ملفاتمميز

«2022» عام المجتمع المدني.. تحمل المسئولية الاجتماعية وضمان الحكم الرشيد  

بقلم- علي الحاروني:

 

عبر المراحل التاريخية المختلفة يتولى دائماً المجتمع المدنى قيادة حركات التغيير في العالم على كافة الأصعدة من أجل تحقيق العدالة والشفافية والتكافؤ والمساواة وزيادة الوعي بالقضايا الإجتماعية وتحمل المسئولية الاجتماعية والقضاء على الفساد وضمان الحكم الرشيد والدفاع عن حقوق المجتمعات وتمكينهم والتأثير على الحكومات ومحاسبتهم وإدارة الكوارث والتأهب للأزمات الطارئة.

مع تشجيع المواطنين على المساهمة فى مختلف مناحى الحياة السياسية والإقتصادية والاجتماعية والمساهمة بحلول مبتكرة وجديدة للقضايا الإجتماعية المستعصية وتكريس طاقتهم الإبداعية للتكنولوجيا … ومن هنا نرى القيادة السياسية فى مصر وإيماناً بالدور الفعال للمجتمع المدنى فى عملية التنمية الشاملة والمستدامة تعلن بأن عام 2022م هو عام المجتمع المدني.

 فما هو المجتمع المدنى ومكوناته ودوره وأهميته ومهامه والتحديات التى تواجهه وكيفية تفعيل دوره المستقبلى .. وهذا ما سوف نتناوله في دراستنا هذه عبر أربعة محاور رئيسة:

أولاً- ماهية المجتمع المدنى ومكوناته

إن مصطلح المجتمع المدنى هو مشتق من الكلمة اللاتينية ” Civil  ” والتي تعنى الجمعيات أو المجتمعات التي تعمل بشكل مستقل عن الدولة ووفقاً لتعريف القاموس السياسى الفرنسى فإن المجتمع المدنى يعنى كل اللاعبين والجمعيات والمنظمات والحركات وجماعات الضغط ومجموعات المصالح ومراكز الفكر التى تعمل على تحقيق أهداف غير ربحية ويتسم بطابع غير حكومى فى مختلف المجالات الإجتماعية والسياسية والإنسانية والأخلاقية والقانونية والبيئية والعلمية والثقافية.

 

وعلى ضوء كل ذلك يمكن الإشارة إلى أن هناك الكثير من المؤسسات التى تندرج تحت طائلة المجتمع المدنى مثل النقابات والتعاونيات والجمعيات والمنظمات غير الحكومية وغير الربحية مثل منظمة حقوق الطفل والمنظمات الشعبية مثل إتحاد الفلاحين والمجموعات التى تنشأ عبر الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعى والكنائس والمنظمات الدينية الأخرى.

 – أما على المستوى الدول فتشمل منظمات المجتمع المدنى منظمة العفو الدولية والإتحاد الدولى لنقابات العمال , والصندوق العالمى للطبيعة ومنظمة السلام الأخضر والمجلس الدينماركى للاجئين

ثانياً- لماذا المجتمع المدنى ودوره فى عملية التنمية ؟!

هناك عديد من الخصائص والسمات التى يتميز بها المجتمع المدنى والتى تؤهله للعب دور فاعل ورئيسى فى عملية التنمية بكافة صورها ومن أهمها الديمقراطية الداخلية التى يتميز بها حيث أن المجتمع المدنى يقوم على المعاملة بالمثل فأفراده يعملون معاً ضمن مؤسسات ومنظمات المجتمع المدنى ويتبادلون الأفكار ويتعاونون فى حل المشاكل والأزمات والنزاعات , هذا مع الجماعية والمشاركة لموارد جمعياتالمجتمع المدنى وهذا يمكنهم من تقوية الروابط والشبكات الإجتماعية مع الآخرين , مع التشاركية فى إتخاذ القرارت خاصة فيما يتعلق بالإستثمار فى المجتمع وإدارة الموارد لصالح الجميع وتطبيق القوانين والقرارات بشكل عادل.

 

هذا إلى جانب تشكيل المجتمع المدنى ما يسمى بجماعات الضغط وتحميل الجهات السياسية والإقتصادية والإجتماعية المسئولية عن أعمالها ومراقبتها ومحاسبتها وذلك من خلال بعض الأنشطة مثل مراقبة الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية والتأكد من نزاهتها وشفافيتها وضمان حرية التعبير وحرية التنظيم والتعبير وتمكين المجتمعات والقضاء على الفساد وضمان الحكم الرشيد والدفاع عن حقوق المجتمع ومحاسبة الحكومات.

 

– كما أن المجتمع المدنى يمتلك العديد من المقومات التى تؤهله فى المشاركة فى عملية التنمية الشاملة ومنها توافر الخبرات والكوادر والمعرفة والتدريب وشبكات الإتصالات الجديدة والتى تجعلهم بمثابة السفير للقيام بالخدمات ومواجهة الكوارث والمجاعات والفقر ……. إلخ وذلك بطريقة مبتكرة وعملية وبذلك يكون المجتمع المدنى داعماً للدولة ولمجهوداتها فى عملية التنمية المستدامة.

– وإزاء تلك المقومات والسمات والخصائص التى يتمتع بها المجتمع المدنى فإن له دوراً فاعلاً فى عملية التنمية الشاملة وداعماً للدولة والقطاع الخاص فى ذلك، علاوة على دورها فى مواجهة الأزمات المستحدثة أخيراً مثل كوفيد – 19 م وأزمة الغذاء هذا مع دورها فى إعداد الكوادر المختلفة لتحقيق ذلك.

– إلى جانب الدور الرقابى للمجتمع المدنى وبما يعزز النظام الديمقراطى النزيه للدولة وهذه المهمة نابعة من كون المجتمع المدنى يقوم بدور الوسيط بين الشعب والنظام، علاوة على أن الدولة تقوم بدور الحامى لمؤسسات المجتمع المدنى . وتضع القوانين المنظمة له وتراقب أداءه.

-هذا ناهيك عن تأثيرها في تشكيل السياسة العامة على مستوى العالم ويبدو هذا فى قيام المجتمع المدنى بحملات دعائية ناجحة فى قضايا حظر زراعة الالغام الأرضية وإلغاء الديون وحماية البيئة وتغير المناخ، مع تقوية وتمكين المجتمعات المحلية من خلال دورها فى بناء القدرات وتنمية المهارات والتدريب بمختلف المجالات التنموية كالتخطيط الإستراتيجى وصياغة البرامج التنموية وتنفيذها وتوسيع المشاركة الشعبية فيها.

ولعل قرار الرئيس السيسى بتخصيص عام 2022م للمجتمع المدنى هو رسالة قوية بأهمية دور المجتمع المدنى فى التنمية وفى مقدمتها تقليل نسبة الفقر والحد من البطالة ودعم الخدمات الصحية والتعليمية وتمكين المرأة ودوره فى مبادرة حياة كريمة ومبادرة 100 مليون صحة وأثناء جائحة كورونا حيث دعم المستشفيات وتوفير المستلزمات الطبية ودعم العمالة غير الموسمية حتى وصلت حجم إسهاماتها 1.7 مليار جنيه وفقاً لإحصائيات وزارة التضامن الإجتماعي عام 2021 , 2022 م.

 

– هذا إلى جانب دوره فى مكافحة الفساد وتشكيل اللجنة العليا لمنظمة العمل الأهلى لمكافحة الفساد.. هذا مع دورها التوعوى فى نشر ثقافة حقوق الإنسان مثل حقوق المرأة والطفل وذوى الإحتياجات الخاصة وتجديد الخطاب الدينى ومحاربة الإرهاب والتطرف والعنف.

 

ثالثاً- تحديات عصرية تواجه المجتمع المدني

هناك العديد من العوائق التى تحد من فاعلية المجتمع المدنى ومن أهمها صعوبة الحصول على التمويل وخاصة فى إطار الجمعيات الخيرية , مع غياب الإدارات المؤهلة علمياً وعملياً ومنهجياً , مع الإفتقار إلى برامج عمل ورؤى واضحة فلا خطط تنموية شاملة ولا برامج محددة ضمن جداول زمنية، هذا إلى جانب تمركز برامج هذه المؤسسات حول العمل الخيرى وهذا الجانب لا يستطيع التأثير الفاعل فى المجتمع بخلاف ما إذا كان عملاً تنموياً أم لا.

 

– إضافة إلى الهيمنة الحزبية على العديد من هذه المؤسسات مما يعيق دورها وفاعليتها المجتمعية، وضعف ثقافة التطوع وشيوع ظاهرة العزوف عن العمل الإجتماعى، مع وضع العديد من العقبات أمام الوصول إلى الموارد حيث تم وضع العديد من الحواجز القانونية لمنع وصول منظمات المجتمع المدنى إلى الموارد المالية التى هى فى أمس الحاجة إليها ومن أهمها قوانين مكافحة الإرهاب ومكافحة غسيل الأموال، والأهداف والأنشطة المحظورة، والإجراءات القانونية المرهقة للحصول على التمويل والموافقة المسبقة للحكومة وحظر التمويل وتلقى الأموال إلا من خلال الحكومة.

كما أن هناك العيد من منظمات المجتمع المدنى التى تواجه أعداداً كبيرة من التحديات جراء الحروب الأهلية وعدم الإستقرار السياسى والإجتماعى والممصاعب الإقتصادية والمخاوف الأمنية وتدفق اللاجئين والإتكال على المساعدات الأجنبية.

 

– كما أن من الإشكاليات التى تواجه المجتمع المدنى أن البناء الهيكلى لهذه المؤسسات لا يرتبط بالأهداف التى تنشأ لأجلها وإفتقارها إلى التعاون بينها وبين المؤسسات الحكومية وضعف مستوى الأداء لقيادتها، مع وجود العديد من القيود القانونية الخاصة بالترخيص والإنشاء أو أمام تنفيذ أنشطتها.

رابعاً- رؤية مستقبلية للمجتمع المدني في ظل عصر الأوبئة والأزمات والكوارث

لا شك أن التحديات التي يواجهها عالمنا المعاصر من تغيرات مناخية وإحتباس حرارى وكوفيد – 19 وتوابعه وأزمات المجاعة والفقر والبطالة .. تحتاج إلى حلول جديدة ومبتكرة لمواجهة هذه التحديات ومن أهمها : دعم المنظمات المبادرات التى تسهم فى تعزيز حيوية قطاع المجتمع المدنى بأكمله وإحترافيته وفعاليته وحوكمته وتطوير الإعلام المستقل عالى الجودة , وتقديم منح مرنة وما يرافقها من دعم لتنمية القدرات الفردية والتنظيمية للمنظمات والمبادرات، مع تقديم منح للإستثمار فى تطبيق الأفكار الخاصة بالمجتمع المدنى والذى يمتلك إمكانيات قوية وخبرات عالية.

 

وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى تبنى العديد من المنظمات الدولية لمبادرات ” الحاكمية ” والإدارة المجتمعية ” كآلية دائمة للتنمية من خلال إهتمام المجتمع المدنى  بتحقيق تنمية الموارد البشرية وإدامتها والعناية بالتنمية الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والإدارية في القطاعات الحكومية والمجتمعية ومن خلال دعم الخدمات الصحية والمشاريع الصغيرة المنتجة والدفاع عن حقوق الإنسان ودعم الحريات والتدريب والتأهيل ومحو الأمية ومكافحة الفقر والبطالة ورفع مساهمة مؤسسات المجتمع المدنى فى الأسواق والاستثمار.

 

– هذا مع العمل على الإستعانة بخبرات المنظمات والجمعيات الأخرى وإيجاد آلية للتواصل والتنسيق فيما بينها وتقوية العلاقات مع الجهات المانحة دون القبول بمبدأ فرض الوصاية والعمل على إقناع الجهات المانحة بدعم المشاريع التنموية التى تخدم المجتمع المحلى . هذا مع إشراك القاعدة المجتمعية بشكل حقيقى وفاعل.

 

مع ضرورة رفع الوعي بقيمة العمل التطوعى والأهلى من خلال الأسرة والمؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية لتعظيم رأس المال وتفعيل دور المجتمع االمدنى فى التنمية وتوسيع دائرة الشراكة بين المجتمع المدنى والحكومة والقطاع الخاص.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى