أقلام القراء

التعليم الفني.. وفن التعليم (بقلم: وليد النحاس الهواري- مصر)

عندما نشاهد الطائرة للمرة الأولى على الفور، تقفز حكايات ألف ليلة وليلة إلى أذهاننا، وطائر الرخ الخرافي يمسك بأحد مخالبه البطل لينقذه من وادي الثعابين.. وحين تطير بنا الطائرة فإننا نتذكر بإشفاق هذه المرة ومؤلفي ألف ليلة وليلة يتباهون بقصة البساط السحري التي لن تخطر على عقل بشري من قبل.

 

ولأن الحضارة الانسانية في الأساس كان محركها الرئيس هو الفضول الإنساني والدهشة التي تدفعنا لمعرفة أصل الأشياء.. نلاحظ أن الأخوين رايت هما مخترعا هذا الاختراع الأسطوري، وهما صاحبا محل دراجات في الاساس وهنا تلفظنا الأساطير إلى الواقع ويُثار سؤال: ما هو مستقبل التعليم الفنى فى العالم العربي ؟

 

وفي هذا الصدد، أحب أن أنوه بأن الحضارة الإسلامية فى أوج عظمتها وقوتها فى عهد عمر بن الخطاب الذى كان يفكر أن يجعل تعلم الحرف شيئًا لازمًا لكل مسلم سواء كان غنيا أم فقيرا.. ولا أدرى السبب من هذه الرغبة التي كانت مُلِحّة عليه وقتها.. لكنني الآن وبعد مرور تلك السنين جميعا وبعد ما وصل إليه العلم فى العالم؛ أستطيع أن أستشف الأسباب التي ربما كانت لديه وقتها  وأخلطها بأسباب ضروريتها الحالية ولكن في إطارها التعليمي السليم.

وإن كان وقتها يعتقد عمربن الخطاب أن تعلم كل فرد في أمة الإسلام حرفة هو ضامن لكل فقير من الاحتياج والعوز وباب لكل غني إذا ما مال عليه الدهر وأيضا باب آخر له في استثمار ماله بما ينفع المجتمع.

وبمرور سريع أيضا على باقي الحضارات مثل الصين التى تباهي العالم كله بمزهريات أسرة منج التي أنتجها حرفيون فى الأساس وكذلك آلاف الاختراعات التي قام بها حرفيون في الأساس والتى تحفل بهم سجلات المُخترعين الأوربيين.

لم يقف الأمر عند هذا الحد فقط، ولكننا نرى في أوروبا كلها نقابات العمال قوية ولها صوت مسموع ورأي مؤثر.

أما في عالمنا العربي وفي مصر تحديدا كان لابد أن نواجه أنفسنا بالحقيقة بغية تعديل المسار والوصول إلى النجاحات.

وفي هذا الإطار، لا أنكر  أن جهودا تُبذل فى التعليم الفنى فى مصر ولكن الآن وفى ظل الثورة المعلوماتية الراهنة التى جعلت العالم كله قرية صغيرة؛ كان لابد أن نضع أصبعنا على وضع منتجاتنا في التعليم الفني، ومدى قبولها في سوق العمل؛ سواء المحلية أو العالمية؛ لأن هذه هي الشهادات الحقيقية بمدى النجاح الذى يحققه هذا التعليم.

وبالنظر إلى حال التعليم الفنى ومخرجاته فى مصر، أستطيع هنا أن أؤكد أنها على غير المستوى المطلوب، لكن هناك مشكلة كبرى لابد من حلها أولا قبل أن نتطرق الى الوسائل التعليمية والمباني هذه المشكلة الرئيسة هي نظرة المجتمع المصري إلى مرتادي المدارس الفنية.

ذلك أننا فى مجتمعاتنا العربية وفى مصر ايضا عندنا  موروث كبير عن فكرة التاريخ الشخصي للإنسان فى طور تقييمه والتعامل معه، فنهتم بموقفه المالي وتحصيله الدراسي، ووضعه الاجتماعي والعائلي.. وهذا الأمر اختفى تماما من  العالم المتحضر الذي أزاح في وجهه تلك العقد في سبيلها إلى التقدم.

وعندنا هنا في مصر التى تبنى الآن مازال المجتمع ينظر إلى التعليم الفنى على أنه أقل كثيرا من التعليم العام، وأنه سبيل غير الموفقين في دراستهم، وأيضا بالقطع لا يخفى على أحد  ذات النظرة حتى بين الجامعات نفسها والكليات أيضا فبعضها كليات قمة والأخرى ليست كذلك.

هذه النظرة غير المُنصفة للتعليم الفني فى مصر جعلت كثيرًا من أبنائنا النابهين عازفين  عن الالتحاق به رغم أنهم قد يشكلون فارقًا كبيرًا في النمو الاقتصادي لمصر خاصة وأن هناك الآن تقبلًا لأن يكون هناك اختراعات ومخترعون مصريون.

ولأن العلم قام بالأساس على فكرة التجريب والخطا والتعلم من تجارب الآخرين فيكفينى مثل ألماني يقول: (الإسكافي الناجح خير من الطبيب الفاشل).. وأيضا المقولة الشهيرة للرئيس الأمريكي جيفرسون: (لا يهمني لونك ..لا يهمني دينك.. يهمني أن تقدم للولايات المتحدة أفضل ما عندك ..فتقدم لك أفضل ما عندها).

وأيضا أن الشيء الذى تنظر إليه الولايات المتحدة بعين الريبة، هو تفوق العمالة الغنية الصينية على العمالة الفنية الامريكية.

وفي النهاية؛ يأتي دور المثقفين في توعية المجتمع بأن التعليم الفني الذي يقع الآن تحت دائرة الاهتمام هو  أحد ركائز البناء في مستقبل هذه الأمة وليست عبئا عليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى