ظهرت في يوم السابع والعشرين من شهر يوليو الماضي لعام 2021 الطبعة الأولى من كتاب حديث مهم لكل محبي الفنون والثقافة والعلوم، ويدور عن أكثر السيدات تأثيرا في مجتمعهن وعلى مستوى الشرق الأوسط كاملا بدءا من الحضارة المصرية القديمة وحتى هذه اللحظة الراهنة.
يحمل هذا الكتاب المكتوب باللغة الإنجليزية عنوان: Female Pioneers from Ancient Egypt and the Middle East/ السيدات الرائدات من مصر القديمة والشرق الأوسط”. اشترك في تأليفه مجموعة من الكتاب والباحثين من جنسيات مختلفة في تخصصات متنوعة أثمر فى النهاية اثنى عشر فصلا، تبلغ عدد صفحاته في النسخة الورقية 215 صفحة، بينما تصل صفحاته في النسخة الإلكترونية إلى 371 صفحة.
وقع اختيار الكتاب على الدكتورة المصرية الجليلة (سهير القلماوي)، لتكون محل تركيز الفصل السابع، بوصفها رائدة تشكيل الوعي الثقافي كأكثر الشخصيات النسائية تأثيرا في المجتمعين المصري والعربي، طبقا لمفردات الدراسة التحليلية النقدية المطروحة.
جاء عنوان الفصل على النحو التالى: (سهير القلماوى: أيقونة تعليمية مصرية رسمت صورة النهضة الثقافية العربية على مر القرن العشرين). الحديث عن تحليل مكانة د. سهير شرحه يطول، مع ذلك سأقتصر هنا على التركيز على ركنين. الأول: فكرة واحدة عظيمة قدمتها يوما ما د. سهير إلى وزير الثقافة الفنان “ثروت عكاشة” ووافق عليها، ومازالت سببا فى تعليم عهود وعصور، وهى فكرة إقامة معرض القاهرة الدولي للكتاب والذي احتفل عام 2019 بيوبيله الذهبي، وكرّم الاثنين باختيارهما رمز احتفالية المعرض فى عامه الخاص جدا.
الثاني: فضل الباحثة العنيدة المجتهدة جدا في رسالتها للحصول على درجة الدكتوراه، لتصحيح أوضاع رؤية العالم أجمع إلى الموروث الشعبي لكتاب “ألف ليلة وليلة”، بعدما كان مجرد حكايات للتسلية العذبة والفجة عند الجميع.
وبفضل “ألف ليلة وليلة” التقيت مع د. سهير سنوات من عمري مع أنني فى الحقيقة لم أقابلها وجها لوجه أبدا. لقد أخذت دورى مثل العالم أجمع فى الاعتراف بفضلها فى ضرورة التحليل النقدى العلمى لموروث “ألف ليلة وليلة”، ومعه حصلت على درجة الماجستير عام 2001 فى المعهد العالى للنقد الفنى فى رسالة عنوانها:”شخصية شهرزاد فى الأدب المصرى المعاصر – دراسة تحليلية”. ومع “ألف ليلة وليلة” تم نشر رسالة الماجستير فى كتاب بعنوان “شهرزاد فى الأدب المصرى المعاصر” إصدارات الهيئة العامة لقصور الثقافة 2005. وعشت معها أيضا فى كتابى “استلهام شخصية شهرزاد فى السينما المصرية” إصدارات المجلس الأعلى للثقافة 2017، وأخيرا فى الطبعة الثانية من كتاب رسالة الماجستير عام 2019 .
ربما يتفق أو يختلف المثقفون بخصوص بعض آراء د. “سهير القلماوى”، وهذا أمر صحى تماما طالما هو قائم على وجهة نظر لها وجاهتها، وليس الموافقة لمجرد التعاطف أو الاعتراض لمجرد الظهور. كما أنه أمر متحضر طالما كان فى حدود الأدب وآليات العلم، دون إهدار الوقت وملء الصفحات للصعود على أكتاف شهرة هذه السيدة العملاقة. يتفقون ويختلفون وتظل د. “سهير القلماوى” سيدة صادقة ذات وجه واحد لها آراءها وتوجهاتها وقناعاتها ومنهجها العقلى الواضح الجاد المتفرغ للعلم، الذى سخرته لخدمة بلادها وكذلك المجتمع العربى بأكمله، اللذين سيحفظان لها فناء عمرها فى تحصيل العلم وتنوير أجيال وراء أجيال إلى الأبد.
لم يكن من الممكن لأي من المناهج العلمية تجاهل شخصية مثل “أم كلثوم” ومثل الملكة المصرية الجميلة الغامضة “نفرتيتي”، فقد تم تناولهما ضمن فصول الكتاب من مؤلفيهم قدر المستطاع، وليس أدل على مكانتهما من اختيار صورتيهما لوضعهما على غلاف الكتاب، فى دلالة على قيمة الحضارة المصرية القديمة وإعجاز الفنانين المصريين فى العصور الحديثة على حد سواء.
الناقد الفني الموهوب الدارس القوى في تخصصه أبدا لا يبخس الفنان حقه ولا يبالغ في تقديره، لأنه فى الحالتين يتخلى عن ضميره ويضر الفنان، وبالتالي يضر المتلقى ضررا بالغا على المدى القريب والبعيد. إنه يبنى رؤيته العلمية على ما يرى أو يسمع من الأعمال الفنية فقط، مقدما الدوافع والنتائج الظاهرة والمستترة فى البعد الثانى ثم الثالث من الصورة الذهنية التحليلية ولا شىء غير ذلك.
الكلمة أمانة وعلم والتزام ورؤية فقط لمن يعرف قيمتها.