بصفتها الشريك العلمي في مؤتمر «المشترك الثقافي بين مصر واليمن.. رؤى جديدة للمتون العربية»، قدم معهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية كلمته في بداية كتاب أبحاث المؤتمر (الذي صدر في جزئين من حوالي 1000 صفحة)، وفي هذه الكلمة اعتبر معهد الدراسات والبحوث العربية أن المؤتمر وكتاب أبحاثه إنجازا أكاديميا ثقافيا الذي سوف يشكل -دون شك- إضافة معرفية مهمة وثرية للمكتبة العربية، ويعد لبنة صلبة في مشروع الدراسات البينية للمشتركات الثقافية بين مصر والدول العربية (الذي أسسه الدكتور حاتم الجوهري)، ولقد قام بإلقاء كلمة المعهد في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر د. أحمد سعد عيطة..
وهذه هي الكلمة الكاملة لمعهد البحوث والدراسات العربية التي نشرت في كتاب أبحاث المؤتمر:
ثمرة لتنسيق ثلاثي:
يعد هذا الكتاب ثمرة من ثمار التنسيق العلمي الجاد بين معهد البحوث والدراسات العربية ومشروع المشترك الثقافي العربي (الدراسات الثقافية المقارنة) والسفارة اليمنية بجمهورية مصر العربية، إذ اشتمل على جميع الأبحاث التي أجازتها اللجنة العلمية لمؤتمر (المشترك الثقافي بين مصر واليمن.. رؤى جديدة للمتون العربية) في ثمانية محاور. المحور الأول: المتون العربية.. بين تفكيك التناقضات واستشراف المستقبل- المحور الثاني: المشترك الثقافي العربي بين مصر واليمن ..رؤى وآفاق- المحور الثالث: الأدب الحديث وتجليات المشترك الثقافي بين مصر واليمن- المحور الرابع: أدوار وشخصيات علمية فاعلة بين مصر واليمن- المحور الخامس: الصلات التجارية التاريخية والهجرة بين مصر واليمن- المحور السادس: الأدب الشعبي والقديم وفنونه بين مصر واليمن- المحور السابع: التقاليد والعادات المشتركة بين مصر واليمن- المحور الثامن المعتقد الشعبي وتمثلاته قديما وحديثا بين مصر واليمن.
إضافة معرفية للمكتبة العربية:
إننا في معهد البحوث والدراسات العربية إذ نثمن هذا الإنجاز الأكاديمي الثقافي الذي سوف يشكل -دون شك- إضافة معرفية مهمة وثرية للمكتبة العربية، ونرى فيه لبنة أولى في مشروع الدراسات البينية للمشتركات الثقافية بين مصر والدول العربية، فضلا عن كونه يأتي متسقا مع أهداف معهدنا المتمثلة في تأهيل الكوادر الأكاديمية العربية المتخصصة في مختلف مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية، وتعزيز أواصر العلاقات البينية بين البلدان العربية والبلدان الأخرى، إذ تزخر المجتمعات العربية الراهنة بتراث ثقافي وحضاري مشترك غني، ففي كل بلد عربي يوجد مستودع خصيب للهوية الثقافية العربية المشتركة يتمثل في اللغة والعادات والتقاليد والقيم والمعتقدات والنقوش والآثار والأزياء والأطعمة والرموز وغيرها. كل تلك المقومات تجعل الإنسان العربي في كل قطر يقيم به إنسانا مندمجا ثقافيا لا يشعر بالغربة أو الاغتراب.
المتون العربية وأهميتها:
وحينما ننظر إلى المتون الحضارية العربية اليوم ونحن في الربع الأول القرن الحادي والعشرين نشاهد مدى تاريخيا زاخرا بالمتون الحضارية، إذ تنعم الدول العربية الراهنة بتراث حضاري تليد يشكل نصف حضارات العالم القديم، فها هنا تقع أقدم حضارات الدنيا حضارة وادي النيل مصر والسودان، وفي جنوب البحر الأحمر والجزيرة العربية تقع أرض الجنتين وموطن الملكة بلقيس وبلاد العربية السعيدة وأهل الحكمة والإيمان، ومعقل الحضارات التليدة معين وسبأ وحمير وقتبان وأوسان وحضرموت وبوابة العرب الجنوبية على المحيط الهندي والبحر العربي وخليج عدن وبلاد سام بن نوح وجنات عدن.
وهناك في بلاد الرافدين ازدهرت حضارات على أرض سومر وأكد وبابل واشور وكلدان، وفي الشام ازدهرت حضارات فينيقيا وأمور وكنعان وكيش، وهناك حضارات عدة ازدهرت في المغرب العربي والشمال الإفريقي منها؛ الليبية والفينيقية والقرطاجية والأمازيغية والرومانية وغيرها، إذ يزخر الوطن العربي بتراث حضاري وثقافي غني جدا، ففيه نشأت نصف حضارات العالم القديم المزدهرة على الأقل، من جبال الأوراس إلى النيل والفرات واليمن وشبه الجزيرة العربية وما بينهم. وقد وجدنا أن القواسم المشتركة بين البلدان العربية زاخرة بمقومات وموارد كثيرها منها: الجوار الجيوبوليتيكي، والتجانس اللغوي، والمشترك الديني.
تجاور وتعايش حضاري منذ القدم
وبحسب نظرية الانتشار الثقافي تبادلت غالبية الشعوب والحضارات المتجاورة المعتقدات والمبادئ الدينية الأساسية نفسها، مع وجود بعض الاختلافات التي تعبر عن خصوصية كل حضارة، ففي منطقة الشرق الأوسط انتشرت الأديان السماوية الثلاثة (اليهودية والمسيحية والإسلام) في مراحل تاريخية متعاقبة، وجاء كل دين مكملا للدين الذي سبقه، إذ ظلت العناصر المشتركة حاضرة فيها بصيغة أو بأخرى، ومن أشهر القصص المشتركة بينها، قصة الخلق والتكوين، وآدم وحواء، والصوم، والصلاة، والتعاليم الأخلاقية الأساسية، إضافة إلى ما أتاحته ثورة المعلومات والاتصالات الجديدة، حيث أصبح العالم متاحا للرؤية ومكانا مكشوفا للجميع، حيث تحطمت كل الحواجز والحدود التي كانت في الماضي القريب تفصل بين الشعوب والثقافات والدول.
لقد كان الناس حتى عهد قريب يعيشون، كما لو كانوا في عوالم مختلفة، وقد وجدوا أنفسهم فجأةً جنبا إلى جنب، في ظل عالم شديد التناقض والاضطراب، ففي حين يبدو المشهد التواصلي للعالم ينحو حثيثاً نحو التقارب والتجانس والتناغم والتداخل نلحظه في الوجه الآخر يشهد عمليات مستمرة من الصراع والتنافر والتباعد، إذ إن العمليات المصاحبة للعولمة والتركيبات البنائية الداخلة فيها أكثر تعقيدًا من أن يعبر عنها بالقول ببساطة إنها عمليات لتوحيد العالم أو جعله قرية واحدة. وربما يكون هذا هو التناقض الرئيس الذي أفرزته العولمة وموجاتها الملاحقة في تشكيل صورة العالم الجديد وصورتنا كذلك، فما السبيل لتجاوز تلك اللحظة الخانقة؟ إننا في حاجة ماسة إلى تشكيل وصياغة متون حضارية وثقافية مشتركة وقابلة للتفعيل والتوظيف الإيجابي الفاعل للنهوض من جديد.
تلك الموضوعات وما يتصل بها هي التي تم بحثها في كتاب مؤتمر “المشترك الثقافي بين مصر واليمن؛ رؤى جديدة في المتون الحضارية”.
هيئة المؤتمر ولجنته العلمية
وقد تكونت هيئة المؤتمر العلمية من د.حاتم الجوهري (مصر) رئيسا للمؤتمر ومقررا، ومحررا عاما لكتاب الأبحاث في جزئيه، ود.قاسم المحبشي رئيسا للجنة العلمية (اليمن)، وضمت اللجنة العلمية نخبة من الأكاديميين العرب هم: د.محمد محمود الطناحي (مصر)- د.حمودالعودي (اليمن)- د.محمد الناصر (تونس)- د.حسام الدين درويش (سوريا)- د.خليل عودة (فلسطين)- د.دوللي صراف (لبنان)- د.عمر كامل حسن (العراق)- د.سليمة مسعودي (الجزائر)- د.سعيد القميري (اليمن)- د.عبد الحكيم خليل (مصر)- د.عبد الكريم براهمي (تونس)- د.أريج البدراوي (مصر).
ونحن إذ نقدم هذا الكتاب نثق في أن تقديمه إضافة علمية ثرية للمكتبة العربية، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.