ملفاتمميز

إمام المحدثين: أحمد عمر هاشم .. دعوة للسلام العالمي ومواجهة التطرف

المؤلف: أيمن السيسي

الناشر: نادي أعضاء هيئة التدريس – جامعة الأزهر-2022

عرض وتقديم:

سمير محمد شحاتة

يصف المؤلف أيمن السيسي، الكاتب الصحفي بالأهرام، في كلمته الافتتاحية حيرته، من أين يبدأ الفصل الأول، وهل يكون بتناول طفولته ومنبته الشريف ونباهته ونبوغه المبكر مع جده واجتهاده ومثابرته على طلب العلم وحفظ القرآن الكريم والإبحار في السُنة النبوية الشريفة وحفظ الأحاديث، أم بفصل عنه كإمام المتحدثين وشيخهم في عصرنا هذا، وجهوده في الدعوة وشرح صحيح البخارى، أم بكونه شاعرًا فذاً وأديباً وعضواً في اتحاد الكُتاب، أم خطيباً مفوهاً يسلب العقول ويخطف الألباب مؤثراً في السامعين، أم كعالم جليل من أعظم علماء منارة الدنيا ومؤل الإسلام والمسلمين ورئيسًا لجامعة الأزهر العريقة والتي تُعد أقدم وأكبر جامعة في العالم بها (80 كلية، تضم 500 ألف طالب من شتى بقاع العالم، وما يقرب من 23 ألف من أعضاء هيئة التدريس والإداريين) وأعماله فيها ونجاح إدارته لها على مدى ثماني سنوات، ورحمته وعطفه على طلابها وعلمائها، ومع هذا التحير رأى أن يبدأ بفترة طفولته ومحيطه العائلي الشريف ومنبته الحسن.

يتناول الفصل الأول المعنون “الجو الصوفي الروحي في سيرة الدكتور أحمد عمر هاشم” نشأته في قرية عامرة بالصلحاء الأشراف يتصاعد في سماواتها الشريفة تراتيل القرآن والذكر وأمنيات الأكرمين لأولادهم، فقد وُلد في السادس عشر من فبراير عام 1941 بقرية بنى عامر، التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، وسط مجتمع أزهري متصوف أغلبهم من أهل النسب الشريف، فنشأ نشأة صوفية مباركة، وكانت هذه البيئة عاملاً أساسياً في تكوينه الديني والإنساني والعلمي، وكانت مصر آنذاك تعج بحركة فكرية وفقهية وثورية على يد جيل الرواد من المفكرين والأدباء والمثقفين والثائرين قبل يوليو 1952.

فالعائلة الهامشية التي وُلد فيها كانت مليئة بالعلماء الزاهدين الصالحين وهم كُثُر وكان أكثرهم تأثيراً في د. عمر هاشم هو والده فضيلة الشيخ الزاهد عم هاشم الذي تأثر بأدبه وتقواه وزهده وورعه، فكان والده شيخًا صوفياً يدعو الناس إلى قول الحق والزهد والذكر أناء الليل وأطراف النهار، كما كان يدعو أحباؤه إلى الاتحاد لفعل الخير، وأن يساعد الغني الفقير والقوي الضعيف عملاً بقول رسول الله “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه“، وقوله: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدَّ بعضه بعضا“.

وكان الشيخ عمر – رحمه الله – يعمل دائمًا ويحث من معه باستمرار على إصلاح ذات البين بين الناس. فكان له أتباع وأحباب كثيرون في الله وفي محبة أوليائه الصالحين، وكانوا جميعًا مع اختلاف مدنهم وقراهم ومناصبهم يجتمعون معه لا فرق بين غني وفقير ليس بذي جاه وسلطان، أو من المساكين، يسمعون كلامه الطيب الرطب المحلى بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ذلك لاعتقادهم الجازم في علمه وورعه وتقواه وزهده وحبه لله ولرسوله ولأوليائه الصالحين.

ويشير الفصل الثاني “الدكتور أحمد عمر هاشم وجهوده في تطوير جامعة الأزهر” إلى أن مشواره العلمي بدأ بأن عُين معيدًا بقسم الحديث بكلية أصول الدين – جامعة الأزهر، ثم مدرسًا مساعدًا، ثم مدرسًا، ثم أستاذًا مساعدا، ثم أستاذ بقسم الحديث، ثم رئيسًا لقسم الحديث وعلومه، ثم عميدًا لكلية أصول الدين، ثم نائبًا لرئيس جامعة الأزهر، ثم رئيسًا لجامعة الأزهر الشريف التي تُعد رمزًا في جميع أنحاء العالم، بل أعظم جامعات العالم على الإطلاق، وهذا يدل دلالة واضحة على أن هذا المفكر ذو قدم راسخة في العلم والدين وينال احترام الجميع نظرًا لشخصيته القوية المتميزة والذي يعمل في كل وقت من أجل رفعة العلم وشأن المسلمين في شتى مشارق الأرض ومغاربها.

ولم تكن مصادفة أن يجتمع المئات من أبناء العالم الإسلامي عربًا وأفارقة وآسيويين في صحن الجامع الأزهر الشريف في آخر يوم من عام 2021 ليؤدوا صلاة الجمعة ويستمعوا لخطبة الإمام الدكتور أحمد عمر هاشم وينعموا بعدها بالسلام عليه، فهذا دأبهم خلال وجودهم في مصر، خصوصًا من الدارسين والباحثين.

فقد ذكر فضيلته على منبر الأزهر الشريف في هذه الخطبة التاريخية التى تُبرز منهجه في التسامح وإبراز عظمة الإسلام وسماحته باعتباره دينًا قيمًا يحمل الرحمة لجميع البشر، وأشار إلى أنه لا يليق بالمسلم أن يرد على جاهل وسفيه ينال من الإسلام أو القرآن أو نبيه، نبى الرحمة لأنه خاتم النبيين ورسالته خاتمة الرسالات، وألا نشير بالسلب أو بالانتقاص من دين آخر وأن الوحدة الوطنية بل والإنسانية توجب علينا التراحم فيما بيننا مسلمين ومسيحيين، لأن الإسلام دعانا إلى حب واحترام جميع الأنبياء، وألا نفرق بينهم، وأوصانا بأهل الكتاب بأن نحسن إليهم ونعدل بينهم، وألا نغمضهم حقهم.

كما حذر فضيلته في هذه الخطبة المسلمين من أتباع الغلاة وأصحاب التوجهات المشبوهة الذين يحاولون تشويه دينهم والافتراء على عقيدتهم ويتكلمون في أمر العامة، وذكر قول النبى: “سيأتى عليكم سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه – وفي رواية الرجل السفيه – يتكلم في أمر العامة“.

ويستخدمون من قبل من لا يريد بنا الخير لتقسيم مجتمعاتنا على أساس الدين وأنشأ شعراً غاية في الروعة والجمال ملخصه ما دعانا إليه الإسلام من معاملة طيبة للأقباط، فهم شركاؤنا في الوطن.

وفي الفصل الثالث “سماحة الإسلام والتعايش السلمى”، وجد الباحث في مؤلفات وخطب وأحاديث الدكتور أحمد عمر هاشم، كل ما اشتملت عليه شريعة الإسلام من عدل وسماحة ورعاية الآخر، ووجد بيان فضيلته واضحًا جليًا في الجوانب والقضايا العالمية والإنسانية والاجتماعية، مُركزا في كثير منها على ضرورة وأهمية المواطنة والوحدة الوطنية، والسلام العالمي، والتعايش السلمي.

ويؤكد الشيخ الجليل أن الإسلام جعل التعايش الاجتماعى بين المسلمين وغير المسلمين قائمًا على المعاملة الحسنة، فعند الحوار أو الجدال لابد أن يكون الجدال بالتي هي أحسن حتى تظل جسور التواصل والتعاون قائمة، فقال الله تعالى: “وَلَا تُجَٰدِلُوٓاْ أَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱلَّذِىٓ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَٰحِدٌ وَنَحْنُ لَهُۥ مُسْلِمُونَ(46) العنكبوت، وهي الأصول المتمثلة في البر والعدل والتي ينادي بها شيخنا في خطبه وأحاديثه وكتبه مرددًا قول الله تعالى: “{لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} 8-9 الممتحنة، مشيراً إلى أن الإسلام حدد مهمة الإنسان في الحياة ورسالته فيها، باستخلافه في الأرض وقيامه بتوحيد خالقه ورازقه وعبادته وحده.

إن سماحة الإسلام لتفسح جوانبها، وتمتد ظلال الأمن فيها وارفة فتُجير المُشرك وتؤويه وتكفل له الأمن، وتقدم له الرشد الناجح، والتوجيه السديد بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، كما قال تعالى: “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ”. وهنا يستخدم شيخنا آيات القرآن وأحاديث النبي ليؤكد بهما، وكفي بها تأكيدا، على أن الحوار هو منهج الدعوة وحسن التعامل والمجادلة، هو ما أوجبهما رب العالمين، مستشهداً بالآيات الكريمة: “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” 125 (النحل).

وفي الفصل الرابع “المساواة بين المسلمين في سائر المعاملات” تحدث د. عمر هاشم عن الشواهد التاريخية التي عملت لترسيخ دعائم الوحدة الوطنية من فجر الإسلام، فمنذ الهجرة النبوية كان أول عمل قام به رسوله هو بناء المسجد النبوي لتوثيق الصلة بالله، وكان العمل الثاني هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وكان العمل الثالث وضع الوثيقة التي أبرمها بين المسلمين وغيرهم، وهي صحيفة المدينة التي تعتبر أول وثيقة عرفتها البشرية لحقوق الإنسان، فعاهد غير المسلمين أن يكونوا مع المسلمين يداً واحدة في مواجهة أعدائهم، فأول من أقام نسيج الوحدة الوطنية هو رسول الله  حين أعلن دستور المدينة، وقرر حقوق غير المسلمين كحقوق المسلمين في المواطنة.

الوسطية والسلام والرحمة من أسس عقيدة الإسلام

الأمة الوسط هي التي تشهد على الناس جميعاً، فتقيم بينهم العدل والقسط، وتضع لهم الموازين والقيم. لذا، فقد امتاز الدكتور أحمد عمر هاشم في ممارساته الدعوية والأكاديمية إلى الله تعالى بالوسطية والاعتدال والرحمة تشبعاً من دعوته التي أفنى عمره فيها وأصبح كل شاغله هو الإسلام ووسطيته واعتداله وقيم الرحمة في شريعته عاملاً على نشرهم وبيانهم للناس دون تشويه ولا تعقيد ولا تنفير، ومن ثم كان فضيلته معتدلاً وسطاً في آرائه وأفكاره لا يتعصب ولا يتشدد لأي رأي كان، وذلك حسب ما أراد الله وأقر لأمة الإسلام أن يجعلها أمة وسطية في كل شىء، فلا مغالاة ولا تقصير، فقال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً 143 (البقرة).

يتناول الفصل الخامس “الإسلام .. دين عالمي“، حرمة النفس ونبذ القتل والإرهاب، إلى أن الإسلام هو دين السلام، لا يأمر بالحرب إلا في الضرورة القصوى التي تستدعي الدفاع والجهاد في سبيل الله. ومع مشروعية الجهاد في سبيل الله، دفاعًا عن الدين والعقيدة والأرض والعرض، فإن الحرب في الإسلام لها حدود وضوابط، وللمسلمين أخلاقهم التي يتخلقون بها حتى في حربهم مع من يحاربهم من غير المسلمين. ولما كان في القتل عدوان على النفس بغير حق للنوع الإنساني وإفساد للمجتمع وقضاء على عضو من أعضائه وإهدار لحق الحياة وهو أغلى شىء عليه شرع القصاص زجرًا للناس وجزاء على الاعتداء على النفس، فهو من أعظم الجنايات بعد الشرك بالله، ولهذا كان القصاص ليكف الجاني وتسلم الحياة من العدوان، وصدق الله إذ يقول: “وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون” 17 (البقرة).

ففي الاعتداء على حق “الحياة” تكون العقوبة من جنس الجريمة، ويعتبر الإسلام أو الاعتداء على النفس الإنسانية الواحدة هو اعتداء على الإنسانية بأسرها، يقول الله تعالى: “مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا” 32 (المائدة).

من أجل هذا نجد أن الإسلام قد حرم كل ألوان الاعتداء على حق الحياة بأية صورة وعلى أي وضع كان هذا الاعتداء والظلم، فحرم قتل الأولاد الصغار، وحرم وأد البنات كما كان في الجاهلية، وأنكر عليهم تلك الوحشية الظالمة، ولمرتكب هذا الجرم عقابه في الآخرة من نوع ذنبه وجريمته في الدنيا، فإن قتل نفسه بسمْ أو حديدة أو تردى من جبل فهو على ذلك في النار. لذلك فإن الإسلام يصون حرمة النفس من أن يعتدى عليها بمجرد التهديد والتخويف والترويع دون قتل، يحرم ذلك حيث جاء في الحديث “من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي، وإن كان أخاه لأبيه وأمه“. حتى الذى يقتل نفسه بالانتحار حرم ذلك الإسلام، فإن جزاء القاتل لنفسه قد صوره الرسول في صورة رهيبة تدل على بشاعته.

 ويشرح فضيلة الإمام مفهوم الجهاد والقتال قائلاً، إن توجيهات الإسلام للمسلمين في الحرب: أن يكون القتال في سبيل الله، وألا يكون القتال إلا لمن يقاتلون المسلمين فقد قال الله تعالى: “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين” 190 (البقرة).

وعن “توجهات الإسلام في بناء المجتمع” ونشاطاته وإسهاماته في مجال الدعوة وقضايا المجتمع، فقد حرص الإمام الجليل في الفصل السادس على إثارة قضايا العالم الإسلامي في جميع المحافل الدولية والعالمية، وطرح هذه القضايا بأسلوب علمي قوي ومؤثر، والدعوة إلى إيجاد حل جذرى لمشكلات عالمنا الإسلامى المعاصر.

سطوعه المنبري والإعلامي

شهدت مصر سطوعه المنبري والإعلامي في عقد التسعينات وما بعدها إبان انتشار الإرهاب وانحسار دور الأزهر التوعوي والتوجيهي نتيجة تراجع قيمة “الإمام” الأزهري أو رجل الدين، وهذا التراجع الذي استغلته الجماعات التي تدعي اتباع طريق السلفية بما لديها من فائض مادي تُدفع لهم من هنا وهناك، وفائض بدني من شباب وفتيان ذوي جهد وقوة وقدرة على العمل والتحرك المأمون بأموال الجمعيات المشبوهة ذات الأهداف المشبوهة، فكأن الله شاء أن يعادل الوجود المنبري والدعوة لفضيلة الإمام الدكتور عمر هاشم وجود هذه الجماعات أو كأنه أضحى بديلاً عن الأزهر في مواجهة هذا العبء، وإن كنا لا نبخس حقوق غيره من أمثال الأزهر العظماء الذين شاركوا فضيلته في اللقاءات والندوات العامة ومنها “ندوة الرأي”.

لكنه كان أكثرهم نشاطًا وحضورًا وحظوة وقبولاً – مع الإمام الشعراوي – لدى الشعب لطلاقة لسانه وبشاشة وجهه ووسطية كلماته وتوجهه وسماحته التي بدت في كل خطبه المنبرية والإعلامية وكتاباته في الصحف وأحاديثه التليفزيونية التي أسهمت في مواجهة الإرهاب والتضييق عليه في عقول الشعب.

وأشار الفصل السابع “سيدنا الإمام والمرجفون في المدينة” إلى أن دفاع الإمام عمر هاشم عن السُنة في خطبه لم تقتصر على المنابر ولا كتبه ومقالاته وندواته، وإنما تحت قبة البرلمان عندما كان نائبًا في مجلس الشعب، وهنا وهناك كان قويًا صلبًا في مواقفه قويًا في دفاعه، يملك البرهان في القرآن، ويمتلك الفصاحة والبيان. لكنه خرج عن هدوئه وعبر عن غضبه الشديد من الإساءة للرسول، وتحدث مع الزميل محمد عبد القدوس قائلاً: “هناك تقصير بالغ الخطورة من الأزهر الشريف ومن كل المسئولين عن الهيئات الإسلامية، وأقولها دون خوف أو تردد: أن المسئولين عن الإسلام في أيامنا الحالية آثروا الدنيا على الدين، واهتموا بأموالهم ونفوذهم وصورهم عبر الشاشات والتليفزيون، كما أنهم أظهروا ضعفهم.

مكانة السُنة في الإسلام

يوضح فضيلته مكانة السُنة في الإسلام بقوله: “السُنة هي الأصل الثاني من أصول الإسلام”، أجمع فقهاء المسلمين قديما وحديثًا من لدن الصحابة – رضوان الله عليهم – إلى يومنا هذا إلا من شذ من بعض الطوائف على الاحتجاج بها، واعتبارها المصدر الثاني للدين بعد القرآن الكريم، فيجب اتباعها ويحرم مخالفتها، وقد تضافرت الأدلة القطعية على ذلك، فأوجب الله سبحانه على الناس طاعة رسوله، وبيّن أنه عليه السلام هو المبين لما أنزل من القرآن، وذلك بعد أن عصمه من الخطأ والهوى في كل أمر من الأمور. ومن ثمرات عمل الإمام المتميزة في خدمة السُنة الشريفة “موسوعة الأحاديث النبوية الصحيحة وشرحها”، والتي كانت حلمًا يراوده منذ أن كان طالبًا في السنوات الأولى في الأزهر الشريف.

“أحمد عمر هاشم شاعرًا” عنوان الفصل الثامن الذي يوضح أن شيخنا قد أثرى مكتبة الشعر بخمسة دواوين مهمة وقوية وهي: “نسمات إيمانية، وأصحاب الجنة، وأمة المصطفى، وكونوا مع الله، ومن أنوار النبوة”، هذه الدواوين من أرق الشعر وأعذبه، كانت يمكن أن تجعله من فحول الشعر وأعاظم العصر المعاصر لولا طغيان مكانته العظمى كأستاذ جامعى ورئيس جامعة فذ، وخطيب دعوي لا يُشق له غبار، يملك حنايا القلوب والأسماع، ومُحدث عظيم فاق أقرانه من سدنة الحديث وخُدام السُنة المطهرة في عصرنا المعاصر، ولولا ذلك لكان من مشاهير الشعر العربي، إلا أنه وجه هذا الشعر لخدمة الدعوة، وهناك من الكتابات النقدية والفنية ما خطها النقاد وأساتذة النقد التي تسجل لفضيلته التقدم في مضمار الشعر، وتؤكد إبداعه وتتيه ببعض قصائده، وأهمها قصيدته “البردة الهاشمية” و”الأزهر“.

البردة الهاشمية – النهج والسيرة المحمدية

يذكر إمامنا الشاعر درته الفريدة “البردة الهاشمية” ومناسبة كتابتها، وهو هنا يشير ببساطة شديدة إلى امتزاج طبيعته الشعرية مع حسه الدينى وانفعالاته بزيارة النبي، والبشرى التي زفها إليه من لا يعرفه، فيقول: إلى أن شاء الله لي أن أكتب نهجًا لبُردة الإمام البوصيرى المشهورة، في مديح النبى، ومضت الأيام ولم أكتب شيئًا، وقلت في نفسي لا مجال للكسل وكأن هذا أمر بأن أكتب نهجًا للبردة، فكنا في سفرنا لأداء فريضة الحج، وبدأت كتابة النهج مستوحيًا عبق المشاهد المقدسة، وبدأت في كتابة مطلعها وأنا في الطائرة التي تقلنا إلى المدينة المنورة، وما إن نزلنا المدينة إلا وظهرت تباشير البردة، حيث التقينا على سلم الطائرة عند نزول أحد المسئولين السعوديين، فكان من بركة نهج البردة، فقلت:

لاحت لعيني أنوار بذي سلم                يا حادي الركب أسرعّ بي إلى الحرم

يهفو الفؤاد لخير الخلق قاطبة        ومنبع النور والتوحيد والكــــــــــــــــــــــــــــــــــرم

فحبه في فؤادى قد سرى وجرى             وذكره عاش في قلبي وفوق فمــــــــــــي

وكيف لا وهو هادينا ومنقذنا                من الجهالة والآثام والظلــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم

وكم يشرفني إذ ينتمي نسبي                لأشرف الخلق ضمن الآل والرحــــــــم

وزادني شرفًا أني أكون له                   أو في المحبين أوفى زمرة الخـــــــــــــدم

ثم أكملتها إلى قرابة المائة والثمانين بيتًا، وطبعتها نقابة الأشراف في مصر، ولي غير هذا خمسة دواوين من الشعر، وكان حب إمامنا لسيدنا رسول الله  قد أمده بشعور قوي جاش في صدره حنينًا ثم اندفع إلى بيانه شدوًا، ولعل أمير الشعراء أحمد شوقي (رحمه الله) قد عنى ذلك حين قال عنه مخاطبًا رسول الله :

مديحه فيك حب خالص وهوى              وصادق الحب يُملي صادق الكلم

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى