- وهو عصر التكنولوجيا الرقمية- أنه عصر الصورة مما يعنى هيمنة الصورة وسيادتها لتكون أحد أهم وسائل المعرفة والثقافة والاقتصاد والإعلام.. ومن هنا كانت الرسوم المتحركة والأفلام والتى هي عبارة عن مجموعة من الصور أو الرسوم لها أثر كبير فى شخصيه الطفل لما تقوم به من بث ونقل المعلومات والمفاهيم والقيم بصورة تدريجية ومرتبة وقصصية إضافة إلى أنها تجمع بين الصوت والحركة والألوان والمثيرات البصرية، الصوتية والحركية، لجذب إنتباه الطفل وحواسة بلغة بسيطة يفهمها الطفل تحاول من خلاله نقل المعلومة أو الفكرة أو القيمة.

 وهذا ما أكدته أحدث الدراسات التربوية من أن قوة تأثير أفلام الكارتون على الطفل ومنها دراسة أوضحت أنه من بين كل عشرة آلاف طفل هناك خمس آلاف يقومون بتقمص شخصيات الكرتون ويكون هؤلاء من أسر لا تهتم بأبنائهم ولا تحرص على متابعتهم حول ما يشاهدونه كوسيلة جيده لإكسابهم المعلومة الصحيحة.

    وعلى ضوء كل ذلك نحاول إستقراء واقع الطفل العربي ومدي إقباله على أفلام الرسوم المتحركة، وإيجابيات وسلبيات الرسوم المتحركة على الطفل ، وآليات وسبل تطويع وتهذيب الرسوم المتحركة لتكون أداة قوية وفعالة لتنمية المعارف والمواهب والتعليم والتربية … هذا ما سوف نقوم بتحليلة عبر ثلاثة مباحث رئيسة:

أولاً- استقراء واقع الطفل العربي والرسوم المتحركة:

هناك عديد الدراسات الدولية وبخاصة دراسات منظمة اليونسكو التى أكدت على أن الوطن العربي يستهلك من أفلام الكرتون 90% وتروج لها الفضائيات العربية وشركات الملابس لما تدره من أرباح خيالية تصل لملايين الدولارات وأن الطفل العربي ما أن يبلغ (12 عاماً) حتي يمضى أمام التلفاز

ما يقرب من 22 ألف ساعة بينما يقضي فى غرفة الدراسة حوالى 14 ألف ساعة.. كما أظهرت الدراسات أن مشاهد العنف في برامج الأطفال تتراوح ما بين 50% إلى 60% أكثر عنها في برامج الكبار.

وفي أحدث الإحصائيات العالمية عن الأفلام التى تعرض على الأطفال عالميا وجد أن 29.6% منها تناول موضوعات جنسية، وأن 27% منهم يدور حول العنف والجريمة والمعارك والقتال وأن 15% منها يدور حول الحب بمعناه الشهواني وهذه الدراسات تدق ناقوس الخطر في العالم العربي وتدفعنا إلى التفكير حول كيفية التعامل مع أفلام ومسلسلات الكرتون وتعظيم إيجابيتها وتلافي سلبياتها لحماية الطفل وضمان سلامة الأفكار والمعلومات المنقولة إليه.

ثانياً- إيجابيات وسلبيات تأثير الرسوم المتحركة على الطفل العربي:

على الرغم من وجود بعض الإيجابيات للرسوم المتحركة حيث أنها مصدر للتسلية للأطفال وتزودهم بالمعلومات وتساعد على تنمية أفكارهم ومواهبهم وزيادة النمو اللغوي والإجتماعي والوجداني للطفل وذلك مثل أعمال الأطفال الدينية والتي خلقت نوعاً من الهدوء النسبي للأطفال وإكسابهم معلومات عن الرسل والصحابة والشخصيات الدينية.

 إلا أن سلبيات الرسوم المتحركة تفوق إيجابياتها ويتمثل ذلك فى أن الرسوم المتحركة هى فى الأساس تقوم على عالم إفتراضي غير واقعى وبالتالي فمعظم أحداثها غير منطقية ومن هنا قد تكون أحداثها منافية للأخلاق والقيم. إضافة إلى أنها تؤدي إلى عدم إحساس الطفل بالوقت بسبب جلوسة لفترات طويلة لمشاهدة الرسوم أو الأفلام الكرتونية.

 كما أن الرسوم المتحركة قد تحث على العنف وتروج للعبثية وغياب الهدف، علاوة على أنها تعمل على تحريف القدوة وذلك بإحلال القادة الأسطوريين محل القدوة بدلاً من الأئمة المصلحين والقادة فنجد الأطفال يقلدون Super man أو الجل الخارق والرجل الوطواط والرجل العنكبوت ونحو ذلك من الشخصيات الوهمية التي لا وجود لها فتضيع القدوة.

وتؤدي مشاهدة الأطفال للرسوم المتحركة العنيفة إلى تعرضهم للتوتر والقلق المستمر والشعور بالعدوانية والرغبة فى العصيان ، هذا مع تعلم ثقافات مختلفة لأن معظم أفلام الكرتون هي فى الأصل أعمال أجنبية تم تعريبها وهي ثقافات تتنافي مع ثقافات العربية.

وتفرز أفلام الكرتون السلوكيات المنحرفة كالعصيان أمام الآباء والمعلمين والسلوكيات الغير إجتماعية وإضرابات فى النوم لإحتوائها على سلوكيات عدوانية ومشاهد مرعبة والتعرض لمشاكل صحية حيث أن أغلب الأطفال يشاهدون أفلام الكرتون أثناء تناول الطعام وهذا قد يتسبب فى السمنة ومشاكل فى الرؤية أو العمود الفقري نتيجة الجلوس أطول فترة ممكنة لمشاهدة أفلام الكرتون.

ويعيش أغلب الأطفال الشخصيات الكرتونية ويتعلقون بها ويرغبون فى تقليدها وهذه الشخصيات خيالية وعدوانية وبها العديد من القدرات الخارقة كالطيران أو القفز من الأماكن المرتفعة وهذا يعتبر أخطر أثر سلبي على الأطفال حيث يتخذ الأطفال هذه الشخصيات قدوة لهم ما يهدد سلامة النمو الجسدى والنفسي للأطفال وهذا ما أكدته دراسة أمريكية أجرتها جامعة بيرغمام يانغ الأمريكية أن السلوك الإجتماعي والجسدي للأطفال أصبح عنيفاً بسبب أفلام ومسلسلات الكرتون الخارقين على غرار سبايدرمان وباتمان وسوبرمان وأكبر مثال على تقليدها وتأثيرها ترديد الأطفال للألفاظ والعبارات والحركات والأحداث التى تصور شخصيات خيالية وتقليدهم فى سلوكياتهم.

ثالثاً- سبل مواجهة الآثار السلبية لمشاهدة أفلام ومسلسلات الكرتون على الطفل العربي:

هناك حاجة ماسة للقيام بالعديد من الإجراءات والتدابير من قبل الأسر والمؤسسات والدول فى العالم العربي للإستفادة من أفلام الكرتون والحد من آثارها ومن أهم تلك الإجراءات دعم وتشجيع صناعة أفلام وبرامج ومسلسلات الرسوم المتحركة المنتجة عربياً والتى تعكس ثقافتنا العربية وقيمنا الدينية وتقاليدنا وعاداتنا، مع قيام الأسرة بانتقاء الأفلام التي يشاهدها الطفل عبر التليفزيون وتحديد أوقات المشاهدة ومناقشة الطفل حول محتوي البرامج وتدريبه على الجلوس بشكل صحي للمشاهدة وتنبيه الأطفال إلى حقيقة الأفلام الخيالية ومراجعة سلوكياتهم لتصحيح أي انحراف بها وتقويمها ومساعدتهم على إختيار الأصدقاء الصالحين بأنفسهم والحرص على اختيار الأفلام التي تتسم ببعض الواقعية وتحتوي على بعض المواد التثقيفية.

 وهنا يأتي دور الدولة فى تبنى مشاريع إنتاج مواد كرتونية ذات جودة عالية وبعد دينى وقيمى وأخلاقى وفيها إبهار وتشويق وتسلية وأخلاق، مع تفعيل دور المؤسسات الإعلامية ودعمها من أجل إنتاج برامج تلبي إحتياجات الطفل الثقافية والعلمية والإجتماعية والعمل على إنشاء قنوات عربية متخصصة للأطفال لإنتاج الرسوم المتحركة والأفلام الموجهة للأطفال والمراهقين التى تعكس الحياة المعاصرة التى تتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا.

هذا مع الإكثار من الأنشطة الجماعية والألعاب الحركية التى يحبها الأطفال ويتمتعون بأدائها فى تجمعات الأطفال وفى لقاءاتهم وحيث المربيين والأدباء العرب للتعاون مع مصممى أفلام الرسوم المتحركة لإنتاج برامج رسوم متحركة مناسبة لطفل الروضة والقيم والمعتقدات العربية، مع حرص الآباء والمربيين على الجلوس مع أبنائهم وتبادل الحوار معهم لأكبر وقت ممكن ومتابعة سلوكياتهم وتقويم الخاطئ منها بدلاً من ترك الطفل فريسة لبرامج ومسلسلات تمسخ هويتنا العربية والإسلامية.

وفي النهاية يجب التأكيد على أن الأخطار التي تحيط بأطفالنا لاتقتصر على برامج وأفلام الكرتون فهناك أخطار جديدة وعديدة أحدقت بهم وينبغي التنبيه لها والحذر منها فشبكات التواصل الاجتماعي مليئة بالتطبيقات التى تقدم البرامج المرئية والمسموعة مثل (قنوات اليوتيوب) وهذا الأمر يحتاج إلى مراقبة وتقنين قانوني لتهذيب تلك المواقع والقنوات التى تبث السموم الفكرية والأخلاقية والثقافية والإجتماعية لأطفالنا، مع إيجاد البدائل المناسبة والمفيدة لأطفالنا ومناسبة لأعمارهم ومهاراتهم وتقاليدهم وقدراتهم نشاركهم فيها ونزرع فيهم الوعي الذين يميزون فيه الخبيث من الطيب الذي تحتوية هذه البرامج ونعودهم على ممارسة مكارم الأخلاق والفضائل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى