ملفاتمميز

مستقبل السودان الجديد بين الحركة التصحيحية والضغوط الشعبية والدولية!!

 شارع الصحافة/ إعداد- علي الحاروني:

 

فيما أسماه الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الإنتقالي بالحركة التصحيحية في السودان يوم 25 أكتوبر 2021م اتخذ عديد الإجراءات والتدابير بحجة حماية أمن وسلامة ووحدة السودان والتي تدفع بإتجاه تحقيق السودان الجديد وذلك بإعلان حالة الطوارئ وحل الحكومة المدنية والعسكرية المشتركة التي تأسست في عام 2019م بعد الإطاحة بحكم البشير وذلك من أجل فض الإشتباك بين القوى السياسية وتكالبها نحو السلطة والتحريض على الفوضى والعنف مع تعهده بتعيين حكومة تكنوقراط لقيادة السودان إلى إنتخابات ديمقراطية في يوليو 2023م.

كل هذه المبررات لم تشفع للبرهان حتى الآن رغم إطلاق سراح حمدوك وتعهده بتشكيل حكومة مدنية.. فهناك شبه إجماع دولي على التنديد بـ انقلاب السودان لدرجة أن الدول الغربية ما زالت تعترف بـ حمدوك رئيساً للوزراء والممثل الشرعي للحكومة الانتقالية.

   ومن أجل معرفة حقيقة الأزمة السياسية السودانية علينا تحديد رؤية القيادة العسكرية السودانية لإجراءاتهم الإستثنائية وأسباب تدخلها وما هي المخاطر والتحديات التى تواجهها السودان من جراء ذلك لنصل في النهاية لإستشراف مستقبل السودان على ضوء الأحداث الداخلية السودانية وردود الأفعال الإقليمية والدولية تجاه تلك الأزمة ومدى مرونة الجيش السوداني في التعامل مع سيناريوهات المستقبل لأزمة السودان وذلك كله عبر ثلاثة محاور رئيسة.

أولاً- تبريرات وأسباب تدخل الجيش:

من المتعارف عليه أن القادة العسكريون فى أفريقيا عادة يقدمون أسباب منطقية وطبيعية للإطاحة بالحكومات ومنها الفساد وسوء الإدارة والفقر وحماية البلاد من الفوضى، أما فى حالة السودان فلقد أشار الفريق البرهان إلى أن ما تم اتخاذه فيما أسماه بالتدابير أو الإجراءات التصحيحية هو من أجل الحفاظ على وحدة وأمن السودان.

وقال في 25 أكتوبر 2021م إنه بعد انقضاء فترة التراضي بين العسكريين والمدنيين الشركاء فى إدارة المرحلة الإنتقالية للسودان حاول اتخاذ عديد من الإجراءات الاستثنائية والتى لا تمثل انقلاباً بل هى تصحيح لعملية التحول أو الإنتقال الديمقراطية فى السودان والتى تتطلب تغيير بعض الرموز السياسية المدنيين والذين يثيرون المعارضة والفتنة داخل الجيش وهو ما حدا بالأخير إلى دعوة حمدوك رئيس الوزراء للإدلاء بيان يدعم فيه إجراءات الجيش فلما رفض تم احتجازه في منزل برهان نفسه ثم مؤخراً تم إطلاق سراحه بعد الوساطة والضغوط الأمريكية.

 وعلى ضوء كل ذلك يمكن الاشارة إلى أن هناك دوافع حفازات الجيش السودانى على التدخل التصحيحى على حد زعمهم ومن أهمها:

زيادة التوترات وسوء التفاهم بين الجانبين العسكرى والمدنى داخل مؤسسات الحكم الإنتقالى لا سيما بين حمدوك وبرهان بعد أن حاول سلاح المدرعات وبالأخص فصيل من الجيش الموالى للبشير السيطرة والانقلاب فى سبتمبر 2021م وتبادل الاتهامات بين حمدوك وبرهان والمتمثلة فى الفشل فى عملية التحول الديمقراطى وإجراءات انتخابات ديمقراطية وانتقال سلمى للسلطة المدنية، مع اتهام حمدوك للقادة العسكريين بالفشل فى تطهير مؤسسات الجيش من فلول البشير وزيادة الرقابة المدنية على المشاريع التجارية للجيش.

   فى المقابل اتهم برهان الحكومة بسوء الاداء الاقتصادى والاجتماعى وتدهور الوضع السياسي والأمنى ما أدى الى عجز اقتصادى وتزايد معدلات التضخم وارتفاع أسعار السلع ونقص السلع الاستراتيجية مثل القمح والأدوية وذلك بسبب الحصار المستمر الذى تفرضه قبائل اليجا فى شرق السودان على أهم مواني الشرق، مع وجود إخفاقات للحكومة الانتقالية فى مجال التشريع.

ولعل هذا ما أدى إلى قيام فصيل متحالف مع الجيش فى قوى إعلان الحرية والتغيير والذى يشمل جماعات مسلحة تمردت على حكم البشير لتظاهرات مؤيدة للجيش ومطالبة بإسقاط حكومة حمدوك ولعل هذا يتسق مع مطالب عموم نظارات إليجا فى شرق السودان فى تشكيل حكومة كفاءات وطنية تحت رعاية الجيش.

 

وإلى جانب التوتر بين الجانبين العسكرى والمدنى وتزايد الاستقطاب السياسي وسوء إدارة المرحلة الانتقالية كل ذلك أدى إلى معاناه السودان من مخاطر محتملة واقعية وحقيقية وتحديات مستقبلية ستلعب دوراً فاعلاً فى تشكيل الهوية السياسية للسودان وهذا ما سنتعرف عليه فى المحور المقبل.

ثانياً- السودان تحت مقصلة المخاطر والتحديات:

هناك عديد المخاطر والتحديات التى تواجه السودان على كافه الأصعدة والمستويات وذلك من خلال الإشارة إلى الحقائق التالية:

–  إن تدخل الجيش فى السودان قد يعرض الانتقال السياسي المتعثر للخطر من خلال إثاره الاحتجاجات والمظاهرات والاضرابات العامة والاعتصام والعصيان المدنى وهو ما حدث بالفعل مما يؤدى إلى خسارة السودان لمكتسبات إقليمية ودولية سابقة وإعاقة جهود السودان لتحقيق التعافى الاقتصادى والإعفاء من الديون ، ولنا فى المعارضة المستمرة للاستيلاء العسكرى قدوة حيث تظاهرات واحتجاجات عنيفة كإحتجاجات عامى 2018 ، 2019 ضد نظام البشير.

-إن قرارات البرهان وإجراءاته الاستثنائية بتعليق العمل ببعض أحكام الوثيقة الدستورية وقبل أقل من شهر على موعد نقل رئاسة مجلس السيادة الانتقالى للمدنيين فى 17 نوفمبر 2021م تجعله فى حل من الشراكة مع قوى الحرية والتغيير التى باتت عقبة أساسية أمام حدوث توافق سياسي فى المرحلة الانتقالية ولا سيما وأن تلك الاجراءات بمقتضاها سيصبح البرهان رأس الدولة والقائد العام للقوات المسلحة ويحق له تعيين الوزراء وتشكيل مجلس انتقالى بديل بعيداً عن مطاردات قوى الحرية والتغيير.

 العزلة الدولية والعقوبات والتجميد حيث أن سيطرة الجيش السودانى على السلطة والتخوف من زيادة العنف والفتنه ما يهدد الانتقال إلى الحكم المدنى وبالتالى وقف المساعدات المالية وتجميدها وهذا ما أعلنته دول غربية ومؤسسات دولية مثل الولايات المتحدة التي أعلنت عن تجميد 700 مليون دولار للخرطوم، على الرغم من إعلان البرهان التزامه أكثر من مرة بحكومة مدنية والإفراج عن حمدوك رئيس مجلس الوزراء.

إضافة إلى ذلك عانت العاصمة السودانية الخرطوم من شلل شبه تام بفعل العصيان المدنى الذى أعلنته الأحزاب وقوى الحرية والتغيير وتمشياً مع ذلك علق البنك الدولى دفعات الأموال المقدمة للسودان فيما لوحت دول غربية ومؤسسات مالية أوروبية بإجراءات مماثلة ووجهت ألمانيا وفرنسا صفعة جديدة للجيش السودانى بالنية فى وقف مساعدتها المالية فى حال استمرار الجيش فى الحكم.

هذا مع قيام الاتحاد الإفريقى بتعليق عضوية السودان وفقاً لبيان مجلس السلام والأمن بالاتحاد الافريقى حيث تم تفعيل قرار التعليق فوراً ويحظر على السودان ممارسة جميع أنشطة الاتحاد لحين الاستعادة الفعلية للسلطة الانتقالية بقيادة المدنيين.

والخيارات ضد السودان مازالت مفتوحة لاسيما فى وسط هذا الزخم الدولي والإقليمى المندد بالإجراءات (المناهضة للديمقراطية) على حد وصف الناطق باسم الخارجية الامريكية ( نيد برايس ) وذلك لعدم الالتزام بإطار الإعلان الدستورى لعام 2019م واتفاقية جوبا للسلام لعام 2020م.

  ومن هنا فلا عجب أن نرى الأسرة الدولية تدرس الآن على رأسها الولايات المتحدة خيار العقوبات والتى ربما تطال أشخاصاً لهم ارتباط وثيق بالسيطرة فى المؤسسة العسكرية السودانية أو خارجها والذى لم يستطع مجلس الأمن إتخاذه فى جلسة الثلاثاء الموافق 26 أكتوبر 2021م لإعتراض روسيا والتى رفضت التدخل الأجنبى فى الشؤون الداخلية للسودان ورفضها تسمية ما حدث فى السودان إنقلاب عسكرى، علاوة على غياب غالبية المندوبين الدائمين الذى كانوا فى رحلة لمجلس الأمن فى أفريقيا.

ثالثاً-  رؤية مستقبلية للسودان الجديد:

هناك عديد المحددات التى ترسم ملامح مستقبل السودان

1- التوافق الدولي – الأوروبي – الأمريكي على التنديد فيما أسموه بإنقلاب العسكريين وإنتهاكهم للإعلان الدستورى 2019 وإتفاقية جوبا 2020م ومطالبتهم المستمرة بالعودة إلى خريطة الطريق للانتقال الديمقراطي وفقاً للوثيقة الدستورية وإتفاقية جوبا للسلام مع مناداتهم بضرورة احترام حقوق المتظاهرين من دون اللجوء للعنف.

بل أكثر من ذلك ذهبت الولايات المتحدة إلى أبعد من ذلك والتلويح بخيارات متعددة من أجل دعم مسيرة السودان نحو الديمقراطية وإتخاذها خطوات استثنائية دبلوماسية ومالية وإقتصادية للضغط على الجيش بقيادة برهان من أجل إعادة الحكم إلى المدنيين والتزام التعهدات الواردة فى الوثيقة الدستورية وإتفاق جوبا للسلام.

 

2- الغضب الشعبي الجماهيري والمؤسسى من إجراءات وقرارات برهان والذى يصفها بمحاولة تصحيح الثورة إلا إن التحالف السياسي الحاكم والقوى المدنية والثوار والمواطنين إعتبروه (إنقلاباً) عسكرياً والدعوة إلى مظاهرة مليونية يوم 30 أكتوبر 2021م من قبل (تجمع المهنيين) على الرغم من قيام قوات الجيش والدعم السريع الأمني بممارسة العنف المفرط ضد المحتجين بجانب القبض عليهم ومداهمتهم مساكن الطالبات بجامعة الخرطوم لمنع التجمعات مع قطع خدمة الإنترنت والاتصالات والإغلاق والعصيان المدنى ما أدى إلى تعطيل مؤسسات الدولة بالكامل،  ناهيك عن توقيف ست سفراء وبعض وزراء الحكومة الانتقالية المكلفة وبعض القيادات المدنية والسياسية والنشطاء السياسيين.

 

3- بالنظر إلى التاريخ السياسي للسودان فمن شبه المؤكد أن الإئتلافات والاحزاب المؤيدة للديمقراطية ستقاوم بشدة الحكم العسكرى من خلال استمرار التظاهرات والاعتصامات والاضرابات وفى هذه المرحلة ليس من الواضح ما إذا كان تعيين حكومة مدنية جديدة وجدول زمنى سريع وفقاً لتصريحات برهان كافيين لاسترضاء الجماعات السودانية المؤيدة للديمقراطية وإعتماداً على مدى استعداد الجيش لفرض قبضته الحديدية.

 

كل هذه المحددات مع الوضع فى الاعتبار التحديات والمخاطر التى قد تواجه السوادن ولا سيما على الصعيد الدولى والإقليمي والداخلي من جراء استمرار الحكم العسكرى سترسم صورة مستقبل السودان.

ومن هنا فإن الحاجة ماسة للحفاظ على وحدة الأراضى السودانية وسلامته الاقليمية والدولية وهذا يتطلب حواراً صريحاً وبناءاً لإعادة بناء الثقة بين المكونين المدنين والعسكرى للالتزام بالوثيقة الدستورية وإتفاقية السلام جوبا وكل ما يطرح من مبادرات  سودانية للمعالجة فى إطار هيكل السلطة الانتقالية واستكمال المرحلة الانتقالية طبقاً للوثيقة مع سرعة تشكيل مجلس تشريعى ووضع دستور دائم للسودان.

 

 

 وقد يكون من المناسب تحرك دولى وإقليمى وعربى – وأفريقى نشط وفاعل فى هذا الاتجاه وهنا يأتى أيضاً دور الاتحاد الأفريقى وجامعة الدول العربية وبعثة الأمم المتحدة لدعم عملية التحول الديمقراطى والقبول بتسوية تفاوضية لإنهاء الاضطرابات لما كان عليه الحال فى عام 2019م.

 ولكن مما تجدر الاشارة إليه أن كل انتقال سياسي فى السودان يؤدى إلى تدخل العسكريين واستيلائهم على السلطة وتشكيل تحالف انتقالى مدنى عسكرى جديد بنفس مشاكل الفصائل التى ابتلى بها التحالف القديم وعليه تصبح وعود انتخابات يوليو 2023م والتحول نحو الحكم المدنى غير ذات جدوى والأهم هو حدوث توافقات أولاً مع قوى الحرية والتغيير وبعض الفصائل المسلحة من خلال اتفاق جوبا تحت رعاية دولية وإقليمية.

ومن الأهمية بمكانالوضع في الاعتبار أن رد فعل الجيش على المظاهرات المليونية فى 30 أكتوبر 2021 سيكون مؤشراً على طبيعة نواياه في ظل اعلان برهان نيته عن تكليف رئيس وزراء من التكنوقراط ومساعيه لإقناع حمدوك بالعودة وتشكيل حكومة جديدة، وذلك وفقاً لتوصيات مجلس الأمن الدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى