ملفات

التربية الجمالية وتدريس العلوم (د. شيماء قنديل- مصر)

الجمال يؤثر القلوب… الجمال قيمة مرتبطة بالغريزة والعاطفة والشعور الإيجابي، قيمة تُعطي معنىً للأشياء وتًكسبها الحياة والحيوية.

تُعْنَى التربية في الوقت الحاضر بتنمية ذوق الإنسان وتنشئته على حب الجمال وتقديره في كل مظاهره، فالشعور بالجمال أكبر نعمة، وتربية الذوق خير ما يقدم إلى الناشئ حتى من ناحية تقويم أخلاقه، فإنَّ الذوق الجمالي إذا شاع في مكانٍ شاعت فيه السكينة والطمأنينة ونعومة المعاملة وجمال السلوك، وإنْ انعدم في مكان خشنت المعاملة وساء السلوك وكثر هياج الأعصاب واضطرابها.

تعني التربية الجمالية فى أبسط معانيها؛ تكوين الشعور بجمال المخلوقات والابتهاج بها، وتنمية القدرة على إيجاد الزينة لتحقيق الحاجة الإنسانية إليها؛ وتنمية الإحساس الجمالي في الإنسان للوصول إلى الابتكار والإبداع والتذوق.

وتعد التربية الجمالية عملية تربوية تستهدف تنمية الفرد لكي يُدْرك عناصر الجمال، ويحرص علي معايشتها في جوانب حياته المختلفة حتى يصبح مرهف الحس رقيق المشاعر.

والتربية الجمالية لها الدور الكبير في تشكيل الشخصية الإنسانية.. كما أنها أحد متطلبات الحياة العصرية، فالمتعلم يحتاج إلى الإشباع الوجداني، وخاصة الإحساس بالجمال الذي يعد وسيلة رئيسة من وسائل بناء الشخصية وتكاملها، كما أنَّها وسيلة بناء أخلاقي لأنَّ التحلي بالقيم الجمالية يرقق مشاعر الأفراد فلا تنافر ولا أحقاد فيكون السلام الاجتماعي في أجمل معانيه.

ومن خلال مدخل التربية الجمـالية، يكتسـب المتعلم خصائص تنمي لديه القيمم الجمالية، وتنعكس آثار هذه الخصائص على العالم الـذي يعيش فيه؛ فيكون لديه حس مرهف واهتمام في البيئة.

  ويستطيع المتعلم تفصيل كل ما هو جميل ومرغوب فيه في المحيط الذي يعيش فيه وفق نشاطه المعرفي وعلاقاته الاجتماعية.

إن الاهتمام بالجانب الجمالي، وغرس الجمال في نفوس المتعلمين- لينعكس ذلك على سلوكياتهم- من أعظم غايات التربية التي تسعى إليها، لتوجيه سلوك الفرد نحو قيم ومبادئ المجتمع وتعاليمه ، ولكن ما يُلاحظ في الواقع والحياة المعاصرة يخالف ذلك!

إن الجمال لم يَعُدْ يحتل منزلة في حياة الكثير من الأفراد أو مكانة لائقة سواء كان ذلك في ملبسهم أو مظهرهم أو مسكنهم أو مأكلهم، أو حتى في التعامل مع الطبيعة أو الآخرين، وربما ذلك ناتج عن غياب تربية أفراد المجتمع تربية جمالية والتي تُعَد من أهم أنماط التربية لأنَّها تهذب انفعالات الأفراد وترقق مشاعرهم وتضبط سلوكياتهم؛ لذا فمن الضرورى تنمية تلك القيم لدى الأفراد المتعلمين.

كيف تتكون القيم الجمالية لدى المتعلمين؟

يمكن تكوين القيم الجمالية لدى المتعلمين بإحدى الطريقتين هما:

1. الطريقة المباشرة: وذلك من خلال الحديث عن أهمية هذه القيم داخل الدروس، وفي الإذاعة المدرسية، ومن خلال الإعلانات داخل المدرسة كذلك عن طريق المرشد التربوي والمعلمين، وذلك أثناء حديثهم عن أمثلة وأشخاص ونماذج من التاريخ اتصفت بهذه القيم وكان لها أثر في تذوق الجمال، وتعميم فكرة التربية الجمالية على الأفكار والأشياء والفنون والحاجات.

2. الطريقة غير المباشرة: وهي طريقة القدوة، وذلك من خلال تجسيد هذه القيم من قبل المعلمين في الملبس واختيار الألوان وتنظيم البيئة الفيزيقية داخل الفصل.

أهمية التربية الجمالية:

للتربية الجمالية أهمية كبيرة في حياة المجتمع فهى نمط من أنماط التربية التى تسعى إلى تربية الذوق العام ، فجمال الحياة الحقيقي ليس في تحولها إلى لون واحد، وإنَّما في استمرار تنوعها وتعددها.

 والحياة البشرية كالشجرة التي تمتلك عشرات الأغصان، وكل غصن يمارس وظيفته ويعطي جماله الخاص، كذلك هي الحياة الإنسانية فهي مليئة بصور التعدد والتنوع وهذا هو سر جمالها.

ويمكن إيجاز أهمية التربية الجمالية في النقاط التالية:

1- تؤدي إلى سلامة الطبع، وصحة الذوق، واستقامة الفطرة.

2- لها رسالة إنسانية واجتماعية خالدة تتمثل في مكافحة القوى العدوانية.

3- تغرس في نفس الفرد أداءً وتذوقاً ينمو به الفرد الذي يعشق الخير ويؤديه لأنَّه جميل، ويتجنب الشر لأنَّه يُفْسِد عليه حياته لأنَّه قبيح.

4- الحياة بلا جمال مملة مقفرة لا يحب الإنسان أنْ يحياها، فإذا الأرض لم تنبت يابساً أو أخضراً، ولو اختفى الشجر والماء ولاحت السماء رمادية قاتمة، وكانت وجوه البشر متشابهة، وتوارت ألوان الأزهار الباسقة، وغابت الفراشات.. كيف يُمْكن أنْ تظهر الحياة؟! إنَّها تنعدم فيها متعة الإنسان.

5- تعتبر أساس من أسس الشخصية المتكاملة المتوازنة، لأنَّها تسمو بالإنسان فوق حيوانيته، وتجعله يعيش وسط إنسانيته.

6- إنَّ الجمال الناتج عن التربية الجمالية أرقى شئ في الحياة، والتدريب عليه منذ نعومة الأظافر في كل جانب ضماناً لتكوين أمة راقية تسير في ركب المدنية.

7- ترقق وجدان الفرد وشعوره وترتقي بهما، وتجعله مدركاً للذوق الجمالي.

8- تفتح الأفق العقلي والنفسي والوجداني لدى الإنسان.

9- تستثير الدهشة لدى الطفل، وتنشط رغبته في اكتشاف المجهول.

10- وسيلة لتحقيق الكثير من الغايات التربوية التي تدعو إليها التربية الحديثة.

11- التأمل والإحساس الناتج عن التربية الجمالية يؤدي بالفرد إلى تولد حركة معرفية يرقى بها الإنسان إلى الكشف عن أسرار الخلق والاستزادة من العلوم والمعارف.

التربية الجمالية في تدريس العلوم:

يؤكد خبراء مناهج العلوم وطرق تدريسها على ضرورة استخدام مدخل القصص العلمية والخيال العلمي بما يضمن الشعور بقدر من الجمال عند المتعلمين، تصاحبه انفعالات السعادة والبهجة والسرور عندما يتعرض لدراسة الموضوعات العلمية.

   كذلك في حال استخدامه لبرامج المحاكاة في التدريس، وتوظيف الرحلات المعرفية، والرسوم والمفاهيم الكرتونية.

  لذا ينبغي على معلم العلوم مساعدة المتعلمين في مختلف المراحل على التأمل في الجوانب الجمالية في الظواهر العلمية المختلفة.

وبذلك يشعر المتعلم بالاستمتاع بهذه الموضوعات مما يحقق التقدم العلمي ويساعد في تحقيق أهداف تدريس العلوم.

إن استخدام التربية الجمالية في التربية العلمية يؤكد على عدة اعتبارات هي:

1. الفن والخيال يؤديان دوراً بارزاً في نجاح المدخل الجمالي في التربية العلمية.

2. إبراز النواحي الفنية والجمالية المرتبطة بالمكون الجمالي في الظواهر العلمية.

3. القصص العلمية المرتبطة بالاكتشافات والاختراعات والصعوبات التي واجهت أصحابها في سبيل إثبات أفكارهم العلمية وما يرتبط بذلك من نواح جمالية.

4- الخيال العلمي الذي اتسع انتشاره حالياً في وسائل الإعلام وسيلة فعالة لاستخدام المدخل الجمالي في التربية العلمية.

5. توفير مصادر تعلم ووسائل تعليمية ومعينات تساعد على تأكيد النواحي الجمالية.

6. استثارة سلوك الاستكشاف وحب الاستطلاع والخيال لدى المتعلمين في سن مبكرة بطرق مختلفة.

7. يشترط أن يكون لدى معلم العلوم قدر من الإحساس بالجمال؛ حتى ينجح في إثارة استمتاع المتعلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى