ملفاتمميز

الدور الإسرائيلي في قضية سد النهضة الإثيوبي.. الحقيقة والأبعاد!!

شارع الصحافة/  إعداد- علي الحاروني  

لقد أصبحت قضية سد النهضة الإثيوبي ذات أبعاد إقليمية وعالمية خطيرة، وذلك لتعدد الفاعلين واللاعبين المؤثرين فى تلك القضية سواء من حيث التمويل لبناء السد أو حجم المستفيدين من مشروعاتها، خاصة فيما يتعلق بالطاقة والكهرباء والمياه، أو لأبعادها وتداعياتها الفنية، والبيئية، والمناخية، والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية سواء على المستوى العربى الإفريقي أو الإقليمي أو الدولي.

  ومن هنا فإنه من الأهمية بمكان معرفة القوى الإقليمية والدولية التى تقف خلف كواليس أزمة سد النهضة والتي تحرك أحداثها ومساراتها وتوجهاتها وسر تعنت الجانب الأثيوبى فى ذلك وتهميش دور القوى الدولية الكبرى في هذه القضية سواء بصورة مقصودة أم لا ولعل مجريات الأحداث أثناء عرض هذه القضية على مجلس الأمن ما يؤكد ذلك – وهنا يثور التساؤل حول الدور الإسرائيلي فى هذه الأزمة هل هو دور وهمي أم حقيقى ؟ وما أهدافه وحدوده ؟ وكيفية التعامل المستقبلي معه ؟

 الدور الإسرائيلي في أزمة السد يتنازعه اتجاهان:

– الاتجاه الأول: وهو المؤيد لدور إسرائيل فى أزمة سد النهضة الإثيوبى ويدلل على ذلك بأن ذلك يحقق لإسرائيل أطماعها فى المياه العربية والحصول على نسبة من مياة نهر النيل لتحقيق أمنها المائى خاصة وأن نهر النيل هو أحد أعمدة ما يسمونه بـ(إسرائيل الكبرى).

 ويشير فى ذلك إلى أن تلك الأطماع الصهيونية فى مياه نهر النيل لها جذور تاريخية تعود إلى عام 1903م منذ هرتزل ثم تجديد الدعوى في سيتينات وسبعينيات القرن العشرين لنقل المياة إلى المستوطنات الإسرائيلية وهو ما يعرف بمشروع ( اليشع كالي ) عام 1974 لنقل 1% سنوياً من مياة النيل إلى المستوطنات الإسرائيلية فى قطاع غزة والنقب والضفة الغربية.

 ثم تكرر ذلك على يد الخبير الإسرائيلي (أرلوزورف) عام 1977م وإلى الآن تحاول إسرائيل تأمين المياة لمستوطناتها خاصة وأنها تعانى من عجز مائى خطير حيث يحتاج إلى تأمين زيادة المياة إلى 600مليون م3 كل عام.

ومن أجل إحياء المشاريع الإسرائيلية التوسعية وأطماعها في مياه النيل، وجدت ضالتها في أزمة سد النهضة المرتبطة بنهر النيل وذلك من أجل فرض سياسة الأمر الواقع ووجودها السياسي والأمني والاقتصادي والتكنولوجي فى المنطقة، إضافة إلى أن التدخل الإسرائيلي فى أثيوبيا يحقق لها ممراً ومنفذاً لها في أفريقيا سياساً وأمنياً وعسكرياً يكون داعماً لها في صراعها المستمر بالمنطقة، من خلال تعاونها مع دول أفريقية مثل أثيوبيا وإريثريا وجيبوتي.

 وقد تعزز ذلك إزاء التدخلات وتهديدات منطقة البحر الأحمر ولا سيما فى اليمن ويدلل هذا الدور الإسرائيلى وقائع إجراءات عملية إتخذتها إسرائيل على أرض الواقع تمثلت فى الدعم التكنولوجى لأثيوبيا وهو ما صرح به رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتيناهو أمام البرلمان الإثيوبي فى يوليو 2016م بالإشارة إلى استعداد إسرائيل لتقديم الدعم السياسي لإثيوبيا من خلال إدخال نظام الري الحديث بها.

  إضافة إلى استحواذ إسرائيل وشركاتها على عقود إدارة محطات الكهرباء فى اثيوبيا بما في ذلك سد النهضة, علاوة على وجود 240 مستثمراً إسرائيلياً يعملون في إثيوبيا بمجالات الرى والكهرباء والمياه فضلاً عن تنفيذ مشروعات رى ضخمة منن خلال المياة الإثيوبية بعد إتمام بناء سد النهضة وبالتوازى مع تمويل 200 مليون دولار لتطوير أنظمة الرى بها.

– وأخيراً فإن إسرائيل ترغب فى توسيع تفوذها فى منطقة الشرق الأوسط والهيمنة على مصادر الطاقة للتحول إلى مركز إقليمى للطاقة والصناعات التكنولوجية المتقدمة والمساهمة  فى إعادة هيكلة النظام الإقليمى للقيام بدور فاعل فى التفاعلات الإقليمية الشرق أوسطية خاصة بعد تطوير علاقاتها مع الدول العربية وتوقيع إتفاقيات للسلام مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب ومما يجعلها تتحرك بقوة للقيام بدور محورى فى الترتيبات الأمنية الجديدة وهو ما تجلى فى قيام إسرائيل بإستكمال نشر منظومة الصواريخ الإسرائيلية.

 ( spyder – MR ) حول سد النهضة وفقاً لما أشار إليه موقع ديبكا الإسرائيلى فى يوليو 2019م ولا ينفصل ذلك عن قيام إسرائيل بتقديم الدعم فى 24 يناير 2021م لنشر أمريكا بطاريات من منظومة “القبة الحديدية” الدفاعية فى قواعد عسكرية أمريكية فى عدد من الدول الشرق أوسطية وشرق أوربا والشرق الأقصى وإعلان وزارة الدفاع الأمريكية فى منتصف يناير 221م من نقل إسرائيل من مسئولية القيادة الأوربية إلى منطقة القيادة المركزية التى تشمل الشرق الأوسط وأفغانستان لتعزيز مكانة إسرائيل فى المنطقة.

– الاتجاه الثانى وهو الإتجاه المعارض لوجود أى دور إسرائيلى فى أزمة السد الإثيوبى: لأن إسرائيل لن تجنى أية ثمار من وراء هذا التدخل, وأن ما يقال عن أن إسرائيل تريد أن تحصل على حصة من مياة نهر النيل لتوصيلها إلى صحراء النقب والمستوطنات الإسرائيلية فى فلسطين هو غير صحيح بدليل فشل إسرائيل فى تحقيق ذلك منذ إعلانها, علاوة على أن ذلك يعطى لإسرائيل مكانة أكبر من حجمها خاصة وأن عديدا من الدراسات تشير إلى قرب إنتهاء هذا الكيان الوهمى وأن القول بدور إسرائيلى فى أثيوبيا يعنى تجديد العمر الزمنى لإسرائيل وإطالة عمر هذا الكيان وتحقيق حلم إسرائيل فى إنشاء دولة صهيونية من النيل إلى الفرات وفى ذلك تهديد للأمن القومى المصرى.

وعلى ضوء الإتجاهين المؤيد والمعارض للدور الإسرائيلى فى أزمة سد النهضة يمكن وضع محددين لمعرفة حقيقة هذا الدور:

الأول: أن إسرائيل تعانى من إضطرابات سياسية وعدم إستقرار داخلى حيث عقدت الإنتخابات البرلمانية المبكرة فى مارس 2021 م وسط إنقسامات داخلية حادة مع تصدع كتلة اليمين السياسى وترقب متصاعد لمحاكمة نتنياهو فى إتهامات بالفساد, هذا علاوة على توسع خريطة التهديدات الأمنية لإسرائيل والتخوف من إنحسار الدعم الأمريكى للسياسات الإسرائيلية فى عهد بايدن خاصة فيما يتعلق بقضية الإستيطان والملف النووى الإيرانى.

الثانى: الرغبة الإسرائيلية فى لعب دور فاعل ونشط فى النظام الإقليمى خاصة فيما يتعلق بمجريات الاحداث فى منطقة الشرق الأوسط بعد تحسن علاقاتها مع الدول العربية وتوقيع إتفاقات سلام معهم إلى جانب رغبتها فى الاستثمار والتعاون الإقتصادى والتجارة الخارجية والهيمنة على مصادر الطاقة وهو ما سيؤثر فى توجهاتها وموافقتها تجاه القضايا المثيرة للجدل إقليمياً مثل ضم المستوطنات فى الضفة الغربية والإستبطان رغبة منها فى تعزيز مكانتها فى التفاعلات الإقليمية لا سيما مع التقارب مع الدول العربية.

ومن هنا ستتخذ إسرائيل موقف متوازن من قضية سد النهضة وموقف محايد بمعنى أنها ستسعى إلى تحقيق مصالحها المائية والسياسية والإقتصادية والإستثمارية وإشباع رغبتها فى التحول لمركز إقليمى للطاقة والصناعات التكنولوجية المتقدمة, مع الإحتفاظ بعلاقات وطيدة مع دول الحوار العربية والأفريقية خاصة مع تخوفها من السياسة الخارجية لإدارة بايدن وممارسة ضغوط عليها فيما يتعلق بالملف النووى الإيرانى وقضية الإستيطان وملف مفاوضات السلام وقضية سد النهضة.

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى