بقلم:
الدكتور محمود عزالدين

▪️ الخلط بين الحق والباطل ليس بظاهرة جديدة، غير أن تسارع المتناقضات في الأزمنة الحديثة، واتساع نطاقها، يطرح سؤالاً جوهرياً حول طبيعة المعايير التي تحكم الوعي الجمعي.
▪️ حين يصبح الحق موضع جدل، ومحل نقاش، وتتوارى المسلّمات الأخلاقية خلف ضباب المساومات.. يصبح الفساد (الذي كانوا وكنا جميعاً نستنكره) مجرد «وجهة نظر»، ويغدو الانحراف خياراً مقبولاً في قواميس كثيرين، مع العلم أن هذه ليست مشكلة قوانين، بل مشكلة قيم؛ وليست أزمة أدلة، بل أزمة بوصلة داخلية.
▪️ في المجتمعات التي تضعف فيها المرجعيات، وتتراجع فيها سلطة القيم العليا، تتفكك القدرة على التمييز بين ما ينبغي فعله، وما يتعين اجتنابه، فيتحول النقاش من سؤال: ما هو الحق؟ إلى سؤال: ما الذي يناسب مصالحنا؟، ومن سؤال: ما هو الفساد؟ إلى سؤال: هل يمكن تبرير الفساد؟
عند هذه النقطة يصبح الجدل حول الحق بذاته علامة على انهيار المعايير، التي تحمي الوعي العام من العبث !!
▪️ حين تُهدم الحدود الأخلاقية، يبدأ الإنسان بإعادة صياغة المفاهيم، لتنسجم مع هواه، فيُلبس الفساد لباس المصلحة، ويعاد تقديم الانحراف باعتباره «حرية»، ويُغلف الظلم برداء «الواقعية».. إن تكرار هذا الخطاب، وتداوله دون مساءلة، يجعل الناس يتقبلون ما كانوا يستنكرونه، ويعتبرون الباطل خياراً مشروعاً بين خيارات عدة.
▪️ هنا يفقد الحق مكانته كمرجعية عليا، ويتحول إلى مجرد رأي بين آراء، ويصبح الفساد شيئاً نسبياً يحتمل التأويل.
▪️ إن الجدل حول الحق ليس مؤشراً على غموضه، بل على غشاوة في النفوس تحجب صفاء الرؤية؛ فحين يضعف الوازع الداخلي، يصبح الإنسان قابلاً لأن يختلق آلاف المبررات لسلوكيات يعلم في قرارة نفسه أنها فاسدة.. عندئذ يتساوى لديه المعروف والمنكر، لا بحكم الحجة، بل بحكم الهوى !!
▪️ وهذا ما يجعل بعض المجتمعات تنزلق إلى حالة يختلط فيها المعيار، حتى يصبح صوت الحق هو الأضعف، رغم وضوحه.. وعند هذه النقطة يصبح الجدل حول الحق بذاته علامة على انهيار المعايير، التي تحمي الوعي العام من العبث !!
▪️ هنا يفقد الحق مكانته كمرجعية عليا، ويتحول إلى مجرد رأي بين آراء، ويصبح الفساد شيئاً نسبياً يحتمل التأويل.
▪️ إن مواجهة هذه الظاهرة لا تبدأ بالقوانين ولا الشعارات، بل باستعادة ما يمنح الحق وزنه الحقيقي: الضمير الحي، والوعي القيمي، وتفعيل مساءلة الفرد لنفسه، قبل مساءلة المجتمع له، فالمعايير الأخلاقية ليست ترفاً، بل هي البنية التحتية للمجتمع.
▪️ مجمل القول إن الأمم التي تعيد الاعتبار للقيم، تتجاوز مرحلة الجدل حول الحق، لأنها تدرك أن الحق ليس مجالاً للمساومة، وأن الفساد ليس رأياً، بل خطيئة تفسد حياة الفرد والمجتمع على السواء !!
🔴🔴🔴🔴
▪️ رؤية قلمية:
د.محمود عبد الكريم عزالدين
زر الذهاب إلى الأعلى