ملفات

«القناة الخضراء» في مواجهة التحديات والمشاريع المائية المستقبلية (بقلم: علي الحاروني- مصر)

تعد قناة السويس من أهم الممرات المائية الدولية علي الإطلاق وذات أهمية اقتصادية عالمياً حيث تلعب دوراً أساسياً في استقرار الاقتصاد العالمي وتعتبر بالنسبة لأغلب دول العالم خصوصاً الدول الكبري والصناعية منها صمام أمان لإستمرار وجودها وكيانها كدول متقدمة، كما أنه ومن جانب آخر يمكن أن تشكل ورقة إستراتيجية رابحة للاستقواء والهيمنة أو لإضعاف النفوذ عند بعض القوي الدولية.

إن قناة السويس هي العنف الرئيس للعالم والممر البحري الملاحي الاستراتيجي وشريان الطاقة العالمى وهمزة الوصل بين مراكز الانتاج في منطقة الشرق الأقصى ودول أوروبا والأمريكتين، ولعل تعطل حركة الملاحة فى قناة السويس نتيجة جنوح ناقلة الحاويات (إيفرجيفين) فى 23 مارس 2021م وما ترتب على ذلك الحادث من نتائج وآثار وخيمة على حركة التجارة والاقتصاد العالمى والتى قدرت خسائرها بملايين الدولارات، خير دليل على أهمية تلك القناة المائية على المستوى الدولى ويشير إلى التداعيات الجسيمة والمخاطر والتهيدات المختلفة التى يمكن ان تتعرض لها الملاحة الدولية نتيجة إغلاق او تعطيل لحركة الملاحة.

ورغم ذلك طرحت العديد من البدائل التى من شأنها أن تقلل من الاعتماد على قناه السويس ومنها مشروع القناة الإسرائيلية بين إيلات وأشدود، ومشروع ممر القطب الشمالى، وهذا يتطلب وضع رؤية جديدة لقناة السويس وعدم الاعتماد على مكتسبات الماضى والعمل على التطوير الدائم والمستمر حتى تحتفظ القناة بمكانتها الدولية الملاحية والاقتصادية هذا ناهيك عن التحديات غير المسبوقة التى شهدتها حركة التجارة العالمية وأبرزها انتشار فيروس كورونا ومتحوراته أو التغيرات المناخية وآثارها وتداعياتها بالغة الخطورة .

ومن هنا وإزاء التحديات الحالية والمستقبلية التى تواجه قناة السويس سيكون محور مقالنا هذا عبر إبراز دور قناة السويس فى مواجهة كورونا وتغيير المناخ والمشاريع المائية المستقبلية والحالية وتأثيرها على قناة السويس وكيفية مواجهتها عملياً وواقعياً وذلك كله عبر ثلاثة محاور رئيسية.

أولاً- قناة السويس في مواجهة كورونا والتغيرات المناخية:

لا شك أن قناة السويس لها قيمة اقتصادية كبيرة على المستويين الاقليمى والدولى خاصة فى ظل الموقع الاستراتيجى للقناه حيث تعد همزة الوصل بين مراكز الانتاج فى منطقة الشرق الأوسط ومراكز التوزيع والاستهلاك فى الشرق الأوسط ودول أوروبا والأمريكتين مما يتيح لمصر تغير علاقتها التجارية مع دول العالم وتيسير نفاذ صادراتها إلى جميع أسواق العالم الخارجية.

 

وتماشياً مع ذلك اتخذت القيادة السياسية المصرية العديد من الاجراءات والتدابير لمواجهة التحديات والعقبات وتحويلها الى فرص للنجاح والنمو وتحقيق الأهداف حيث نجحت فى التغلب على تحديات أزمة كورونا وتأثيرها على حركة التجارة العالمية بفضل الدعم المباشر من القيادة السياسية وإتخاذ عدة إجراءات مدروسة وتبنى سياسات تسويقية وتسعيرية مرنة والتى كان نتاجها وفقاً للاحصائيات الملاحية للقناه عام 2021 حدوث طفرة غير مسبوقة حيث عبرت 20 ألف سفينه بإجمالى حمولات صافية قدرها مليار طن بضائع محققة 6.3 مليار دولار رغم ظروف وباء كورونا ، هذا مع نجاح قناة السويس فى ضرب 4920 سفينة خلال عام 2021م لم تكن تعبر قناه السويس من قبل وتحقيق زيادة فى حجم الإيرادات بلغت ملياراً و 100 مليون دولار.

 

 ولم تغفل هيئة قناة السويس البعد البيئي بما يتماشى مع تحقيق أهداف الحياد الكربونى وتعزيز جهود مواجهة التغيرات المناخية والعمل على الحد من الانبعاثات الكربونية للسفن العابرة من خلال تقديم حوافز متنوعة للخطوط الملاحية التى تراعى المعايير البيئية، وتمشياً مع ذلك أطلقت هيئة قناة السويس خدمة تموين السفن والخدمات البحرية بالمنطقة الاقتصادية والإعلان عن مشروعات صناعة الهيدروجين الأخضر داخل المنطقة بالتزامن مع استضافة مصر لمؤتمر المناخ (COP27) فى نوفمبر المقبل.

ثانياً- قناه السويس والمشروعات المائية البديلة المستقبلية:

لا يمكن انكار التحديات المستقبلية التى يمكن ان تواجهها قناه السويس مع إزدياد حركة التجارة العالمية حتى لو استطاعت القيادة السياسية المصرية الحفاظ على المرتبة المتقدمة لتصنيف الممرات الملاحية فى العالم ومن أهم هذه التحديات تنوع وسائل النقل ما بين برى وجوى وعن طريق خطوط السكك الحديدية على الرغم من الصعوبات الإدارية لهذا النوع من النقل وارتفاع تكلفة التأمين وخير مثال على ذلك طريق الحرير البرى الجديد التى تحاول الصين الرهان عليه للوصول إلى القارة الأوروبية وإن كانت تكلفته الاستثمارية باهظة ومخاطره الأمنية متعددة ومن هنا يعتبر النقل البحرى أفضل وسيلة للنقل وأقلها تكلفة.

 وتوجد تحديات مستقبلية مائية فى مواجهة قناة السويس ومنها مشروع القناة الاسرائيلية بين إيلات على البحر الأحمر وأشدود على البحر المتوسط ومشروع ممر القطب الشمالى ويدرس البعض إمكانية تنفيذه فى احد من ممرين عبر ثلوج الممر القطبى الشمالى او القطبى الغربى ولكن حتى الآن مازالت هناك صعوبات فنية وتقنية ومالية ومناخية ضد هذه المشروعات المائية.

 

وهكذا يتضح أن هناك مشروعات عديدة تحاول استقطاب الملاحه التجارية بعيداً عن قناه السويس ولكن تظل القناه بكل مميزاتها ومنها توافر الخدمات اللوجيستية المتكاملة للسفن ورفع كفاءة عمليات عبور القناة فى أقصر وقت ممكن وتنفيذ مشروعات الانفاق الستة لربط شرق لقناة بغربها ….. هذا كله يجعلها على رأس الملاحة العالمية.

ثالثاً- رؤية مستقبلية لقناه السويس:

هناك العديد من الإجراءات العملية والتى اتخذتها الدولة للحفاظ على قناة السويس كمجرى ملاحى عالمى وزيادة مناعتها لمواجهة التحديات  المستقبلية ومن أهم تلك التدابير تعميق قدراتها فى المجالات المتعلقة بإستخدامات التكنولوجيا الرقمية فى مجالات البرمجة وانترنت الأشياء والذكاء الإصطناعى وذلك من خلال تصميم وبناء مركزين متطورين للبيانات تزامناً مع تنفيذ التحول الرقمى الكامل لمنظومة المراقبة الالكترونية ومحطات الإرشاد الملاحى الـ16 المنتشرة على طول مجرى القناة ، علاوة على تدشين منظومة الشبكة الموحدة التى أتاحت إطلاق 5 خدمات الكترونية موجهة بالكامل للخطوط الملاحية العالمية.

 

ولعل حادث جنوح سفينة الحاويات البنمية العملاقة EVERGIVEN  يعتبر نموذجاً عملياً على كيفية إدارة هيئة قناة السويس للأزمات وتجسيداً على تحويل التحديات إلى فرص ، وحتى تستكمل قصة النجاح لابد من العمل على دعم التجارة الخارجية خاصة في ظل التحديات التى تواجه التجارة العالمية حالياً والسعى لوضع مصر على خريطة سلاسل التوريد العالمية وتطوير شبكة الشراكات التجارية مع الأسواق الخارجية والاستفادة من اتفاقيات التكامل الاقليمى والتجارة التفضيلية إضافة إلى ضرورة تعزيز الوجود الاستثمارى فى مصر وتفعيل التعاون بين الشركات وتجمعات الأعمال ومؤسسات التمويل بهدف تحقيق أقصى استفادة ممكنة من الموارد والإمكانيات المتاحة.

 

  وإزاء المشروعات المائية البديلة لا بد من تقديم العديد من المزايا والجديد فى خدمات النقل البحرى الدولى والإعداد للتحديات المستقبلية والتخطيط لها والعمل على التطوير الدائم والمستمر لقناه السويس ومحيطها.. إن قناة السويس هي القناة الخضراء ومستقبل مصر الحالى والقادم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى