يبدو أن مصر على موعد مع حروب متصلة، فلا تخمد نار حرب حتى تندلع نار أخرى، فجيش مصر الباسل الذي انتهى من حرب عسكرية لاسترداد سيناء دحر فيها العدو الصهيوني في اكتوبر1973 هو نفسه الجيش البطل الذي واجه حروب جماعات الإرهاب والتطرف والفاشية الدينية، كتفا إلى كتف مع شرطته المحترمة.. وقدم كلاهما تضحيات من أرواح أبنائهم الشهداء بالآلاف على طول الجبهات.
ومازالت التضحيات مستمرة، ذلك على مستوى الجبهات الخارجية.
أما على مستوى الجبهة الداخلية، فإن حربا واجبة ولازمة يجب القيام بها دون تهاون، فما أخطر تعرض أمن المواطنين للترويع والتفزيع وإراقة الدماء وإهلاك الممتلكات الخاصة والعامة، ومؤسسات الدولة من قبل (البلطجية) الذين لم ينج منهم حي او مدينة أو قرية أو حارة !!
أولئك الذين استفحل أمرهم، وباتت ظاهرة البلطجة من أخطر الظواهر التي تهدد الجميع دون استثناء، ففي الوقت الذي تبذل فيه القيادة السياسية أقصى طاقاتها لتحقيق التنمية الشاملة، إلا أنها معرضة للتشويه والتدمير والتراجع بسبب أفراد وجماعات البلطجة ؟؟
فكيف تأمن أسرة على صغارها وصاحب مصنع على مصنعه وراكب قطار أو سيارة أو دراجة على أمنه الشخصي وكيف لأستاذ جامعي أن يحافظ على كرامته من طالب بلطجي وكيف لأهل حارة شعبية فقيرة أن تعيش في أمان في وجود بلطجي أو عدة بلطجية بها يلوحون بحرابهم وسيوفهم بل ومسدساتهم في وجه كل من يتصدى لهم.
فالويل كل الويل للجميع من اولئك المجرمين العتاة الذين استعانوا بكل شيء: الناس والقانون وأجهزة الدولة أولئك المجرمون منهم الكبار والشباب والأحداث، ومنهم الذكور والإناث، لن تخطئ عينك في رؤيتهم في الشوارع والأزقة والحارات والميادين.
إنهم هناك يقودون التكاتك والتروسيكلات والدراجات النارية، وهم مستعدون دائما للانقضاض على الأطفال والنساء والرجال، بل يهيئون الأسباب لافتعال المعارك لابتزاز المواطنين، ولا احد ينكر ما للأجهزة الأمنية المصرية من دور عظيم في مكافحتهم وتعقبهم، وقد سعد المواطنون بما قامت به وزارة الداخلية بتخصيص رقم واتساب لإرسال مقاطع فيديو لأولئك المجرمين حين قيامهم ببلطجة ما ليسهل الوصول إليهم.
صحيح هناك حزمة من مواد قانون العقوبات لمحاسبة هؤلاء الجناة نذكر منها مادة 365 مكرر ومادة 375 مكرر والقانون رقم 6 لسنة 1997م ومواده 302 و309 مكرر(ا) والمادة 302 كذلك نص الدستور المصري على حماية الحياة الخاصة في مادته رقم 45 بالإضافة إلى قانون الطفل الحدث (الذي لم يتم 18عاما كاملا).
إن مؤسسات الدولة- وليست الشرطة وحدها- يجب أن تستنفر كل طاقاتها لمواجهة تلك الظاهرة المميتة، ولكل مؤسسة دورها المهم الذي يجب أن تضطلع به دون تقاعس ولا تهاون وأن تحقق دورها تحقيقا فعليا من منظور الواجب الحتمي: المدرسة والجامعة وعلماء الاجتماع والتربية والإعلام والفن ولتتعاون كافة المؤسسات والأجهزة في وضع برنامج عملى نافذ وسريع للمواجهة، فالبلطجة ليست ظاهرة تصغر وتتراجع بل هي في نمو مطرد، وتحتاج لمواجهة شجاعة بالتثقيف والتوعية.
ثم يأتي دور الأمن ليتوج هذه الجهود المطلوبة ويكللها بالنجاح، فليست أجهزة الأمن وحدها مسؤولة عن تلك المواجهة، ولنتذكر حديث السفينة لنبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الذي بين لنا المسؤولية الجماعية والتضامن الاجتماعي لينجو الجميع، وكل تقصير من مؤسسة وطنية في هذا الشأن ينتقص من حدة المواجهة ويضعفها.
إن محاربة البلطجة يجب أن تكون فرض عين على كل مسؤول، ولم تعد لدينا رفاهية الوقت للسكوت إزاء جرائم البلطجية ولكن يجب أن تكون حربا مدروسة وبمنهج علمي معلوم وبخطة زمنية محددة المعالم فإن لم نفعل فسوف يجني أبناء المجتمع حصادا مرا، وسوف يدفع جميع ابنائه الثمن غاليا، ويعرقل مستقبل التنمية ويضعنا على محك الانهيار، ومصرنا تتطلب منا أن نبذل من أجلها كل غال ورخيص من أجل مستقبل الأجيال القادمة، وليكن حماس كل الأجهزة والمؤسسات على نفس وقدر حماس قيادتها السياسية التي لا تألو جهدا في سبيل رفعة الوطن وحمايته من كل معتد أثيم في الخارج والداخل.
إن تلك المواجهة تتطلب الفعل الجمعي لا الفردي، كما يدعو كل مواطن أن يتخلص من سلبيته ويعرف أن كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته، إننا في حاجة ماسة إلى شحذ الضمير الوطني بقوة وحماية كل مواطن الثغرة التي هو عليها، وعلينا أن نعلم أن أعداء الوطن يتربصون به، ويبيتون له بليل، ويسهرون على إسقاطه، فهل نترك لهم الساحات والجبهات ليخربوا وطننا ؟