ملفات

 المسلمون في دول المهجر .. بين مبررات الإقصاء وواقع الإدماج!! (بقلم: علي الحاروني- مصر)

إن الحروب لم تفتأ في الاشتعال حتي برزت مؤشرات العنف والكراهية والحقد اتجاه بعض معتنقي الديانات السماوية خصوصا الديانة الإسلامية، ولعل أوضح مثال يمكن أن نذكره هو ارتفاع موجات الحقد والكراهية ضد المسلمين خصوصا بعد كل حادث إرهابي كما حصل في أمريكا وبعض الدول الأوروبية.

 

 ولقد كان انعكاس هذه التوترات بروز ظاهره العدائية ضد الإسلام والمسلمين أو ما يطلق عليه «الإسلاموفوبيا» فما هي الأسباب العميقة التي أدت إلي انتشار هذه الظاهرة؟ وما المحفزات والحيثيات التي لا تزال تغذي مثل هذه الظاهرة ؟ وهل يمكن اعتبار ذلك مؤشراً على إخفاق النموذج والمجتمع الدولي في تحقيق الإدماج والاندماج الحقيقي للمسلمين في مجتمعات دول المهجر ومما يعد إفلاسا للدولة في أوروبا وأمريكا لتأسيس مجتمع ديمقراطي متماسك وقيم العيش المشترك ؟ هذا ما نتعرف عليه عبر أربعة مباحث رئيسة:

أولا- العداء للإسلام والمسلمين ليست ظاهرة مستحدثة:

_ إن العداء للمهاجرين الوافدين وبخاصة المسلمين منهم ليست ظاهرة جديدة بل إنها متجذرة تاريخيا في أوروبا قد تصل إلي عهد الحروب الصليبية في القرون الوسطي، وبعدها في المرحلة الاستعمارية، وغيرها من الأحداث التاريخية التي تميزت بالعنف والحرب بين العالم الأوروبي المسيحي والعالم الإسلامي 🌻 بيد أن المعطيات الجديدة المتمثلة في ازدياد معدلات الهجرة للمسلمين في أوروبا وأمريكا هو الذي سرع بوتيرة عودة ظاهره الإسلاموفوبيا.

ثانيا- أسباب ومحفزات للعداء والكراهية تجاه المسلمين في دول المهجر:

 ومن خلال المعطيات والإحصائيات، تبين أن موجات الهجرة نحو أوروبا وأمريكا من قبل الأجيال المتعاقبة من المسلمين قد شهدت ارتفاعاً غير مسبوق حيث يوجد ما بين 18 ، 19 مليون مهاجر ومواطن مسلم وافد إلي أوروبا الغربية والشمالية والجنوبية، يشكلون كتلة غير متجانسة من الجنسيات واللغات واللهجات المتنوعة والتقاليد الثقافية والثقافات المحلية المختلفة والتوجهات السياسية والانتماءات الدينية المختلفة، ولعل هذا العامل كاف ومحفز علي توضيح طبيعة العلاقة بين الأوروبيين والأمريكان بالمسلمين.

وتزامن مع ذلك التدفق الكبير لأعداد المهاجرين الفارين من ويلات الحروب في العراق وسوريا وأفغانستان وغيرها نحو أوروبا ما أدى إلي تزايد موجة الكراهية والحقد على هؤلاء المهاجرين، هذا إلي جانب تزايد التيارات الإسلامية الراديكالية والتي لها دور في تغذية مشاعر الكراهية والحقد ضد المسلمين، مع البروز القوى للأحزاب اليمنية المتطرفة والذين يسعون بكل قوة لكي يشكلوا رأياً عاماً أوروبياً يحمل المسئولية للمسلمين عن كل الأحداث الإرهابية في أوروبا وكل ذلك يغذي في النهاية ظاهرة الإسلاموفوبيا.

ثالثاً- عوامل عصرية أدت إلي بروز ظاهرة الإسلاموفوبيا في ثوبها الجديد:

  لم تعد ظاهرة الإسلاموفوبيا ذات إرث تاريخي والذي يحمله جزء من الأوروبيين والأمريكيين عن الإسلام والمسلمين، بل توجد ملامح مستحدثة أدت إلي مأسسة هذه الظاهرة وتأصيلها في سلوكيات الفاعلين دولاً وقادة ومؤسسات ومواطنين ومن بينها إزدياد الخطاب العدائي لتشويه صورة المسلمين من القادة السياسيين وبأنهم سيهددون وجود الأوروبيين وأمنهم وبالتالي مع وقوع كل حادث إرهابي في أي بقعة في أوروبا وأمريكا يتم إلصاق التهم زوراً وبهتاناً علي الإسلام والمسلمين والذين لا يفهمون سوي لغة الحرب والعنف وهذا ما يردده حتي مفكريهم ونخبهم السياسية أمثال “برنار لويس أو صمويل هتنتنجتون وهذا ما جعل هتنتنجتون يصدر كتابه الشهير حول «صراع الحضارات» لكي يبرر من الناحية الفكرية الحروب التي خاضتها الإدارة الأمريكية بالوكالة ضد عديد من الدول الإسلامية كالعراق وأفغانستان والصومال وغيرها.

** أما العوامل المستحدثة الأخري لتبرير «الإسلاموفوبيا» في ثوبها الجديد هو أن الجاليات المسلمة عندما تلتحق بدول المهجر لا تندمج مع القيم الأوروبية ولا مع التطور العصري والتقني والمعلوماتي الأوروبي مما يعيق عملية الدمج والاندماج والتآلف داخل النسيج الأوروبي والغربي.

 

*** إضافة إلي ذلك هناك فرضية أن المهاجرين يشكلون عبئاً مادياً ومالياً واقتصادياً علي الدول المستقبلة لهم وهي الفرضية التي يتمسك بها تيار الإسلاموفوبيا للدعوة إلي طرد كل المهاجرين خصوصاً المسلمين منهم خاصة في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها الدول الأوروبية وبموازاتها الولايات المتحدة الأمريكية.

رابعاً-  رؤية مستقبلية للمهاجرين المسلمين في دول المهجر:

 ** في البداية ورداً علي الدعاوى الباطلة التي يروجها البعض في الدول الأوروبية وأمريكا من أن المسلمين الموجودين بديار المهجر يتسمون بالإنغلاق والتقوقع فهذا غير صحيح حيث أن المسلمين لا يجدون أية صعوبة في الإندماج والانفتاح علي الآخر ولكن الحقيقة تتعلق بسياسة بعض الدول الأوروبية خاصة فرنسا التي عملت علي وضع هذا الأقليات الدينية في “جيتوهات” مغلقة أو جيتو وهي التي تسبب هذا النوع من التقوقع والانعزالية ، ومن هنا لا يمكن القول إنن المسلمين منغلقون ومتخلفون وإنما ذلك نتاج سياسات ومعطيات الواقع الأوروبي.

 

كما أن الدعاوى التي يرددها أنصار تيار الإسلاموفوبيا من أن قضية المهجرين والمهاجرين تمثل عبئاً علي الإقتصاديات الوطنية في ظل ظروف صعبة بأغلب دول الاتحاد الأوروبي خصوصاً ارتفاع البطالة بين فئة الشباب، فإنه لا توجد دراسات معمقة وإحصائيات مؤكدة علي ذلك بل علي العكس فإن العوائد المادية والمالية التي تحققها الهجرات للدول المستقبلة تعد رافداً من روافد التنمية بها كما حدث في كندا حيث بها أكثر من 178 إثنية وعرقا، وما أكدته تقارير منظمة الهجرة الدولية من أن التحويلات الدولية إنتقلت من 126 ملياراً عام 2000م إلي 689 ملياراً عام 2021م مما يؤكد أهمية الهجرة الدولية بإعتبارها محركاً للتنمية.

بل علي العكس فإن السياسات العدوانية التي تنتهجها الدول الأوروبية تجاه المهاجرين وعدم تمكينهم من حقوق اقتصادية عادلة ومساواة مع السكان الأصليين مما يؤدي إلي ظهور عدم عدالة وهشاشة اجتماعية وفقر وبيع مخدرات والارتماء في أحضان الحركات الإرهابية وهو ما حدث من أسبانيا إلي بريطانيا ومن السويد إلي إيطاليا.

وعلي ضوء كل ذلك يمكن تأصيل النظرة الدونية للمسلمين في دول المهجر يرجع إلي التراجع عن قيم التعددية الثقافية وهذا هو العامل الأبرز في تغذية «الإسلاموفوبيا».. فعلي الرغم من الدعوات العالمية في التسامح الديني العالمي وتكوين تراث عالمي أخلاقي وقيمي وقانوني وحقوقي مشترك بين جميع الديانات والأعراق والجنسيات والإثنيات والأقليات.

وهذا ما حدث في الانتكاسة الأوروبية الأخلاقية والقيمية في العقدين الماضيين؛ فسياسيات التعددية الثقافية قد فشلت في أوروبا ومنعت اندماج المهاجرين وتكاملهم في المجتمع الأوروبي حيث نظر الأوروبيين إلي المهاجرين علي أنهم مقيمون مؤقتون أو لاجئون مؤقتون سيعودون إلي أوطانهم الأصلي في المدي القريب؛ فسياسة الانتقاء والنظرة الدونية إلي الأجانب والمهاجرين بين المسلمين هي التي أثرت علي علاقة الدول الأوروبية بالمهاجرين.

ولعل هذا ما يؤكد عديد الإجراءات القانونية التي تلجأ إليها هذه الدول لإقامة فصل عنصري بينهما وبين المهاجرين المسلمين لعل آخرها ما تقدمت به فرنسا في شهر فبراير 2021م بقانون سمي (ضد الانعزالية) والذي في صلبه يحد من حرية المسلمين في الحجاب والتنقل والعبادة وميزانية الجمعيات.

 

ومن هنا يمكن القول إن أوضاع المهاجرين المسلمين في دول المهجر ليس سوي نتاجاً للتصدع القيمي والأخلاقي والمؤسساتي والحقوقي والقانوني للدول الأوروبية ومعها الولايات المتحدة الأمريكية.

 

 وهذا ما يتطلب تحالفات دولية وعربية ووطنية وعبر فعاليات المجتمع المدني والعلمي والأكاديمي والإعلامي للتصدي لهذه المهزلة الحضارية والعداء ضد الإسلام والمسلمين والدعوة لخلق إرث حضاري مشترك يقوم على التسامح الديني والتعاون المشترك والمصلحة المشتركة، وتبادل الخبرات من أجل مصلحة البشرية جمعاء علي كافة الأصعدة والمستويات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى