أرانا نتحدث كثيراً عن المرأة: حقوق المرآة، تمكين المرأة، عام المرأة؛ فضَّلها، فَيضُها، تضحيتها، كأم، كزوجة، كابنة؛ فهى نصف المجتمع، سيدته، حصنه الواقي. في أعيادها نفتخر بتكريم الدين الإسلامي لها بأن تناول شؤؤنها في أكثر من عشر سور، معدداً أسماءها لتكريمها؛ فهى “المرأة، والأنثى، والأم، والوالدة، والزوج، والأهل، والحليلة، والصاحبة، والأخت، والبنت”، ثم هى “النساء” جميعاً.
وهى التى تساوت مع الرجل في السعى لنيل المبتغى الأخير: “وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ” (غافر: 40)، ليعلن الرسول الكريم: “إن النساءَ شقائقُ الرجال”.
كما أن تكريمها بالمساواة مع الرجل في الكتاب المقدس لا تُخطئه عين: “غَيْرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ فِي الرَّبِّ لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ مِنَ الرَّجُلِ، هَكَذَا الرَّجُلُ أَيْضاً هُوَ بالمرأة (كورنثوس 12-11: 11).
ولكن يبدو أن شجرة هذا التراث الديني الوارفة التى تظلل حقوق المرأة وتحميها ينخر في جزعها ديدان موروث ثقافى عربى يأبى إلا أن يعيدها إلي حيث: “وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلاْنْثَىٰ ظل وجهه مسوداً وهو كظيم (النحل 85).
ألا نرى ذلك مجسداً فيما نراه يومياً من تحرش جنسي، واعتداء لفظى وجسدى تتعرض له فتياتنا ونساءنا؟ أليس ختان الإناث، والعنف الأسرى ضد المرأة، وزواج القاصرات تمييز بغيض ضدها؟ ثم من أين أتى يقين أنهن “أكثر أهل النار”، وأنهن “ناقصات عقل ودين”، وأنهن بنات “حواء التى أخرجت آدم من الجنة”؟
من الذى منحها لقب “عانس” عندما امتنعت عن الزواج، ومنعها من السفر للخارج بدون إذن ولي أمرها، وبحث عن أعذار قاتلها تحت ذرائع الشرف؟ ثم من الذى جاء بأمثلة شعبية مهينة صارت مكوناً لوعينا الجمعى مثل: “يا مخلفة البنات يا شايلة الهمّ للممات”، “لمّا قالوا بنية إتهدت الحيطة عليّا”، “البايرة لبيت أبوها”، “البنت يا تسترها يا تقبرها”، “أم البنت مسنودة بخيط وأم الولد مسنودة بحيط”، “البنية بلية”؟
أليس كل ذلك نتاج ثقافة ذكوريّة عربية متجذرة انتصر فيها الثقافي على الديني، فتم وأد الأنثى معنوياً بعد أن نجت من وأدها جسدياً؟ ألم يقم هذا المجتمع العربي الأبوي بأدوار بطولية لقمع وقهر المرأة وهو القانع بأنه الحارس الأمين؟
لا نريد كبتاً لمقاليد المرآة يولد انفجاراً. لا نريد فتاة ثائرة علي تقاليدها الذكورية هروباً إلى هوةٍ لا ندرى عواقبها. لا نريدها تابعة للذكر، خانعة لإرادته أينما ولت لشعورها أنها “مشروع عار”. فإن كنّا نفتخر بفضلها في إدارة شئون البيت، وتربية الأجيال، فحرىٌ بِنَا أن نمكنها أيضاً من إدارة شئون نفسها كنصف كامل متكامل في المجتمع، آم أننا كنّا وما زلنا حراساً مدججين علي “بهية” لتظل “مظلومة البِنيّة”؟
الأستاذ الدكتور/ أسامة مدني- مصر
زر الذهاب إلى الأعلى