إن ما أفرزته مؤخراً ظاهرة إرتفاع أسعار النفط العالمية هو زيادة معاناة العالم وفي القلب منه منطقة الشرق الأوسط بإحدي جناحيها العربي والإسلامي من أزمة الغذاء المزمنة والطاحنة والتي إكتوت اقتصادياتها بنيرانها مؤخراً تحت وطأه جائحة ( كوفيد – 19 ) والتغيرات المناخية الحاده كالجفاف والتصحر والفيضانات والحرائق والزيادة السكانية غير المتوازنة مع الموارد الطبيعية وضعف الإنتاجية الزراعية وإرتفاع معدل استهلاك الغذاء والتحول في الزراعة من انتاج المحاصيل الغذائية إلي المحاصيل التي تستخدم في صناعة الوقود الحيوي ….إلخ والتي كان ضحيتها معاناة 155 مليون شخص في 55 دولة من نقص حاد في الغذاء خلال عامي 2020 / 2021 أي بزيادة 20% عن عام 2020م ولا تزال أفريقيا هي القاره الأكثر تضرراً من نقص الغذاء حيث تضرر 98 مليون شخص أو 63% من الحالات العالمية وكما يمثل إرتفاعاً بنسبة 54% مقارنة بعام 2019 وذلك وفقاً لما أشارت إليه العديد من التقارير الدولية وبخاصة الصادر عن الإتحاد الأوروبي ومنظمة الأغذية والزراعة ” الفاو ” وبرنامج الأغذية العالمي لعام 2021 م .
( ومع ارتفاع أسعار النفط في الآونة الأخيرة إرتفعت أسعار السلع الغذائية إلي أعلي مستوي لها منذ عشرة سنوات مما يهدد بتسارع معدل التضخم وزيادة التكاليف علي المستهلكين خاصة مع إرتفاع تكاليف الشحن والنقل البحري والجوي وهذا ما أكدته تقارير موقع ” أويل برايس ” ( Oil Price ) الأمريكي من أن إرتفاع أسعار السلع في جميع المجالات المصاحب لإرتفاع أسعار النفظ خلال الثلاثة أشهر الماضية لم ينتهى بعد خاصة مع توقعات بإرتفاع معدلات التضخم المالي وضعف الدولار الأمريكي والسياسات النقدية المتساهلة من قبل البنوك المركزية وتراجع الإستثمار في إمدادات النفط المتوقعة لعام 2025م بنحو 9 ملايين برميل وتوقعات بزيادة الطلب علي النفط بفعل مخاوف الأسواق علي الإمدادات مع خروج العالم ببطء من أزمة
كوفيد – 19
(وعلي ضوء كل ذلك نجد أن إرتفاع أسعار النفط عالمياً وما يترتب عليه من إرتفاع تكاليف النقل البحري ثم تكاليف النقل الداخلي للبلدان المستورده لكميات كبيرة من الغذاء مثل مصر وكل الدول العربية التي تستورد أكثر من 60% من غذائها ، كل ذلك يؤدي إلي إرتفاع أسعار الغذاء وربما نصل إلي أزمة غذاء عالمية جديده في عام 2022م ليتكرر السيناريو العالمي لأزمتي الغذاء في عام 2008م ثم عام 2010م ، ومن هنا نجد إرتفاع في أسعار مجمل الغذاء بنسبة 1.2 % خلال شهر سبتمبر 2021م مقارنة بشهر أغسطس 2021م بينما بلغت نسبة الزيادات 32.8% مقارنة بأسعار سبتمبر في عام 2020م وبالمثل زياده أسعار الحبوب بنسبة 27% وزيوت الطعام بنسبة 60% واللحوم والدواجن بنسبة 26% والسكر بنسبة 52% عن العام الماضي طبقاً لبيان أسعار الغذاء لمنظمة الفاو في أكتوبر 2021م وهو الأمر الذي يستلزم الرقابة علي الأسواق وتطبيق سياسة الفاتورة الجديدة التي طبقتها الإمارات في أزمتي الغذاء 2008 و 2010م مع العمل علي زياده مظلة الحماية الإجتماعية للطبقات الفقيرة ومعدومي الدخل إضافة إلي ذلك لا بد أن تتكامل السياسات الدولية في مجال إنتاج الغذاء وتسويقه ونقله وتخزينه ورقمياً ومن أجل القضاء علي أزمة الغذاء العالمي يحتاج العالم إلي زيادة سنوية في الإنتاج الزراعي العالمي بنسبة 70 % حتي عام 2050م لإطعام 9 مليارات نسمة وهو عدد السكان المتوقع في ذلك العام ومن هنا فإن الحاجة ملحة الآن لإتخاذ تدابير عاجلة لمواجهة أزمة الغذاء العالمية وهذا يتطلب في المقام الأول أن يضع العالم أجمع أزمة الغذاء علي قمة أولويات أجندته السياسية وفي هذا السياق فإنه في سياق إرتفاع أسعار النفط في العالم وبالتالي إرتفاع أسعار المواد الغذائية إلي معدلات غير مسبوقة فإن الأمر يتطلب مساعده فورية للدول الفقيرة التي تعاني من هذا الإرتفاع الذي ق يتسبب في نشوء حالة من عدم الإستقرار السياسي في تلك الدول كما أنها ستكون أرضاً خصبة للإرهاب والإرهابيين كما أن هناك حاجة لبذل الجهود لحماية الإنتاج الغذائي العالمي من التقلبات والتغيرات المناخية وكوفيد – 19 وغيرها من التحديات الحالية والمستقبلية إضافة إلي ذلك فإن من أهم الحلول لمعضلة الأمن الغذائي هو الإهتمام بالإستثمار الزراعي لدوره في توفير الغذاء والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي العربي . مع تبنى العديد من المبادرات لحسن تعامل القطاع الزراعي مع تحدي التغير المناخي ومن أبرزها مبادره البنك الدولي المعروفة ب ” الزراعة الذكية مناخياً ” والقائمة علي تقليل الهدر الغذائي والتحسينات الجينية لتطوير العديد من الأصناف الزراعية القادره علي تحمل الجفاف مثل ” زراعة الأرز الهوائي ” كما في الصين وجنوب وغرب ووسط آسيا وغرب أمريكا مع العمل علي إصلاح القطاع الزراعي لرفع الإنتاج والإنتاجية وتحقيق الإكتفاء الذاتي وبناء إحتياطيات غذائية إستراتيجية لمواجهة نقص الإمدادات الغذائية وزياده الأسعار .