مقالاتمميز

علي الحاروني يكتب: التلويح النووي الروسي.. بين الأهداف والمخاطر والمستقبل!! 

  لقد لوح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مجدداً بالسلاح النووي وبكل وسائل التدمير المختلفة في ترسانة روسيا العسكرية وذلك في خطابه الذي ألقاه يوم 21 سبتمبر 2022م متهماً الغرب بالإبتزاز النووي ضد بلاده وبتوفير أنظمة أسلحة متقدمة لأوكرانيا من أجل إضعاف روسيا وتقسيمها في نهاية المطاف.

وما يجعل التهديدات الروسية اليوم أكثر جدية هي الضغوط المتزايدة علي بوتين سواء علي المستوى الداخلي والإنتقادات الموجهة لبوتين من آثار الحرب من خلال معارض الحرب أو من القوميين المتشددين، علاوة علي زيادة الضغوط علي موسكو مع تراجع شحنات الغاز إلي أوروبا وآثار العقوبات الغربية.

 هذا مع خطوة الإستفتاءات التي ستجري في أربعة مناطق أوكرانية خلال الفترة من 23 و27 سبتمبر 2022م الحالي وهو ما يعني ضم هذه المناطق التي تمثل 15% من مساحة أوكرانيا لروسيا وهذه الخطوة ستعطي موسكو المبرر لإعتبار الهجمات الأوكرانية علي مناطق (دوبناس) عدواناً علي أراضي روسية وتهديداً للدولة ، مما يسمح لها بإرسال مزيداً من قواتها علي الساحة العسكرية واستخدام كل الوسائل المتاحة للرد على التهديدات ومنها استخدام السلاح النووي.

فما بين أهداف بوتين من التلويح بإستخدام السلاح النووي ومخاطره وسيناريوهات المستقبل ستدور ملامح مقالنا عبر ثلاثة مباحث رئيسة:

 أولاً- أهداف روسيا من التلويح النووي: 

هناك عديد الدوافع الروسية للتلويح بإستخدام السلاح النووي ومنها تخويف أوكرانيا ودفعها للعودة إلي طاولة التفاوض ، وفي الوقت ذاته توجيه رسالة شديدة اللهجة للغرب وردعها لكي تحد من الدعم العسكري المكثف لأوكرانيا الذي قلب الموازين وكلف روسيا خسائر فادحة في ميدان القتال خاصة منذ أواخر شهر أغسطس وحتي مطلع سبتمبر 2022م والتي أسفرت عن إستعادة الجيش الأوكراني لأغلب مناطق (خاركيف) فضلاً عن محاولة الجيش الأوكراني إستعادة السيطرة علي مناطق في ” دونتيسك وخيرسون وزابوروجيا”.

ومن الملاحظ أن الدعم الغربي وبخاصة من الولايات المتحدة وحلف الناتو لم يقتصر علي الدعم الإستخباراتي عبر الأقمار الإصطناعية وطائرات الإٍستطلاع ووجود حوالي مائتي مستشار عسكري من الناتو يقدمون الدعم التخطيطي للقوات الأوكرانية ، مع ارسال مرتزقة من الولايات المتحة وبولندا وغيرها إلي أوكرانيا، بالإضافة إلي تهديد واشنطن بإمداد أوكرانيا بأسلحة نوعية تمكنها من استهداف الأراضي الروسية ، ولذلك أن موسكو ضرورة الرد علي ذلك بالتلويح النووي لوضع سقف للتدخل الأمريكي وحلف الناتو في الصراع الأوكراني.

ومن أهداف روسيا التلويح باستخدام السلاح النووي، التأكيد علي أن الكرملين لن يتراجع عن تحقيق أهدافه في أوكرانيا وهو ما أكده بوتين للمستشار الألماني (أولاف شولتس ) في 13 سبتمبر 2022م وأعلنه الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 سبتمبر 2022م ، مع الرغبة في التأكيد لأوكرانيا والغرب ضعف الموقف الأمريكي وأنه في حالة تصعيد موسكو للصراع عسكرياً في أوكرانيا سواء تقليدياً أو نووياً فإن خيارات واشنطن ستتراجع لانها لن تستطيع الدخول في حرب نووية ضد موسكو من أجل الدفاع عن أوكرانيا.

كما أن ذلك التلويح النووي لوقف الهجوم الشديد للإعلام الغربي علي الجيش الروسي بعد استيلاء أوكرانيا علي خاركيف ، مع محاولته إهانة موسكو ونشر الشائعات بوجود تحركات داخلية في روسيا للإطاحة بالرئيس بوتين علي خلفية إخفاقه في إحباط الهجمات الأوكرانية الأخيرة.

ثانياً- مخاطر ردود أفعال حول التلويح النووي لروسيا:

هناك من يرى أن التهديدات النووية الروسية هي مجرد مناورة بائسة يمكن تجاهلها لأن بوتين لن يستطيع استخدام أسلحة الدمار الشامل وبخاصة السلاح النووي لأن ثمن ذلك سيكون باهظاً وأن ذلك لن يمنع الغرب من تسريع وتيرة المساعدات لأوكرانيا ومدها بأسلحة متقدمة.

والمؤكد أن أن استخدام هذه الأسلحة سيحمل بالتأكيد مخاطر عديدة لبوتين ومنها زيادة العزلة الدولية لروسيا وفقد تعاطف بعض حلفائها ومنها الصين والهند وتعرضها لعقوبات دولية أشد، وربما قد يكون ذلك مبرراً قوياً للقوي الدولية لتقديم الدعم لأوكرانيا وقد يصل الأمر إلي إرسال قوات عسكرية لها.

ثالثاً- رؤية مستقبلية للخيار النووي الروسي: 

من الواضح منذ تصاعد التوتر بين روسيا والغرب في عام 2014م أن لدي موسكو عقيدة نووية جديدة تسمح بإستخدام السلاح النووي وذلك عندما تكون الدولة ذات موضع تهديد حقيقي وهذا ما أكده نائب وزير الخارجية الروسي في مايو 2022م من أن روسيا جادة في ذلك إذا ما تم تجاوز أحد الخطوط الحمراء المعلنة سابقاً والنيل من وحدة الاراضي الروسية والرغبة في تأمين الأقاليم الجديدة خاصة بعد انتهاء استفتاء 27 سبتمبر 2022م وهو ما يجعل روسيا تري أنه من حقها استخدام كل الأسلحة لمنع محاولة تغيير الوضع الجديد بالقوة.

ورغم ذلك، هناك من يرى أن روسيا تميل إلي الخداع العسكري للغرب وأن موسكو لن تحقق فوائد عسكرية كبيرة باستخدام السلاح النووي بل إن تداعياته السياسية ستكون باهظة نظراً لأن الدول المتحالفة قد تتخلى عنها وإن كانت الولايات المتحدة قد أحجمت عن الرد بشكل صريح علي روسيا وهو ما يشكك في مواقفها الدولية خاصة في ظل ابتعادها عن التصعيد النووي ضد روسيا.

 كما أن الغرب ليس واضحاً في مدي استعداده لوضع حد لسقف دعمه لأوكرانيا في حربها مع روسيا خاصة بعد إعلانها بإستخدام السلاح النووي ولعل مدي مكاسب وخسائر الجيش الروسي في أوكرانيا هي التي ستحدد عما إذا كانت التلويحات النووية الروسية مناورة أو خديعة أم حقيقية واقعية.

علي عبدالفتاح الحاروني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى