مقالات

شيء من الخوف !! (بقلم: إسماعيل محمد- مصر)

تبدو لي الحياة أحيانًا كما لو أنها ليلة واحدة طويلة تنامها البشرية، وتستيقظ في حلم آخر، الحقيقة منيعة عن الجنس البشري، لكنها دائمًا تحدِّق إلينا بجفون مفتوحة. أحتاج الكثير من التفكير للتعمق في الحقيقة، لكن القليل من الكلمات قادرة على قول ما هو أساسي، والشيء الأساسي هو أنني أُفضِّل الحياة على الحقيقة، أفضل الوجود على الفكر، أفضِّل الإحساس بالغيوم على فهم الغيوم. التأجيل بالنسبة لي يعني التشبُّث بالحياة، رفض الحقيقة. أعتقد أنه من رحمة القدير بنا أنه منَحَنا هذه النعمة: التيه، القدرة على النسيان، التأجيل الدائم لمواجهة الحقيقة.
قد يكون الإنسانُ جميلًا، وْلكنه ثقيل الدم. وثقل الدم معناه انغلاق العقل، أمّا خفّة الظلّ، فتعني الفكر المُتجدّد الإبداعي، تعني ذكاء الوجدان، وذكاء الوجدان معناه الإحساس بالآخر والمُراعاة والمرونة واللباقة. ولذا، فإنّ فطنة الوجدان، مِن أهم عوامل نجاح الزواج. أنتَ لا تُهمِل الحياة مع إنسان ذكي وجدانيًّا، فالحياة معه تكون سهلة، مُريحة، ممتعة، مرحة، مُتجدّدة، مضيئة، مُطمئِنّة. حياة المتقاربين فكريًا ليس بها مرارة، وإن ظلّلتها غمامة فسرعان ما تمر.
الناس لا يَسْعون إلى الاكتفاء إلّا لأنهم يرونه خيرًا، ولا يسعون إلى القوة إلا لأنهم يعتبرونها خيرًا. السبب الرئيس إذن لطلب هذه الأشياء جميعًا هو الخيرية؛ لأن ما ليس خيرًا لا يمكن لأحدٍ أن يرغب فيه، وإذا كان الناس يتوقون أحيانًا إلى ما ليس خيرًا فلاعتقادهم الخاطئ أنه خير، وما دام الناس يرغبون في كل الأشياء من أجل الخير الذي فيها، فلا أحد يرغب فيها بقدر ما يرغب في الخير نفسه.
أتذكر الفنان الجميل محمود مرسي في شخصية(عتريس) في فيلمه (شيء من الخوف)الذي تم إنتاجه عام ١٩٦٩م، ذلك الطفل البريء، ينمو وينضج لتتبدل شخصيته العطوفة بصورة طبق الأصل من جده في قسوته، بطشه، جبروته، وتسلطه على حياة أهل قرية الدهاشنة بالإرهاب الذي يفرضه عليهم. يقع عتريس في غرام فؤادة منذ الصغر ولكنها ترفضه بعد أن تَشبع بروح وأعمال جده المستبدة.
‏مع كلّ نهاية سنة ينتابنا الخوف إياه من مواسم البهجة لقد تربينا على الخوف من الفرح، فكبرنا ونحن نحطاطُ من ضحكاتنا، ونسيء الظنَ بغدنا، ونرشو المستقبل بتشاؤمنا، عساه يخالف توقّعاتنا.
أمّة لا تثق في أفراحها، وترتاب من الشرائط الحمراء.
‏من في العام الماضي تنازل عنكم دقيقة تنازلوا عنه إلى الأبد، فالذي يقبل بدقيقة يقبل بأكثر، والذي لا يقيس الوقت العشقيّ بلهفة ساعة رمليّة، دعوه يتسرّب من بين أصابعكم دون ندم، فما هو إلّا حفنة رمل.
‏يتناقص الأصدقاء عاما بعد عام ، بعضهم سقط من القطار، وآخرون سقطوا من القلب، لا وقت لي لأنتشل أحدا، لذا أحتفظ بدفتر تعيد الأيام تشكيل أرقامه كنت لا أكترث لفوضاه، ولأرقام كتبتُ بعضها دون أسماء، لشدة معرفة أصحابها وها أنا حائر لا أدري لمن هي..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى