
بقلم- زينة الجمّال
لا بد أن نسلم بأن التعليم هو صناعة البشر، وبذا فهو أرقى الصناعات، لأن التعليم عملية إنسانية يقع فعلها على إنسان هو “المتعلم”، ويقوم عليها إنسان هو “المعلم”، وتقدم الإنتاج الفكرى والعلمى والمعرفى، هو “المنهج التعليمى”.
إذا سلمنا بذلك، سلمنا بأن القائم بهذه العملية وعليها هو المعلم، الصانع الحقيقي للإنسان، ومانحه الجودة الشاملة، تلك التى تحقق الجودة الشاملة لكل منتج من هذا الإنسان.
هذه هى أهمية العلم فى بناء البشر، تلك التى أكدها خبراء التعليم فى العالم المتقدم، إذ يجمعون على أن جودة أى مؤسسة تعليمية وكفاءتها إنما تقاس بكفاءة أعضاء هيئة التدريس.
وفى هذا المعنى، يقول فرانويل، التربوى الشهير، إنه إذا أُعطى القائمون على التعليم عنصراً واحداً كى يعدوه، ويجودوه، فإنهم سيختارون فقط المعلم. ويقول مايكل بارو إن جودة النظام التربوى التعليمى لا يمكن أن تتجاوز جودة معلمين. كل هذا يعنى أن المعلم هو العمود الفقرى للعملية التعليمية، فحجرة دامسة بلا معلم هى حجرة يسكنها الظلام، ويهجرها نور التعلم، هى مبنى بلا معنى، خواء بلا حياة.
نقول هذا ونحن نعانى نقصاً فى أعداد المعلمين وافتقاداً لمهارات المهنة لديهم، فالوزارة تعلن حاجتها لعشرات الآلاف من المعلمين، ويتقدم لها مئات الآلاف من العاطلين الذين لا يجدون عملاً أو وظيفة، ومن ثم يفتقرون إلى مهارات مهنة تعليمية علمية فنية عقلية نفسية، ووجود هؤلاء فى الفصول لا ينفى عنها صفة “فصول بلا معلمين”.
العجيب فى الأمر أن تقرر الوزارة لهم رواتب لا تكفيهم المواصلات، وأن تقرر التعاقد معهم لشهور محدودة لا ضمان فى استمرارهم فى العمل بعدها، الأمر الذي يجعلهم مهددين غير مستقرين، ومن ثم غير قادرين على عمل أى شيء، ومن ثم تظل الفصول “فصولا بلا معلم”.
فى كل الأحوال، هل يمكن بعد ذلك أن تتخيل كيف يكون التعليم وهذا المجتمع؟ وكيف تكون حال الأمة ومستقبلها؟ أعتقد أن الأمر قد يصل إلى أن نقول “أمة بلا معلم”، وليس “فصولاً بلا معلم”.
ولكيلا تكون “أمة بلا معلم”، أى لا كيان لها ولا وجود، فإن علينا أن نوفر وضعاً أفضل للمعلم يستند إلى عاملين أساسيين:
أولهما: التشجيع على الالتحاق بهذه المهنة، وتطوير برامج ومؤسسات لإعداد المعلم مما يتلاءم مع الاتجاهات العالمية فى هذا الشأن.
ثانيهما: رفع مستوى دخله وتطويره المعنوى والمادى.
إن المطالبة الملحة بتقدير المعلم أدبياً، وتحسين دخله فريضة اقتصادية واجتماعية وتعليمية، ومن ثم حضارية، وهو أمر يخلص المعلم من شعوره بضيق سبل الحياة، وبالدونية، ويدفعه إلى حماسة العمل، ودافعية للإبداع، وحب المهنة، وأن تصبح مصر أمة المعلم العظيم.
زر الذهاب إلى الأعلى