فنونمقال رئيس التحريرمميز
«نوستالجيا» من نوع خاص.. التشكيلية عبير محمد: «فن التعتيق» يُعيد الروح لكل ما هو جديد !!
د. محمود عبد الكريم عزالدين:
لقد أثبتت كثير من الدراسات العلمية، أن استحضار الحنين إلى الماضي، يولّد شعورًا بالراحة، وإحساسًا بالسعادة، وعلى وجه العموم، يُحسّن الحالة المزاجية، لقطاع كبير من البشر.. وبالنسبة لهؤلاء، فإن الحنين إلى الماضي، يشحن الدماغ بطاقة إيجابية؛ لأنه يثير العواطف بشدة.
ومن المعلوم أنه تمت صياغة مصطلح الحنين إلى الماضي أو «النوستالجيا» منذ أكثر من ثلاثة قرون تقريبًا، وكان المصطلح في الأصل يشير إلى الحنين إلى الوطن، ولكن أدى الانجراف الدلالي- على مر القرون- إلى توسيع مفهوم الشوق، أو افتقاد جوانب من الماضي الشخصي للإنسان.. و«نوستالجيا» كلمة أصلها يوناني معناها الحرفى: نص الكلمة “نوست” بمعني الرجوع للبيت، و”الجيا” بمعنى ألم أو وجع.. لكن معناها العام؛ الحنين للماضي أو للأهل والعشرة القديمة وأحداث زمان.
أظن أنه من رَحِم الحنين إلى الماضي، وُلد «فن التعتيق».. بهذه الجملة بدأت الفنانة التشكيلية عبير محمد كلامها، مبينة أن المقصود بـ«فن التعتيق»؛ إعداد وتشطيب أي سطح، لتقليد مظهر وكأنه قديم، وهو تنسيق غير تقليدي غالباً يعتمد على فن الطلاء وقد يستخدم فيه المعجون.. والتعتيق له عديد من الأشكال والتصاميم الجميلة، والتي تختلف باختلاف الأذواق واختلاف الألوان المستخدمة في التعتيق.. غير أنه في الإجمال يبعث الروح في كل ما هو جديد؛ سواء كانت علب مناديل أو مرايا، أو قطع موبيليا؛ على اعتبار أن رائحة الماضي تأسر القلوب والعقول، وتُبهج الأبصار .
وبحسب المهتمين والدارسين؛ هناك مثلا فنون التصميم الداخلي وهو تعتيق المرايات، فالمرآة التي يمر عليها زمن ويختفي لمعانها ودرجة انعكاسها، تعد قطعة من دون أي قيمة، لكن الجديد أن المرايات الجديدة أصبحت تدخل في عملية «التعتيق» حتى تبدو قديمة، ثم تدخل فى تصميمات غاية فى الروعة، تُضفي روحًا من الأصالة على المكان.
وبكلمات مختصرة تذكر عبير: أن «فن التعتيق»، يعني تحويل قطعة حديثة لقطعة عتيقة وقديمة، عن طريق فن استخدام معاجين كثيرة.. وعندما تراها، ينشأ لديك إحساس بأنه مر عليها 100 سنة».. ويتم من خلال خطوات كثيرة، تبدأ بتصميم قطعة معينة من الخشب أو الزجاج، ومن ثم إضافة جميع الألوان المحتمل أن تشهدها هذه القطعة بمرور السنين، مع إضافة بعض التفاصيل الأخرى، كأن تبدأ في تقشير أجزاء معينة منها، وأخيرًا تضيف إليها طبقة حماية بمادة معينة تجعلها تحتفظ بهذا الشكل لسنوات كثيرة.
وتقول الفنانة التشكيلية عبير محمد إن للقطعة الأثرية أو القديمة سحرها الخاص الذي يأسر قلب متذوقي الفنون؛ لذا يلجأ الفنان أحيانا إلى استخدام الحيل البصرية التي تُحول الخامة الجديدة إلى قديمة، بمعنى أنه يظهر أثر مرور الزمن عليها وكأنها أصيبت بحق بـ«الشيخوخة»، أو ما يُعرف بـ«التعتيق».
وتضيف عبير: وجدتُّ ميولًا كبيرة داخلي تجاه الأنتيكات والتحف القديمة وكل ما يحمل روائح الماضي؛ ما دفعني إلى استغلال مهارتي في فن «التعتيق» لتصميم قطع فنية بروح الماضي، لتبدو كما لو كان مر عليها 100 عام وليس مجرد أيام وأحيانا ساعات معدودة.
وتوضح «عبير»، أن علاقتها مع الفنون نشأت قبل نحو خمس سنوات من خلال فن الديكوباج، إلا أن حبها لكل ما هو قديم دفعها إلى توجيه اهتمامها إلى فن التعتيق الذي تعلمته من خلال حصولها على عدة ورش تدريبية سواء داخل مصر أو خارجها.
واستطردت بقولها: أنا أساسًا حاصلة على بكالوريوس تجارة، لكن عشقي للفنون التشكيلية دفعني للتخصص، حتى وصلت- بفضل الله- إلى درجة عالية من الإتقان، لافتة إلى أنها بدأت العمل بكل عزيمة وإصرار، وقد أنتجت أعمالا كثيرة، مزجتها بـ فن التعتيق.. وكان آخر أعمالها تابلو استخدمت فيه التعتيق على المرايا وعلي الخشب، في معرض ملتقى الصحبة بالمركز الثقافي الروسي بالقاهرة.
وتواصل عبير: أخذت كورسات كتير جداً في مصر وخارجها في مجال فن «الديكوباج».. وتخصصت تحديداً في فن التعتيق وتجديد الأثاث، وكل ما له علاقة بالاخشاب، مع التركيز في كل ما هو جديد، في مجال الخامات في هذا المجال المثير والملئ بتكنيكات كتيرة جداً حيت يأخذك من الحاضر إلى الماضي، وذلك عن طريق صنع قطع يدوية بتكنيكات معينة تشعر عقب إنجازها أنها قطعة قديمة مورثة من الأجداد. وتلخص عبير كلامها في هذا الصدد قائلة: «ما صُنع باليد؛ صُنع بحب».