مقالاتمميز

«افتكاسات» الإعلامي تامر أمين كارثة كبرى وصفعة قوية على وجه الثقافة المصرية

بقلم: محمد ناجي المنشاوي 

فجأة فاضت كثير من حسابات التواصل الاجتماعي بكلمات عجيبة منسوبة إلى الإعلامي تامر أمين، خلاصتها أنه يتساءل في استنكار عن مدى أهمية احتواء مقرراتنا الدراسية على مادة التاريخ والجغرافيا والفلسفة والمنطق، زاعما عدم جدواها لطلابنا، بدعوى أنها عديمة النفع في سوق العمل.. وقد نسي أن يطالب بمحو مادة اللغة العربية مادامت القضية تتعلق بالبحث عن فرصة عمل بعد التخرج في الجامعة !!

ولو جاءت هذه التساؤلات والمطالب من واحد جاهل من السوقة والجهلاء أو  حتى تلميذ من تلاميذ المدارس، لربما التمسنا له العذر لضعف الإدراك ونقص الوعي، أما وقد صدر عن واحد من المسؤولين عن تشكيل وجدان الأمة والارتقاء بوعيها وأصول هويتها، فتلك هي الطامة الكبرى، والصفعة القوية على وجه الثقافة المصرية وإعلامها، ليكشف لنا «تامر» -وهو من أسرة إعلامية محترمة – عن عوار واسع الرقعة في عقلية بعض من إعلاميينا، الذين يمثلون خطرا داهما على عقول المصريين.

ولا أظن أن «تامر» بعد تجربته الإعلامية الطويلة يجهل فداحة الدمار الذي يلحق بأمة يجهل أبناؤها تاريخها وجغرافيتها، ولم يُرَبَّوا على التفكير المنطقي ولا  على العقل الفلسفي المُهَيَّأ لتكوين رؤية عميقة للحياة، فهذه المطالب تطعن في عقول أبناء الأمة وفي وعيهم الغض البرييء.

والجدير بالذكر أن وزير التعليم الأسبق الراحل حسين كامل جعل مادة التاريخ مادة اختيارية؛ ما حدا بالطلاب أن يعزفوا عن دراسته إلا القلة القليلة منهم فترتب على ذلك تخرج جيل منبت الصلة عن تاريخ بلاده، إلى أن تم نسخ هذا النظام فعاد التاريخ إلى مكانته الأولى.

والواقع أن الأمم التي لم تع معنى التاريخ وغايته تضاءل حجمها بين الأمم، وخاصة في ظل تحديات طوفان العولمة الذي يقتل هويات الأمم المستضعفة لتسلس قيادتها للاستعمار وهيمنته، ولتتحول شعوب المنطقة إلى مسوخ لا معنى لها، وتزداد انبطاحا لما تمليه عليها إمبريالية تغير جلدها سريعا ونحن نلهث وراءها حتى تقطعت أنفاسنا وراء اوهام التقدم العلمي والتكنولوجي الذي لا يتحقق إلا لأمة تصمد أمام كل محاولة لتجريف تاريخها.

ويقدم لنا الكاتب كمال حبيب خلاصة تقرير أعدته مجموعة من الخبراء السياسيين الأمريكيين البارزين والذين يعرفون بـ(مجموعة الـ 19)، وتم رفعه إلى جهاز الأمن القومي الأمريكي الذي بدوره قدم عدة توصيات ورفعها للرئيس الأمريكي الذي وافق عليها ومنها ما يأتي:

(ضرورة تغيير مناهج التاريخ في البلدان العربية والإسلامية  وشعوب العالم الثالث (المستعمرات القديمة) والتركيز على تاريخ العلم والثورات العلمية والعادات والتقاليد دون الحديث عن مراحل الاستعمار أو تقديم (القتلة )، (يقصد ابطال هذه الشعوب وشهداءهم) بل يجب بدل ذلك ترسيخ إيجابيات الحضارة الغربية ودورها الرائد في التأثير على الشعوب العربية والإسلامية، وإلزام المَرَاجٍع الدينية (علماء المسلمين ) بالتركيز على الفروع المتعلقة بالعبادات بحيث يظل الدين علاقة بين المرء وربه دون أن يتجاوز ذلك إلى أي فعل يتصل بنهضة الأمة أو هويتها أو الدفاع عنها )فتلكم هي الخطة الأمريكية أو بمعنى أدق المخطط الأمريكي لتركيع العالم الإسلامي عن طريق تشويه تعليمه وتوجيهه وفق الهوى الأمريكي والغربي.

 ويشير الدكتور سعيد عبد السلام العكش في دراسة له عن الوضع التاريخي للقدس في منهج  (التعليم الإسرائيلي) إلى أنه قد حاول واضعو المقررات الدراسية اختيار المراجع التي يحمل لها التلاميذ (الصهاينة ) قدرا من التقديس والتبجيل لتأصيل الوجود اليهودي في القدس الأمر الذي يمكنها من غرس الأفكار التي تريد زرعها في عقول تلاميذها فاستعانت بأسفار العهد القديم والتفاسير اليهودية وكتب الصلوات والأشعار).

ويقول الأستاذ المحجوب بن سعيد: تعد المقررات والكتب المدرسية المرتبطة بمادة التاريخ المجال الأكثر تناولا لصورة الإسلام والمسلمين وقد استنتج الباحثون أن معظم الدول الغربية تشيد بتاريخها المجيد  وتندد بتاريخ الآخر وتشوهه عمدا أو بدون عمد وأجمعوا على اعتبار أن هذه الظاهرة خطيرة وأطلقوا عليها مصطلح  (Eurocentrisme) أي المحورية العرقية الأوربية التي تجعل من أوروبا محور العالم والثقافة والتاريخ، وتهميش تاريخ الشعوب العربية والإسلامية، وفي اليابان نجد مناهج تتطلب نسبيا دراسة كل من التاريخ الياباني والعالم.

 وقد ساهمت هذه الخبرة إلى حد كبير في التوسع والتعمق بدراسة منهج التاريخ في اليابان وفي النظام التعليمي البريطانيIGCSE يدرس الطلاب المنهج الوطني الذي يحتوي على مواضيع تتعلق بالمملكة المتحدة مثل التاريخ البريطاني، فهل بعد كل ذلك أطل صهيوني أو أمريكي أو بريطاني أو ياباني برأسه ونادى بأعلى صوته بعدم  جدوى التاريخ في بلاد حققت منجزا علميا وتقنيا مذهلا للعقل البشري ؟!

أو أنهم قالوا: لقد تقدمنا وليس للتاريخ دور في ذلك فهيا بنا نلقيه في المحيط لأنه غير ذي نفع في سوق العمل ؟! كما يدعو مذيعنا تامر امين أو من يسير في ركبه، كفانا لهوا وعبثا فالأمم التي ليس لها تاريخ تخترع لنفسها تاريخ ونحن أعرق أمة في التاريخ وإن تاريخنا من الاتساع والقدم والعراقة والشرف لو  وُزٍّع على جميع أقطار الأرض لكفاها وفاض، إنني لا أريد أن يشتط بي الشك فأفترض أن (تامرا )  يمهد الأرض أمام توجه جديد يشق له طريقا قادما من الجحيم، يترصد لتاريخنا ومقدراتنا، ليكمل لكماته لنا بضربة قاضية تمحونا من الوجود !!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى