عربي ودوليملفاتمميز

سيناريوهات مستقبلية لحدود صمود الاقتصاد الروسي فى مواجهة العقوبات الدولية 

شارع الصحافة/ إعداد- علي الحاروني:

على خلفية التدخل العسكرى الروسى فى أوكرانيا منذ صباح يوم 24 فبراير 2022م أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها فى الإتحاد الاوربى عن فرض مجموعة من العقوبات الاقتصادية على روسيا حيث فرض الاتحاد الأوروبى عقوبات على 27 شخصية ومنظمة روسية تشمل بنوك روسية بالإضافة إلى تقييد وصولها إلى أسواق المال الأوربية وتقييد تجارتها مع الإتحاد الأوروبى- فيما أعلنت واشنطن عن إجراءات وقيود على الاقتصاد الروسي وفرض خطر كامل على مؤسسة VEB الروسية وبنكها العسكرى فى محاولة للتأثير على قدرة روسيا على تمويل عملياتها العسكرية.

 فضلاً عن تطبيق عقوبات شاملة على تجارة روسيا وتجميد الحسابات المالية لأفراد النخبة الحاكمة الروسية وعائلاتهم، مع اتفاق الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة على إستبعاد روسيا جزيئاً من النظام المالى العالمى (سويفت)، وكذلك تجميد مشروع نقل الغاز  (السيل الشمالي) بالتنسيق مع ألمانيا.

 

وفي هذا السياق تهدف هذه الدراسة إلى معرفة مدى تأثير هذه العقوبات على الاقتصاد الروسى ومدى قدرة ذلك الاقتصاد على الصمود أمام محاولة عزل روسيا إقتصادياً وتجارياً ومالياً… وذلك من خلال بيان عوامل زيادة قدرة الإقتصاد الروسى على الصمود فى مواجهته العقوبات الإقتصادية وعوامل الضعف التى قد تؤدى إلى التقليل من قدرة الإقتصاد الروسى على تحمل العقوبات فى الأجل الطويل وذلك كله عبر ثلاث مباحث رئيسة:

أولاً- مدى تأثير العقوبات الاقتصادية على روسيا:

– يتوقف تأثير العقوبات الإقتصادية على قدرة الاقتصاد الروسى على الصمود أمام هذه العقوبات والسياسات الإقتصادية التى تتبناها موسكو خلال السنوات الأخيرة لمواجهة تلك التهديدات، ومدى قدرة الدول الغربية وبخاصة دول الإتحاد الأوروبى على الإلتزام بفرض العقوبات فى ظل إرتباط إقتصاداتها وإعتمادها بشكل كبير على تجارتها مع روسيا لاسيما فيما يتعلق بإمدادات الغاز الطبيعى علاوة على العوامل السياسية المتمثلة فى دعم الصين لروسيا وقدرتها على إستغلال الأزمة الحالية فى تعزيز دورها الاقتصادي في النظام العالمي.

– وبشكل عام من المتوقع أن يكون تأثير العقوبات الإقتصادية على روسيا محدوداً على الأقل فى الأجل القصير إلى المتوسط نتيجة مجموعة من العوامل التي عززت من قدرة الإقتصاد الروسى على الصمود.

 

ثانياً- عوامل قوة الإقتصاد الروسي وزيادة مناعته ضد العقوبات الاقتصادية:

-هناك العديد من العوامل التى تزيد من قدرة الإقتصاد الروسى على الصمود في مواجهة العقوبات الغربية ومن أهمها تعزيز روسيا من شراكتها التجارية مع الصين لتستحوذ الأخيرة على 15% من إجمالى الصادرات الروسية لعام 2021م وحوالى 24% من وارداتها وفقاً لبيانات منظمة التجارة العالمية ، وتشكل منتجات الطاقة أكثر من نصف صادرات روسيا إلى الصين ، مع توقيع عقود توريد غاز طبيعى بين روسيا والصين كان آخرها العقد الذى تم الإعلان عنه في فبراير 2022م بتوريد 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعى سنوياً للصين.

– والحقيقة أن هذا النموالمضطرد فى العلاقات التجارية الصنينة – الروسية على حساب تجارة روسيا مع الإتحاد الاوروبى وتقليل الاعتماد الروسى – الصيني على الدولار الأمريكى في التبادل التجارى وإستخدام عملاتها المحلية (الروبل الروسى واليوان الصيني)، هذا من شأنه تقليل تعزيز موقف الاقتصاد الروسي أمام العقوبات الغربية لاسيما مع تحقيق الإقتصاد فائضاً تجارياً سنوياً بلغ 185 نليار دولار فى عام 2021 م ما يزيد من قدرته على الصمود أمام العقوبات على الأقل فى الأجل القصير.

-ومن بين العوامل الاخرى التى تزيد من قدرة الاقتصاد الروسى على مواجهة العقوبات الغربية إمتلاك روسيا إحتياطيات دوليه تقدر بحوالى 632.2 مليار دولار بنهاية شهر يناير 2022م وفقاً لبيانات البنك الروسى المركزى ويشكل الذهب منها 12% مما يجعلها أقل إرتباطاً بالدلار الأمريكى وبالتالى أقل تأثراً بتقييد تعاملاتها الخارجية بالدولار ، كما تمتلك روسيا صندوقاً سيادياً ضخماً بلغت قيمته فى فبراير 2022م حوالى 174.9مليار دولار ، وهو ما يساعد روسيا على تعويض أى خسائر إقتصادية قد تلحق بالإقتصاد الروسى سواء فى التجارة أو الإستثمار على المدى القصير.

-علاوة على تراجع الدين الخارجى لروسيا فى السنوات الأخيرة وبخاصة عام2021م حيث بلغ 478.2 مليار دولار بعد أن كانت قيمته 732 مليار دولار عام 2014م ويشكل هذا الدين قرابة 32% من الناتج المحلى الإجمالى وهى نسبة منخفضة مقارنة بالولايات المتحدة مثلاً والذى تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى 102%.

ثالثاً- عوامل ضعف للاقتصاد الروسي في مواجهة العقوبات الاقتصادية:

–       في المقابل هناك نقاط ضعف قد تحد من قدرة الإقتصاد الروسى على تحمل العقوبات فى الأجل الطويل ومن أهمها عدم تنوع الصادرات الروسية وتركزها فى المواد البترولية والغاز وصعوبة فتح أسواق بديلة بشكل كامل عن الإتحاد الأوروبي، علاوة على تقييد نقل التكنولوجيا والحصول على مستلزمات الإنتاج من الخارج ما يؤثر على قطاعات الصناعات المتطورة فى روسيا . إضافة إلى عدم قدرة المجتمع الروسى على تحمل أعباء عقوبات إقتصادية جديدة وتدهور الأوضاع المعيشية فى روسيا منذ جائحة كورونا.

رؤية مستقبلية

–       وختاماً؛ يمكن القول بأن موسكو قد تكون قادرة على الصمود أمام العقوبات الغربية بالنظر إلى قوة الاقتصاد الروسى مما سيقلل من فعالية جدوى هذه العقوبات في الأجل القصير إلى المتوسط بيد أن إستمرار تلك العقوبات لفترة أطول قد يؤثر على قدرة الاقتصاد الروسي على النمو في الأجل الطويل.

–  ومن المهم التأكيد على أن أي من السنياريوهات المحملة لحدود تأثير العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسى أو تداعيات الأزمة الاوكرانية على الإقتصاد الروسي سيرتبط بمدى إستمرار أو طول الحرب الروسية- الأوكرانية ومدى التزام الدول بتنفيذ وتطبيق تلك العقوبات وجدواها وعلى حجم تداعيات الأزمة الأوكرانية على الإقتصاد العالمي والروسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى