مقالات

كيف نتغلب علي معوقات التنمية بالمجتمعات الصحراوية؟

           د. دينا أحمد علي

باحثة بشعبة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، مركز بحوث الصحراء

تمثل قضايا التنمية بمجالاتها المختلفة التحدي الحقيقي الذي يواجه بلدان العالم الثالث حيث تتطلب عملية التنمية تشخيص لمشكلات التنمية ثم البدء في إزالة كافة المعوقات التي تحول دون تحقيق معدلات كبيرة من التقدم والنمو. فالأساس الذي تقوم عليه عملية التنمية هو الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة والتخطيط العلمي والتصنيع التكنولوجي المتطور .

فالتنمية من الظواهر الهامة التي يسعي إليها الإنسان لتحقيقها وهي دائما ما تبدأ بالانسان وتنتهي إلي الأنسان ويتحمل أعبائها بالشكل الذي تنعكس ثماره عليه وبهدف تجاوز العقبات التي تحول دون زيادة الإنتاج الزراعي كما ونوعا من خلال دراسة الظروف المحيطة بالمجتمع للوصول إلي الأستثمار الامثل لمقومات التنمية .

غير أن تحقيق الأهداف التنموية بالمجتمعات الصحراوية عادة ما تصطدم بالعديد من المعوقات علي مستويات متعددة مما يستدعي البحث عن إيجاد آليات وطرق  لتجاوز هذه المعوقات لخلق بيئة مناسبة للتنمية ومنها الاهتمام بتنمية الروابط والعلاقات الاجتماعية القائمة بين أفراد المجتمع الصحراوي والعمل علي ترقية مستوي الخدمات المقدمة إليهم سواء كانوا أفراد أو مستثمرين وتلبية حاجاتهم المختلفة وغرس روح الانتماء لديهم ورفع الوعي بأهمية المشاركة جميع أفراد المجتمع في تنمية المجتمعات الصحراوية.

نعلم جميعا أن المناطق الصحراوية في مصر تمثل نحو 96% من مساحتها أما باقي المساحة يعيش فيها 97% من سكان مصر ، يتمركزون في الوادي والدلتا. وفي الفترة الأخيرة اتجهت الدولة لتعظيم فكرة إقامة المشروعات القومية الكبري خاصة في كل من سيناء وجنوب الوادي ومع ذلك فمازالت الصحراء تشكل الجزء الأكبر من المساحة الكلية للبلاد، وهو أمر يمثل أكبر التحديات لعملية التنمية. وعلي الرغم من تنامي اتجاه الدولة نحو تنمية المجتمعات الصحراوية بقصد تحقيق الاستقرار علي المستويين المحلي والقومي ، فإن جهود التنمية في تلك المجتمعات مازالت تواجه حتي الآن بالكثير من الصعوبات والمعوقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمادية والتقنية.

فمصر اليوم بحاجة للخروج من الوادي الضيق إلي الصحراء الواسعة للخروج من أزماتها ومشكلاتها من خلال مجموعة من التدابير تستهدف أحداث التنمية  الشاملة بالبيئة الصحراوية  لأنها تمثل الجزء الأكبر من مساحة مصر باعتبارها امتدادا طبيعيا لوادي النيل وتتوافر بها الأراضي  القابلة للاستصلاح الزراعي وأنها الأمل لعلاج الكثير من المشكلات التي يعاني منها المجتمع المصري كارتفاع أسعار المنتجات الغذائية  وتوفير فرص العمل للشباب وخفض حدة المشكلة السكانية، حيث أن القوي البشرية هي المحرك الأول لكل جهود التنمية. فتحقيق التنمية الزراعية وتوفير الأمن الغذائي يشكل أساسا لنمو اقتصادي واجتماعي شامل لكنه يتطلب القيام بالعديد من الإجراءات للتغلب علي العقبات والمشكلات التي تحول دون تنمية وتطوير قطاع الزراعة.

ومن هنا تحددت أهداف وبرامج التنمية التي طرحت من قبل الدولة للمجتمعات الصحراوية في الوفاء بالحاجات البشرية بجانب الاستفادة من المقومات الاقتصادية لهذه الصحاري بقصد تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي علي مستوي المجتمع الصحراوي والمصري. ولعل مايدفع إلي التفكير في تنمية المجتمعات الصحراوية هو إعادة توزيع القوي البشرية المكتظة داخل الوادي والدلتا فضلا عن البحث عن الموارد الطبيعية والثروات في المناطق الصحراوية والتي يسهم استغلالها في حل العديد من المشكلات الاقتصادية التي تنجم عن الزيادة السكانية، وأيضا تحسين مستوي معيشة سكان هذه المجتمعات الذين عانوا كثيرا الإهمال نتيجة لتدني مستوي الخدمات والمشروعات التنموية المقدمة إليهم علي مدار سنوات طويلة سابقة.

فتعد التنمية الزراعية في مصر من الضرورات الملحة للنهوض بالكفاءة الإنتاجية الزراعية وتلبية احتياجات السكان الغذائية في ظل معدلات الزيادة السكانية المضطردة وما يترتب عليه من زيادة الطلب علي المواد الغذائية والتغلب علي محدودية الرقعة الزراعية. لذلك اهتمت الحكومة المصرية بالعمل علي إعادة توزيع السكان فوق المساحة الأرضية فأعلنت عن سياستها التي تهدف إلي تنمية هذه المجتمعات والخروج من الوادي الضيق إلي تعمير وتنمية الصحاري المصرية وذلك من خلال تشجيع العمليات التنموية في المناطق الصحراوية والعمل علي تطوير التقنيات المستخدمة في العمليات الزراعية، حيث تعد التنمية الزراعية من أهم العوامل التي تؤدي إلي الاستقرار البشري في المناطق الصحراوية.

لهذا تكون التنمية المنشودة في هذه الصحاري من الضرورات التي تسهم في دمج المجتمعات الصحراوية في المجتمع وذلك من خلال إزالة الحواجز المصطنعة التي تفصل بين سكان الصحاري والمجتمعات الصحراوية عن بقية أرجاء الوطن ثقافيا واجتماعيا بما يحقق الشعور بالانتماء لهذا الوطن. ولكي يصبح المجتمع الصحراوي جزءا مكملا لباقي أجزائه وهو ما تفتقر إليه بعض المجتمعات الصحراوية في مصر فهي تحتاج إلي الدمج مع باقي المجتمع.

لكن جهود التنمية بالمجتمعات الصحراوية تواجهها الكثير من العقبات والمعوقات التي تحد من عمليات التنمية الزراعية منها المعوقات الخاصة بالتربة الزراعية والري والمياه الجوفية والمعوقات الخاصة بتسويق المنتجات الزراعية ومعوقات خاصة بالعمل الإرشادي الزراعي وأيضا معوقات أجتماعية تعود إلي طبيعة السكان بالمناطق الصحراوية بجانب تعرض العديد من المناطق الصحراوية  لمخاطر التعدي البشري والتغيُّر المناخي، مما يجعلها عاجزةً عن توفير المتطلبات الضرورية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية لسكانها؛ فنصيب الفرد من المياه العذبة يتضاءل، كما تتدهور نوعيةُ التربة مما يتطلب التدخُّل لتحسينها، كذلك فقد أدَّتِ الضغوط على الموارد الطبيعية إلى استنزافها وفقدان التراث التقني المرتبط بالتعامل معها، الذي يمثِّل إرثًا حضاريًّا متميزًا ووسائل مجرَّبة للاستفادة المستدامة منها في تلبية الحاجات الإنسانية للسكان.

لهذا، فإن البحث العلمي يُعد القاطرة التي تقود حركة التنمية والتطور في جميع المجالات حيث يمثل حجر الأساس القوي لجميع الخطط التنموية والاستراتيجية.

من هنا يجب أن تتجه الأنظار إلي تعريف المجتمع من مستوطنين أو مستثمرين بالمجتمعات الصحراوية لتعريفهم بدور المراكز البحثية، وذلك من خلال التوعية بشتي أنواعها سواء إعلامية أو إرشادية وتغيير النظرة القديمة عنها داخل المجتمع ولدي المستثمرين من أنها مراكز للبحوث الأكاديمية فقط وليست بحوثا تطبيقية تعود بالنفع علي حل مشكلاتهم  فيجب تسليط الضوء علي دورها المهم.

فالمراكز البحثية المتخصصة في تنمية المجتمعات الصحراوية تلعب دورًا فاعلا ًفي الرقي بالمجتمع في زمن باتت التكنولوجيا والثورة المعلوماتية هي المسيطر الأساسي لدعم المجتمع نحو التقدم المطلوب ومسايرة التطور الحاصل في عالمنا المعاصر، ولذلك باتت الدول النامية تتصارع من أجل اللحاق بركب الدول المتقدمة وذلك بإنشاء مراكز بحث علمية هادفة تسعى إلى تحقيق التطور والرقي العلمي والفكري بالمجتمع.

ومن منطلق التطور المجتمعي أصبحت مراكز البحث العلمي هي منارة للتواصل بين المجتمعات وربط ثقافاتها ببعضها بعضا، وتقليص الهوة بين الثقافات والمجتمعات المتباعدة وبناء أطرًا متجانسة بين المجتمعات لإيجاد قنوات للتواصل الدائم للارتقاء بالبحث العلمي لبناء استراتيجية هادفة لتنمية المجتمعات.

ترجع أهمية المراكز البحثية إلى كون كثيراً من مشكلات العالم المعاصر لا يمكن حلّها إلا من خلال مؤسسات أو مجموعات نخبويّة ذات تركيز معرفي عال تكون قادرة على تحديد طبيعة هذه المشكلات وسبل علاجها وفق أسس علميّة مدروسة والتحرك برؤية واضحة مقترنة بتذليل الصعوبات وتجاوز التحدّيات من خلال بحوث تطبيقية مؤهلة للتطبيق داخل المجتمعات الصحراوية.

فالمراكز البحثية هي من أهم مصادر تطوير المعارف الإنسانية وتحقق التنمية المستدامة والتمايز المعرفي في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والزراعية وغيرها، فضلا عن أنها تولد الابتكار الذي يحقق الشراكة المجتمعية بجوانبها المادية والإنسانية وإمكانية من التقنيات والإمكانات المتوافرة لخدمة المجتمع وحل مشكلاته وإثراء المعرفة بأنماطها المختلفة مما يجعل  للمراكز البحثية دورا هاما و بارز في دراسة جميع معوقات تنمية المجتمعات الصحراوية من تربة وري ومياه جوفية إلي جميع المشكلات الخاصة بالتربة والتراكيب المحصولية المناسبة لهذه المجتمعات الصحراوية وأيضا دراسة معوقات تسويق المنتجات الزراعية بالمناطق الصحراوية والمعوقات الخاصة بالإرشاد  الزراعي وزيادة تفعيل دوره الحيوي بالمجتمعات الصحراوية وكذلك دراسة المعوقات الاجتماعية الخاصة بكل المجتمعات الصحراوية بتنوع أعراقها وكيفية دمج الوافدين إليها والمستثمرين الزراعيين بهذه المجتمعات الزراعية.

من هنا يمكننا القول أن القيادة السياسية بالدولة المصرية  لا تدخر أي جهد أو دعم نحو تهيئة المناخ المناسب لعلمائها بالمراكز البحثية المتخصصة المنوط بها العمل بالمجتمعات الصحراوية حيث تقدم كل سبل الدعم للمراكز البحثية المتخصصة في تنمية المجتمعات الصحراوية حتي يضعوا أيديهم علي كل معوقات وسبل التنمية بالمجتمعات الصحراوية ليكونوا منارة لكل من يوجه استثماراته نحو هذه المجتمعات لتنميتها وتأهيل هذه المجتمعات إلي طفرة تنموية تعود بالنفع علي قاطنيها من عشائر وقبائل ومستوطنيها ممن حدت بهم الآمال للهجرة نحو تعمير المناطق والمجتمعات الصحراوية وأيضا تعود بالنفع علي كل مستثمر أتي ليحقق أقصي ما يطمح من مكاسب استثمارية من خلال مشروعات تنموية كبري داخل المجتمعات الصحراوية.

فبالعلم تذلل العقبات وتُطرح الحلول والابتكارات العلمية في كافة مجالات التنمية  التي من شأنها أن تحول الصحراء إلي خضار وعمار ونماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى