عن دار نشر «الشواهين» بالقاهرة صدر للشاعر والأكاديمي حاتم الجوهري ديوانه الشعري الجديد «نساء الممالك البعيدة»، في 119 صفحة من القطع الصغير تحوي 35 قصيدة تتراوح في طولها بين القصيرة، ومتوسطة الطول، والطويلة.
وجاء الديوان بعد حوالي ثماني سنوات ونصف من صدور ديوانه الأول «الطازجون مهما حدث» الذي صدر نهاية عام 2015م.
وصدر الديوان مصحوبا ببيان شعري نشره الشاعر على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، قال فيه: «يأتي هذا الديوان ليطرح فضاء مجاورا للذي طرحه ديواني الأول والبيان الشعري الذي صاحب صدوره، ومقاربا راهن الشعر المصري من نافذة مغايرة منذ هيمنة شعر السبعينيات عليه، ثم ظهور قصيدة النثر، ثم اجتماع السبعينيين والتسعينيين ولقاء المشروعين مؤخرا وتمازجهما لحد بعيد».
• المشاعر الإنسانية والتيارات الأدبية
وأشار الجوهري في البيان إلى أنه «في حقيقة الأمر لا يمكن قولبة الإنسان أو قولبة المشاعر الإنسانية، وتحويل المشاعر الإنسانية إلى (موضة رائجة) قسرا مع ما سُمي بـ«التيارات الأدبية» الحديثة أو التحديثية، أو قولبتها أيضا في “موضة رائجة” مضادة تخالفها وتستند إلى تصور جامد في تراث ما، أي بخطاب أكثر مباشرة لا يمكن أن يكون هناك شكلا واحدا أو مضمونا واحدا شموليا ونموذجيا للمشاعر الإنسانية، يخترع البعض حوله معاركا متخيلة و«موضات رائجة» كل فترة، بحجة ترك أثر أدبي ما أو التعبير عن الاعتراض على شيء ما..!!
• المدارس الأدبية وموقفه منها
وعن فكرة المدارس الأدبية او الجيال الشعرية قال البيان إنه “لا يمكن أن يكون الشاعر الحقيقي «مدرسي» أو «نمطي»، ينتمي لتيار له سمات أسلوبية ومقاربة محددة سلفا لقضاياه ومواضيعه التي يتناولها، وهذا لا يعني أن الشاعر لا يملك أسلوبا أو لا يملك مقاربة ووجهة نظر للعالم، ولكن يعني أن الشاعر الحقيقي في لحظة معينة قد يجد القسرية في «النمط السائد” والخطاب النقدي الرديف له، ومن ثم عليه أن يختار الحرية والتفرد وأن يكون نفسه بنفسه، بعيدا عن الاعترافات الجماعية الرائجة للأدب التي يتبادلها البعض وفق طبائع علم الاجتماع البشري وسننه».
• الشعر من العام إلى الخاص
وأوضح حاتم الجوهري سبب ابتعاده عن المشهد الشعري حين قال: “في لحظة معينة وفاصلة منذ نهاية التسعينيات وبداية الألفية الجديدة أخذت قرارا باعتبار الشعر (مشروعي الشخصي)، وفضائي الخاص في مواجهة العالم، بعدما كنت أعتبر الشعر «مشروعا عاما»، بصفتي أمينا لجماعة الفكر والأدب بجامعة المنصورة في التسعينيات، وعضوا مؤسسا رئيسيا لنادي الأدب بالجامعة في إصداره الثاني (بعد توقفه)، وحراكه العام الواسع والدور العريض الذي قامت به تلك الحركة الطلابية والأدبية في محيطها الثقافي العام وفضائه المتنوع ومستوياته المتعددة..
واستطرد موضحا: وهذا التحول في اختياري ومقاربتي بأن يكون الشعر (مشروعي الخاص)، بعدما كان (مشروعي العام)، هو الإجابة عن السؤال الذي يلاحقني به البعض: لماذا ابتعدت عن المشهد الشعري بعد كل هذا الزخم والحضور؟ وزهدت في أي اعترافات نقدية أو أدبية..؟ وكيف أسعى لها! ومثلي كان «صاحب طريقة» شعرية ونقدية منذ البدايات الأولى للقصيدة التسعينية، خاض معاركه ضد بواكير الاصطفافات الشعرية النمطية الحدية التي أصبحت الآن –وتلاميذها ومريدوها- مهيمنة برديفها النقدي وشبكة علاقاتها، وأثرها الظاهر، ونفوذها الخفي الناعم.
• ذاتية الشعر وعلاقته بالعام
وعن سبب التحول في موقفه من الشعر قال: أما لماذا التحول واعتبرت الشعر والأدب (مشروعا خاصا) بعدما كنت أعتبره «مشروعا عاما» في الحركة الأدبية الطلابية ومحيطها الثقافي؛ فيرجع إلى أن التجربة نفسها أثبتت ذاتية الشعر وتفاوت علاقة المبدعين التي تربطهم به بالقيم العامة للجماعة، وكنت بـ«طبيعتي الشخصية»، أربط بين الأدب وسياقه الاجتماعي والثقافي (منذ أن كنت صغيرا أُعد مجلات الحائط في مدرستي الابتدائية وأكتب مقالاتها وأشارك في فريق الإذاعة المدرسية وأوائل الطلبة وفرقة الكشافة ومعظم أنشطتها العامة)، وكنت أقارب الشعر في المجال الأدبي وتمثلاته المختلفة من هذه الزاوية، ولكن حينما أثبتت التجربة ذاتية الدافع للإبداع وهشاشة علاقته الحقيقية بالعام، اخترت أن أختصر الطريق وأحول مشروعي العام مباشرة إلى الثقافة والفكر والفلسفة وحال الذات العربية، وأن يصبح الشعر مشروعي الخاص”.
• عالم شعري خاص
وعن عالمه الشعري أشار البيان إلى أنه «أصبحت لي اختياراتي الخاصة في عالم شعري نسجته من خيالي يجمع علاقتي بالمرأة/ الآخر، عالم شعري له أفق متنوع حكمته ذائقة نَحتَتْ ملامحه بنفسها، وقاموس أقرب للعالمية الجغرافية وروحها ينتقي مفرداته خفيفا مرتحلا بين بيئات متعددة، قاموس يجمع في جعبته: الحصون، والبحر، والمروج، والصحراء، والسماوات، والأزهار، والطيور، والفينق، والرماح، والدروع، والحروب، والقتال،… لكن يبقى المشترك بينهم دوما روح الذات التي تصارع من أجل نفسها وحلمها، تقاوم ولا تهتز رغم الصعاب والتكسرات والشدائد والمحن طبع الحياة الدنيا وديدنها».
✍️= ومن ضمن القصائد التي وردت في الديوان ننشر المقاطع التالية:
من قصيدة «قلبك وحربك» (ص 37)
—-
إذ حربك الأولى
أعلنتها دون هوادة على نفسكَ
حتى وَحَّدْتَ المملكةَ جنوبكَ مع شمالكَ
وضَبطتْ ملائكتُكَ شياطينَكَ في الصف
والتحمتْ حدود قلبك راهبة بتولاً
تلتصق بأسوار حصون البلاد الأمامية ،
ساعتها نصف نصرك
أن تمنح قلبك
لامرأة من طين رُوحك
تنفخ فيك إذا ضعفت رياحك
تحمل السلاح على السور الأمامي نفسه
—-
من قصيدة “فرق التوقيت بين ما كان” (ص7)
—-
تبين الآن
تحبه كانت
كوميض خاطف ملأ سماءها بغتة
وهي القمر تحرس أسراباً من السماوات والفراديس،
فطاردته في أرجاء مدينتها
بعربة فارهة تجر قطيعا من النفوذ
وأسقطت كل دروعِها أمامه،
لكنها لم تدركْ بدورها
حين أغمضتْ شفتاهُ عن كل شيء
وتفتحت بِسَكِينَة ومهل على يدها
أن تلك القُبلة
لم يمنحها لأحد قبلها
وأنها كل ما يمكن أن يسقطَه من دروع أمامها
من قصيدة «الرومانتيكي الثوري الأول» (ص83)
—-
وصار هو
الرومانتيكي الثوري الأول
من قبله لم يوجد ذلك الشيء
ومن بعده لا يعرف أحد
أسيأتي من يخلفه أم لا..!
حار في أمره كثيرون
كيف لقلب عصفور
أن يثور بروح صقر !
وكيف لقلب صقر
أن يحب بروح عصفور!
تلك كانت آيته
بين العالمين
زر الذهاب إلى الأعلى