ملفاتمميز

دراسة لـ«الجوهري» تؤكد: سد النهضة يشكل تهديدًا للسلم والأمن في أفريقيا

اعتبر الدكتور حاتم الجوهري أستاذ النقد الأدبي والدراسات الثقافية المنتدب بالجامعات المصرية؛ أن “سد النهضة” بطريقة إدارته أحادية الجانب من طرف أثيوبيا حتى الآن، هي تهديد للسلم والأمن في قارة أفريقيا، وذلك في دراسته الجديدة التي صدرت عن اللجنة المصرية الوطنية لليونسكو (التربية والثقافة والعلوم)، وضمن الملف البحثي المعنون التعريف بأفريقيا ونشر ثقافة السلم، وحملت دراسة الجوهري عنوان: (أفريقيا والسلم: بين المسألة الأوربية وما بعدها).

وتطرح الدراسة فرضية كلية تقوم على أنه قد يكون هناك متغير عام رئيس يعمل بشكل ظاهر وكامن، خفي أو معلن، ويؤثر على موضوع السلم والأمن في أفريقيا، وهذا المتغير تسميه الدراسة: أثر “المسألة الأوربية” وتناقضاتها الموروثة في القارة، وذلك قديما منذ فترة الاحتلال الأوربي وسياساته في رسم الحدود ووضع القنابل الهوياتية الموقوتة، وحديثا في ظل التدخلات المستمرة الناعمة أو الخشنة لتفجير التناقضات الكامنة وتوظيفها، أو تخليق تناقضات جديدة تؤكد حضور القوى الاستعمارية القديمة/ الجديدة شرقا وغربا، وتجعل من أفريقيا مجالا للصراع على النفوذ واستعراض القوة، وممارسة سياسات الهيمنة وخلق التبعية.

وتفترض الدراسة أن تحقيق السلم والأمن ومن ثم النهضة والتنمية في القارة، لن يتم إلا بالوعي بأثر “المسألة الأوربية” وتمثلاتها الثقافية والسياسية، والعمل المباشر وفق فلسفة “التجاوز والتحرر” منها.

وتختبر الدراسة فرضيتها عن أثر المسألة الأوربية وتناقضاتها وتمثلاتها على موضوع الأمن والسلم في القارة السمراء، من خلال أزمة “سد النهضة” الأثيوبي بوصفه نموذجا لم يحل بعد ويهدد السلم والأمن في أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي تحديدا، متتبعة الدراسة أثر هذه المسألة الأوربية ومحاولة بناء نمط استشرافي ومستقبلي (Futuristic pattern) من أجل “التجاوز والتحرر” من أثرها.

 بحيث يمكن أن يتحقق من خلال هذا النموذج الاستشرافي هدف الوصول إلى السلم والأمن في القرن الأفريقي، وتفويت الفرصة على القوى الغربية شرقا وغربا في تحويل الملف إلى مجال للصراع على النفوذ الدولي، واستعراض القوى، وفرض تناقضات “المسألة الأوربية” القديمة أو التناقضات الجديدة التي يحاول البعض إعادة إنتاجها.

 وأشارت إلى أن موضوع السد الأثيوبي وسخونته من الجانب الأثيوبي، يرتبط بتبنى العقد والمتلازمات الثقافية الخاصة بـ”المسألة الأوربية” وتناقضاتها، التي أبرزها محاولة تصوير مصر كامتداد لاستعمار الرجل العنصري الأبيض الأوربي، ومحاولة استغلال التناقضات التي تفجرت داخل الغرب نفسه، مثل موضوع مقتل جورج فلويد وحركة “حياة السود مهمة”، لتقدم الأمر وكأن المفاوضات في السد الأثيوبي تقدم تمثيلا وامتدادا لصراع الرجل الأسود ضد العنصرية البيضاء!

وكذلك سعى أثيوبيا لتوظيف تيار “الأفريقانية” أو “المركزية الأفريقية” المتشددة -التي ظهرت كرد فعل أصلا على المركزية الأوربية- في ملف السد، مستدعية تمثلات “المسألة الأوربية” ومسقطة إياها على مصر وكأن مصر تمثل العدو صاحب البشرة الفاتحة في مواجهة الأفريقي المضطهد، رغم أن كل من البلدين تعرض للاستعمار والاضطهاد، والقارة بأكملها شمالها وجنوبها على السواء.

كما عملت أثيوبيا على تفجير التناقضات التي ترتبط بـ”المسألة الأوربية” ومتلازماتها وتراكماتها التي تركها الاستعمار الإنجليزي القديم بين مصر والسودان في موضوع الحدود و”حلايب وشلاتين”، ساعية لتأجيج مشاعر الفرقة بين شعبي وادي النيل في الشمال والجنوب، كذلك تدخلت أثيوبيا في أثناء الثورة السودانية واقتربت كثيرا من صفوف دعاة التغيير، لتكسب زخما على حساب الموقف المصري محاولة استمالة المشهد الشعبي لها في الموقف من السد، إلا أن تطور الأحداث والتشدد الأثيوبي اتجه للسودان نفسه مع الوقت، مما جعل الموقف الشعبي يبدأ في التغير رويدا خاصة فيما قبل أحداث 25 أكتوبر بالسودان.

هذا وقدمت الدراسة فرضية أساسية مفادها أن تعقد مشكلة “السد الأثيوبي” وتحوله لتهديد مباشر لموضوع السلم والأمن في القارة الأفريقية، يرتبط بتبنى أثيوبيا لتناقضات “المسألة الأوربية” سواء في الحضور الصهيوني أو الأمريكي، أو الحضور المقابل من روسيا مع مشروع الأوراسية الجديدة وشعارات المسيحية الشرقية في مواجهة المسيحية الغربية، والحضور في ملف السد لحصار التواجد الأمريكي، وهو ما يلتقي لحد ما مع استراتيجية الدعم الصيني للموقف الأثيوبي.

وقدمت الدراسة فرضية بديلة أن حل مشكلة السد الأثيوبي يرتبط بتبنى مصر -وترويجها عالميا وإقليميا وأفريقيا- لمقاربة سياسية كلية تقوم على أطروحة “ما بعد المسألة الأوربية”، أي ضرورة “التحرر والتجاوز” من عقد المسألة “الأوربية الموروثة”، ودعوة الجانب الأثيوبي للتخلي عن الدخول للمفاوضات بصور ذهنية مسبقة تكتسب شحنا شعباويا يعتمد على البروباجندا السياسية وتهييج الجماهير، والسعي لحل مشكلة الاتفاق القانوني الملزم لتشغيل وتعبئة السد دون حساسيات هوياتية، وإسقاط عقد الماضي الأوربي أو عقد “المسألة الأوربية” من الجانب الأثيوبي على مصر.

وهذا وقد تناولت الدراسة موضوع “السد الأثيوبي” باعتباره قد يكون عتبة محتملة من عتبات الولوج لعالم ” ما بعد المسألة الأوربية”، وذلك حال تعقد الموقف الأممي في الأمم المتحدة بعد صدور “البيان الرئاسي” عن مجلس الأمن في شهر سبتمبر 2021م، والذي جاء فضفاضا خاليا من آليات التطبيق، خاصة إذا تعقد الموقف ورفضت أثيوبيا تنفيذ مقترحات وتوصيات البيان الرئاسي، ووصل الأمر لطريق مسدود نتيجة موقف روسيا والصين الداعم لأثيوبيا، والموقف الأمريكي وتوازناته التي لابد أن تأخذ المصالح والميول الصهيونية في الحسبان..

حيث قدمت الدراسة مشابهة هنا بين موضوع السد الأثيوبي وموقفه الأممي في مجلس الأمن، وبين القرن الماضي ومرحلة تأزم “عصبة الأمم” وعجزها عن التعبير عن الوضع الدولي، وظهور الأمم المتحدة بديلا لها، فتفترض الدراسة أن موضوع السد قد يكون القشة التي تقسم ظهر البعير، ويكون تكأة تطرح علانية عجز النظام الأممي الحالي عن تحقيق العدالة المجردة والعمياء، في ظل نظام الفيتو والتفرقة العنصرية السلطوية في طبيعة عضويات الدول، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات غير متساوية، مع حق الاعتراض ورفض تطبيق القوانين العامة للأمم المتحدة المسمى بحق “الفيتو”.

وأشارت الدراسة لمجموعة الاشتراطات التي يمكن لمصر أن تتبعها في دعوتها لمبادرة جديدة بالقارة السمراء تحت عنوان: “ما بعد المسألة الأوربية”، وطرحت بعض التصورات في سبيل بناء محفظة سياسات مصرية جديدة وقوية، تكون داعمة لهذه المبادرة لتحقق من ناحية معايير الأمن القومي المصري، ومن ناحية أخرى تقدم مبادرة سياسية وثقافية جديدة في أفريقيا تحافظ على السلم والأمن.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى