ملفاتمميز

الجامعات العربية على هامش التصنيفات العالمية..  دراسة لرصد الواقع والأسباب والآمال

شارع الصحافة/ بقلم: علي الحاروني:

لقد أكدت معظم التقارير الدولية والدراسات بأن معظم جامعاتنا العربية خارج التصنيفات العالمية أو دخولها في تلك التصنيفات علي الأقل دخولاً شرفياً ورمزياً، علي الرغم من أهميتها ومردودها الإقتصادي والمالي والعلمي والثقافي عالمياً.

– ومن هنا فإن علينا أن نصارح أنفسنا ونتحلي بالشجاعة الأكاديمية وندخل سباق التصنيفات العالمية بتحد ومنافسة ومن باب الكفاءة والجودة لجامعاتنا العربية لتصبح شريكاً فاعلاً في مواجهة التحديات وتحقيق آمال وطموحات التنمية.

وهنا  يثور التسـاؤل حول مدي أهمية التصنيفات العالمية للجامعات وتأثيرها علي الجامعات العربية ؟ ولماذا أغلب الجامعات العربية خارج التصنيفات العالمية للجامعات ؟ وما هي سبل الإرتقاء بمستويات الجامعات العربية في المستقبل القريب؟!

 هذا ما سنحاول التطرق إليه والإجابة عليه عبر ثلاثة محاور رئيسة هي:

أولاً- أهمية التصنيفات العالمية للجامعات وتأثيرها علي الجامعات العربية:

التصنيف العالمي ما هو إلا عملية تقييم لمؤسسات التعليم العالي من خلال عدة معايير وترتيبها في قائمة تصاعدية حسب أدائها سواء من حيث المستوي المؤسسي أو البرامجي … وذلك لزيادة مساهمتها في عملية التنمية خاصة في ظل التحديات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية التي يواجهها العالم فالتنافسية هي الدافع الأساسي لإقتحام مجال التصنيف والعمل على إثبات إسم الجامعة والحرص علي تحسين ترتيبها باستمرار والمحافظة عليه وذلك من خلال منهجية العمل علي صناعة تحول مؤسسي وبرامجي عميق داخل المؤسسة يشمل مراجعة شاملة للسياسات لدعم أعضاء هيئة التدريس والطلبة وتطوير البرامج الأكاديمية وتحسين البنية التحتية للبحث العلمي والمعامل والمختبرات وبناء شراكات أكاديمية استراتيجية مع مؤسسات علمية عريقة لنقل الخبرة وتحسين الكفاءات بما ينعكس في التصنيفات العالمية بصورة تحسن تدريجي في ترتيب الجامعة وتقدمها في القوائم بإستدامة ومما يؤهلها للمنافسة علي كافة المستويات المحلية والدولية.

– وفي هذا السياق، يجب التأكيد على أن وصول أي جامعة عربية إلي مصاف الجامعات المتقدمة في التصنيف العالمي يجعل هذه الجامعة هدفاً من أهداف مؤسسات الإقتصاد العالمية لعقد شراكات وإتفاقات إقتصادية ذات عائد إقتصادي علي الجامعة وعلي الشركة المبرمة للاتفاق.

– وبصفة عامة يمكن القول بأن التصنيفات العالمية لها أهمية بالغة للجامعات العربية لكونها مؤشراً يعبر عن مواقعها بين مثيلاتها العالمية ووفقاً للمعايير التي بنيت عليها هذه التصنيفات وهو ما جعل الجامعات العربية تستشهد بتصنيفات من الصين وأوروبا وأمريكا وأبرزها تصنيف شنغهاي الصيني والتصنيف التايواني والأسباني والأسترالي والأمريكي …. والذي يساعدها في الحصول علي تمويل للمشروعات البحثية وزيادة الدعم المادي من جهات متعددة تبعاً لكفاءتها وسمعتها عالمياً.

إضافة إلي أن التصنيفات العالمية سوف يساعدها على تنشيط الإبداع والإبتكار وذلك لتنمية المجتمع كما أنها تساعد علي إتخاذ الطلاب للقرار المناسب في دراسة التخصص المفضل في أحسن الجامعات دولياً، كما يحفز التصنيف العالمي أعضاء هيئة التدريس علي المزيد من البحث العلمي المتميز ويوفر فرصة كبيرة للإدارة الجامعية في تقييم ذاتها وتصميم مسار عملها وفقاً لمعايير تنافسية عالمية ، مع الإستفادة من تجارب عالمية في ذلك.

-وتجدر الإشارة إلي أن من أشهر التصنيفات العالمية تصنيف كيو إس وتصنيف التايمز وشنغهاي والتي تعتمد علي مؤشرات ومعايير محددة لتقييم الجامعات متمثلة في السمعة الأكاديمية وسمعة صاحب العمل ونسبة أعضاء هيئة التدريس إلي الطلاب وشبكة البحث الدولية وعدد البحوث المنشورة ونسبة الطلبة الأجانب وتأثير الجامعة علي الويب والإقتباسات العلمية.

ثانياً- لماذا الجامعات العربية خارج التصنيفات العالمية ؟

هناك العديد من المعوقات التي جعلت الجامعات العربية تكون في آخر المراتب والمراكز في التصنيفات العالمية للجامعات مثل تصنيف شنغهاي وكيو إس وتايمز وغيرها ومن أهمها أن هناك صعوبات جمة تعوق العملية التعليمية والنشاطات البحثية فيها إما بسبب ضعف الموارد المادية أو البشرية أو كليهما ، مع نقص الكوادر المؤهلة للعمل علي مشاريع تطويرها وضعف المساهمة في بناء مجتمع معرفي يشارك في إيجاد حلول علمية وعملية مناسبة للمشكلات التي تعاني منها المجتمعات العربية.

– ويُضاف إلى ذلك، ضعف الطاقة الإستيعابية وتزايد الطلب الإجتماعي علي الجامعات العربية وقصور الرؤي الإستراتيجية للقيادات الجامعية وضعف الإنفاق علي البحث العلمي وتراجع مستوي البرامج التعليمية وتقادمها وضعف مخرجات الجامعات المتمثلة في الأعداد الهائلة من الخريجين غير الملائمين لمستجدات وتحديات العصر.

– وبصفة عامة فإن ضعف الموارد المادية والبشرية في جامعاتنا العربية هي التي تعيق سير العملية التعليمية والعلمية والبحثية بها، هذا مع غياب المعايير التي يتم بناء تصنيف الجامعات عالمياً في جامعاتنا العربية وعدم قابليتها للتحقيق علي أرض الواقع حيث عدم التناسب بين أعداد الطلبة الدارسين في الجامعات وأعداد أعضاء هيئة التدريس العاملين فيها ومحدودية الإنتاج العلمي وغياب المصداقية العلمية.

– ومن أهم عوامل تأخر ترتيب الجامعات العربية في قوائم التصنيفات العالمية والتي جعلتها بعيدة عن أفضل 100 جامعة علي مستوى العالم .. إنفصال البحوث العلمية الجامعية عن مشكلات الإنتاج والتركيز علي العمل الأكاديمي وإغفال وظيفة البحث وإنتاج المعرفة الجديدة الملاحقة للتكنولوجيا المتقدمة وغياب دور القطاع الخاص في دعم البحث العلمي الجامعي وتأثير الأوضاع السياسية والإقتصادية في المنطقة العربية علي أوضاع ومكانة الجامعات العربية عالمياً.

ثالثاً- برامج وآليات لتحسين مستوي التصنيف العالمي للجامعات العربية:

في البداية لا بد من العمل علي زيادة الحوافز المقدمة لمن يقومون بنشر بحوثهم العلمية في المجلات العلمية المصنفة عالمياً أو تأليف كتاب في دور نشر عالمية أو يقومون بتسجيل براءات اختراع عالمية ، مع مواكبة موقع الجامعة لتقنيات البحث في المحركات العالمية وإدراج موقع الجامعة في أدلة البحث العالمية بمختلف تصنيفاتها ، مع تفعيل صفحات أعضاء هيئة التدريس في المواقع الاكاديمية وفتح المجال أمام الموظفين الإداريين بإنشاء مواقع إدارية.

–   ويجب التوسع في نشر المقررات الإلكترونية عبر مواقع الإنترنت وإنشاء قواعد بيانات محلية وعربية في كل تخصص من التخصصات وإتاحة برامج التعليم عن بعد من خلال شبكة الإنترنت مما يحسن ترتيب الجامعات في التصنيفات العالمية.

–       كذلك لا بد من التوسع في الإنفاق علي التعليم الجامعي وتحسين البنية التحتية وإنشاء الجامعات، وإتاحة الرسائل العلمية والمجلات والدوريات العلمية عن طريق نشرها علي المواقع الإلكترونية، مع إقامة ونشر المؤتمرات والندوات العلمية وتشجيع حركة الترجمة للمراجع والمشروعات البحثية الرائدة عالمياً ومنح الأساتذة المكافآت المناسبة في مقابل ذلك وإتاحة إمكانية التفرغ للأساتذة المشاركين في مشروعات بحثية مرموقة علي المستوي المحلي والدولي وإتاحة المزيد من الحوافز لهم.

– ولا بد أن يكون لدينا التصنيف العربي الذي يتوافق أولاً مع المعايير الدولية والذي يراعي ظروف الجامعات العربية خاصة ويسعي إتحاد الجامعات العربية إلي إنشاء أول تصنيف عربي للجامعات العربية يضم حالياً 450 جامعة عربية ليصبح هذا التصنيف عالمياً.

-كما أن الجامعات العربية بحاجة ماسة إلي إثبات وجودها علي المستوي العالمي حتي تدخل سباق التصنيفات العالمية وهذا يتطلب التركيز علي التخصصات البحثية وإستقطاب الجهات الداعمة لتمويل المشاريع الريادية لتحسين بيئتها والرفع من جودة عملياتها وزيادة كفاءة مخرجاتها خدمة لأفرادها ومجتمعاتها المحلية والعربية.

– ولا بديل عن تقديم حوافز ومكافآت مجزية لأعضاء هيئة التدريس لمساعدتهم في نشر أبحاثهم في أوعية نشر مصنفة عالمياً وإيجاد حلقة وصل بين البرامج البحثية والتعليمية بين جامعاتنا العربية والعالمية المناظرة لها وإيجاد قواعد عربية متخصصة للمعلومات والبيانات تتبناها الدول العربية التي تتوافر لديها قدرات مالية وبشرية متخصصة، والتوسع في البنى الرقمية للجامعات العربية وتوفير برامج للتدريب عليها لكل من الطلبة وأعضاء هيئة التدريس.

ويتعين تعزيز الجهود التي يبذلها إتحاد الجامعات العربية لدعم فكرة إصدار تصنيف عربي للجامعات والذي تم الإعلان عنه في عام 2021م ، مع تطوير مواقع الجامعات العربية لتصبح بوابات تفاعلية للأنشطة وإستقطابها لأعضاء التدريس المتميزين عالمياً وعقد الشراكات والاتفاقات مع الجامعات المرموقة عالمياً تشجيع حركة الترجمة من وإلي اللغة العربية للمؤلفات والبحوث وإتاحتها علي مواقع الجامعات العربية.

– وفي النهاية يجب التأكيد على أن التصنيفات العالمية للجامعات العربية ستؤدي إلى رفع المستوي التنافسي العلمي بين الجامعات عالمياً وستصبح أداة فاعلة ومساهمة في تنفيذ خطط وأهداف الدول والحكومات لمواجهة التحديات وبلوغ أماني وأمنيات التنمية بكافة صورها السياسية والاقتصادية والإجتماعية والثقافية وإن كان ذلك يتطلب من صانعي السياسات في دول العالم العربي الإسلامي العمل علي تحقيق قيم الديمقراطية والإستقرار السياسي والأمان الإقتصادي والاجتماعي وترسيخها داخل مجتمعاتهم أولاً قبل الإنتقال إلي إصلاح الجامعات والمؤسسات التعليمية لإحداث نقلة نوعية تعليمية أو حضارية تنموية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى