إتكأت على الأريكة وأغمضت عينيها محتضنة مشروبها الدافئ المفضل.. بحثت في سراديب الذاكرة عن ذكرياتها السعيدة..
رجعت للوراء سنوات وسنوات.. رجعت بالذاكرة إلى منزلها القديم، الذي جمعها مع والديها واخوتها.. ومجرد أن تداعت الصور في ذهنها، ارتاحت.. هدأت.. ابتسمت.. تحركت خصلات شعرها المنسدل خلفها داعبته نسمة الذكريات.. وظلال النباتات الخضراء تحيطها وتنعكس على أريكتها..
تسللت من النافذة أشعة فضية، من ضوء القمر، والسماء المرصعة بالنجوم.. همس الليل في أذنيها بخفوت وهدوء حتى لا تفيق من ذكرياتها الجميلة..
بيت عائلتها الدافئ؛ تفوح منه رائحة الحب والأمان.. لم تسكنه الهموم ولم يعتريه القلق.. ولم تفارقه الضحكات.. ولم يخل من الزوار.
«الأم» تطهو أشهى صنوف الطعام، تمزجه بنكهة العطف والرضا والحنان.. وكأن روحها الطيبة أضفت مذاقا خاصاً ونكهة عنبرية مميزة على طعام لا يمكن أن تتذوقه إلا من يديها الطاهرتين.
تحتضن أولادها بقلبها، تخشي عليهم من نسمة الهواء.. تدعو لهم في صلاتها وكثيرا ما تنسى أن تدعو لنفسها.. البيت عامر بالأهل والأحباب صباحا ومساءً.
«الأب» فاضل كريم ودوود، وجهه باسم ضحوك، يبث في أرجاء المنزل نفحات السند والعون والأمان.. ملامحه تنطق بالسماحة والطيبة.. وإن اجتمعا معاً تفوح ورود الوداد.. والفرح.. والدفء.. والاحتواء للأبناء.
وقبل أن تفتح عينيها وتفيق وتعود لدنياها.. رددت بصوت خافت: غبتم عن الدنيا، ولم تغيبوا لحظة عن قلوبنا.. «عشرة الأحباب» بذور خير زُرعت في أرواحنا، حتى ترعرعت وأينعت ثمارها صفات، تحمل جينات حنين وحب ووصال لا ينتهي، لأحباب فارقوا الدنيا، ولكن لم يفارقوا أرواحنا.. بقلبي وعيني لآخر عمري يا أحباب قلبي !!