في أصداء تصريحات السيد نور المالكي رئيس وزراء العراق الأسبق ووصفه للمثل المصري والمغني لاحقا بأنه فاسق وداعر، وكذلك وصف رجل الدين العراقي جعفر الإبراهيمي بأنه مخنس وقذر وقبيح وأسود.
ومع تحفظي واستنكاري لما جاء به رجل السياسة ورجل الدين العراقيان، من سباب وذم وتطاول، فيه رائحة العنصرية ونرفضه جميعا، ولكن قبل أن نلوم هذين الرجلين اللذين أطلقا تصريحات غير مسبوقة على لسان أحد من أشقائنا العرب نحو فنان مصري، فإن الواجب الحتمي يفرض علينا نقد ذاتنا أولا.
علينا أن نصلح من شأننا ولاسيما أننا في السنوات الأولى لبناء الجمهورية الجديدة بقيادة قائد يدرك جيدا دور الفن في بناء الدولة، ومن ثم يتوجب على سائر المؤسسات أن تكون على قدر الوعي والحركة.
إن ملف القوة الناعمة المصرية وإن تحقق فيه ما تحقق فنقول مطمئنين إن سطورا قليلة هي ماتم إنجازها في هذا الملف إذا وضعنا قوتنا الناعمة ومخزونها على القسطاس المستقيم ووفق معيار وطني مسؤول يعرف لهذه القوة الناعمة المصرية قيمتها وقدرها.
والدليل على ضعف إدارة هذا الملف هو ما وقع من تصريحات لمسؤول سياسي عراقي بحجم نور المالكي، ورئيس وزرائه الأسبق.
ومهما كانت دوافعه لما بدر منه نحو محمد رمضان، ولا أنبه على مكانة الفن المصري في عالمنا العربي وبخاصة العراق، فالأمر جد خطير.
لقد طفا على فننا المصري وأخص الغنائي منه فئة من مدعي الغناء ليس هذا فحسب بل منهم من بتصرفاته غير المسؤولة أساء لهذا الفن ما يخصم من رصيد قوتنا المعنوية، التي هي في حقيقتها وجوهرها جبارة إذا ما تمت إدارتها على الوجه الأمثل وشفافية حقيقية لا ادعاء فيها.
باتت كلمة الشفافية سيئة السمعة لدى قطاع واسع من الجماهير، فالقوة الناعمة منذ ظهورها كمصطلح على يد المفكر جوزيف ناي بجامعة (هارفارد) عام 1990 وتلقفتها الحكومات لتحولها إلى واقع ملموس جلبت لأوطانهم ثمارا طيبا لا يحصي عدا.
وللتنبيه فإن القوة الناعمة تعني القدرة على الجذب والضم دون الإكراه أو استخدام القوة الصلبة كوسيلة للإقناع، وباتت تلك القوة الناعمة في صدارة وسائل النجاح في السياسة الدولية لدرجة أن الدول الكبيرة وربما التي لا تملك من الميراث الناعم ما تملكه مصر- دون مبالغة- قد بادرت لتفعيل قواها الناعمة بنجاح منقطع النظير.
ووفقا لمسح (مونو كل) عام 2014 فقد رتب عشر دول فعلت قوتها الناعمة بالفعل حتى حققت ما ترجوه من أهداف استراتيجية متجنبة الحروب والمعارك وكانت على التوالي: الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، المملكة المتحدة، اليابان، فرنسا، سويسرا، أستراليا، السويد، الدنمارك وأخيرا كندا.
وللأسف الشديد أن قوتنا الناعمة حتى وقتنا هذا ينطبق عليها إلى حد ما المثل القائل (تبيع الميه في حارة السقايين) فلاتزال تيمم وجهها نحو بلدان عربية شقيقة طالما كان لنا حضور بعيد ومستمر فيها وهو حضور متبادل.
أما البعد الاستراتيجي الأشد أهمية لنا في وقتنا الراهن والذي ينبغي أن تحتشد له قوتنا الناعمة وتأخذ أمره على محمل المسؤولية والرسالة الواجبة فإن ملف قوتنا الناعمة لايزال يعطيه ظهره ويوليه الدبر.
إنها بعدنا الاستراتيجي الأفريقي المعروف بدول جنوب الصحراء شرقا وغربا مما تمثل بعدا بالغ الأهمية، فلا يعرف مطربونا الكبار ولا الصغار طريقا إلى هذه الدول والتي يتحدث الكثير منها باللغة العربية فإن لم تكن لغتهم الأولى فهي الثانية على الأقل.
ويحتم الواجب الوطني صناعة الأغنية التي نتوجه بها إلى هذه الدول من كلمات تحمل المعاني والقيم المشتركة بيننا وبينهم وألحان تمزج بين موسيقانا وموسيقاهم.
وأنا على ثقة بقدرات موسيقي مصر على النهوض بهذه المهمة وإذا كان لدي هذه الاقطار من لا يفهم العربية، فإن الفن والموسيقى لغة عالمية، للتواصل بين الشعوب فكم من مطربين أجانب أتوا إلينا في مصر وأقاموا حفلات بالغة النجاح تردد عليها الآلاف من الجماهير المصرية التي تعرف اللغات الأجنبية أو تجهلها جهلا تاما.
وعلى سبيل المثال حفلات المطربات؛ جنيفير لوبيز (رغم تصهينها) و شاكيرا، وبيونسيه، والمطرب: أنريكي جلاسيوس، وغيرهم ولكنهم باتوا دعاية إيجابية لمصر وحضارتها.
إن الفنان المصري خارج مصر هو سفير لها، يرى فيه الآخرون صورة مصر وبالطبع ليس الفنان فقط بل كل مصري خارج مصر هو سفير لها وعليه يجب أن يتحمل تبعات مسؤولياته، ولكن نخص الفنان باعتبار نجوميته فتصرفاته وسلوكه وكل شاردة وواردة منه تكون تحت الأضواء.
ولهذا يجب علينا في ملفنا الناعم حسن انتقاء من يمثلونا خارج الوطن، وعلينا أن نتوجه مسرعين نحو دول شرق أفريقيا حيث: الصومال وجيبوتي وجزر القمر واريتريا وأثيوبيا وتنزانيا وأوغندا.
وكذلك غرب أفريقيا حيث: السنغال ومالي والنيجر وجاميبيا وغينيا ونيجيريا.
إن الضمير الوطني ومصالح مصر والإعلاء من قيمة الفن الغنائي خاصة يستوجب من مطربينا المبادرة بفنهم إلى هذه الاقطار الأفريقية، حتى ولو كانت مكاسبهم المادية أقل مما يتكسبونه في الأقطار الأخرى؛ ذلك لأن المكاسب التي تتحقق لمصر من جراء ذلك، أبعد قيمة وأثرا عبر الزمان والمكان، فهل ننهض بعزم لفعل ذلك؟