مقالات

يوسف أسونا يكتب من المغرب: النقل الديداكتيكي في التجربة الصفية مفتاح النجاح

يمكن الجزم أن العالم المعاصر منذ مطلع القرن العشرين، يعيش تحولات جذرية في جميع المجالات كمجال العلوم والتكنولوجيا والاتصال والتواصل، ولابد أن لهذه التغييرات انعكاسا على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وخاصة التربوية التي تهمنا في هذه الورقة.

   ولهذا وجب مواكبة هذه التطورات من أجل ملامسة القضايا التربوية الجديدة وحل الإشكالات الراهنة التي تمخضت عن نظام العولمة الحالي.

     ومن أجل مواكبة هذا التطور الذي يشهده العالم على مستوى الحقل التربوي الشاسع، لابد من اللجوء إلى بعض النظريات المعاصرة التي تعتبر التلميذ محورا للعملية التعليمية التعلمية، والأستاذ موجها فقط لمعارف التلميذ ومسارها، كما يتوجب أيضا العمل على بعض المهارات التربوية كالنقل الديداكتيكي La transposition didactique وتنميتها من أجل بلوغ الأهداف المنشودة والتي هي مواكبة العصر الحالي وإشراك التلميذ في التطورات التي تشهدها العلوم التدريسية.

  يعتبر «النقل الديداكتيكي» عملا بيداغوجيا تربويا ضروريا في سير العملية التعليمية التعلمية، والذي يعمل على إنجاح هذه العملية، لذا لابد من توفر بعض العناصر والمقترحات من أجل إنجاح عملية النقل الديداكتيكي والعملية التعليمية التعلمية.

      * فماهو تعريف النقل الديداكتيكي ؟ * وما هي بعض المقترحات من أجل إنجاح سير عملية التحويل الديداكتيكي ؟

  ظهر مفهوم النقل الديداكتيكي على يد عالم الاجتماع إيف شوفلارد Yves Chevellard ، والذي يعرفه على أنه: مجموع التحولات التي تطرأ على المعرفة في مجالها العالم (savoir savant ) من أجل تحويلها إلى معرفة تعليمية قابلة للتدريس savoir) à enseigner )مع مقاربة ما يحدث للمعرفة العالمة أثناء هذه العملية.

(كتاب النقل الديداكتيكي: من المعرفة العالمة إلى المعرفة المدرسة).

  يمكننا اعتبار النقل الديداكتيكي فن صياغة المعرفة وإعادة هيكلتها من أجل تبسيطها لكي تصبح معرفة مدرسة في متناول المتعلم ويستوعبها بكل سهولة، وهذه المعرفة تتميز بالمحدودية والتبسيط والإيجاز تروم أهدافا تربوية اجتماعية .

   ووجب القول أن مهارة النقل الديداكتيكي هي مفتاح نجاح الممارسة المهنية لرجل التعليم ،هي فن يجب التمكن منه، لأنه كلما نجحت في عملية النقل الديداكتيكي فلهذا ٱنعكاس إيجابي على مهنتك ومهمتك كمدرس وتعطي ثمارا لدى الأستاذ والتلميذ.

  ولإنجاح هذه العملية، لابد من التمكن من العناصر والمقترحات التالية:

• التَفَاعُل وَالتَواصُل التَشَارُكي: لا يمكننا فصل العملية التعليمية التعلمية عن النقل الديداكتيكي، بين الإثنين علاقة تأثير وتأثر، نجاح العملية التعليمية يستوجب نجاح عملية النقل الديداكتيكي، ولتحقيق هذا الهدف، لابد من كسب تفاعل التلميذ عبر الوضعيات المشكلة والحوار والمناقشة وتبادل وجهات النظر بين الأستاذ والمتعلمين وبين المتعلمين مع بعضهم البعض.

  وهنا نستحضر نظرية التواصل التشاركي، التي تأسس لحورات أفقية وعمودية، بين الاستاذ والتلاميذ والتلاميذ أنفسهم.

• رَبْطُ المَقَال بالمَقَام:

 إن الأستاذ يتوجب عليه ربط كل المعارف التي يجب تدريسها للتلاميذ بماهو واقعي وقريب، لكي يجد التلميذ نفسه في ما يدرسه، ويتمثله على أرض الواقع وٱشتغال حواسه الخارجية والباطنية كالإدراك والاستيعاب، ويتصالح مع المعارف التي يتلقاها في المدرسة، وذلك بتفادي التضخم أو النقص في المعلومات وإزالة الأحكام المسبقة.

• تَلاَؤم الشِيمَات الذِهْنِية:

الأستاذ المبدع هو من يحترم إيقاع تسلسل الدروس، لأن في كل مادة هناك تسلسل مؤسساتي منطقي وصيرورة للدروس من أجل أهداف معينة، وإبداع الأستاذ يظهر أثناء إيصال المعرفة الجديدة إلى التلميذ بشكل ملائم واستضمارها في البنيات الذهنية بانسجام وينتج عن ذلك تلاؤم وتكيف الأفكار السابقة مع الأفكار الجديدة دون إحداث اضطراب في عملية الاكتساب لدى المتعلم.

• التِقْنِيات الحَدِيثَة: التدريس في عصرنا الحالي يشترط ٱستعمال الأدوات الديداكتيكية العصرية كالمسلط الضوئي والسبورة التفاعلية وتكنولوجيا التعليم TICE من أجل تسهيل عملية النقل الديداكتيكي.

  كما أن المتعلمين يميلون أكثر إلى وسائل التكنولوجيا والاتصال ،لهذا وجب إنشاء تطبيقات ومواقع من أجل ٱنجذاب المتعلمين خارج الفصول الدراسية إلى متابعة الدروس واستغلال هذه الوسائل من أجل البحث وطرح الأسئلة والحصول على المعلومات.

وهناك مقترحات أخرى غير مباشرة تغني وتيسر عملية النقل الديداكتيكي، لكي تعطي هذه الأخيرة ثمار ونتائج إيجابية، نذكر منها:

   _كَسْبُ حُب التِلْمِيذ: تبين نفسيا وعلميا وعلى جميع الأصعدة أن فعل «أحب» لا يمكننا فصله عن فعل «أتعلم»، الإنسان بطبعه عندما يكن حبا لشيء معين، فهو ينصهر في ذلك الشيء ويتفانى فيه.

  نفس الأمر مع التلميذ والمادة الدراسية، كلما زاد حب التلميذ لمادة معين، كلما زادت رغبته في التعلم والبحث والتفاعل بشكل جيد مع الأستاذ داخل الحصص الدراسية وخارجها.

  إن دور الأستاذ يكمن في تحبيب المادة للتلاميذ وكسب حبهم بشكل غير محسوس ومباشر، في هذا الصدد عندما يحب التلميذ مادة معينة، يتفاعل مع الأستاذ، يبحث خارج الفصل، يدرس الوضعيات، ينمي أساليب تفكيره ويبني تعلماته، أي بالأصح يؤدي مهمته كمتعلم باستقلالية ونجاح.

• لَمْسَةُ النَاقِل الدِيداكْتِيكي:

لابد على الأستاذ أثناء تبسيطه للمعرفة أن يذيب لمسته الإبداعية في مضمون المادة، ألا يكتفي فقط بالنقل من المنهج الدراسي إلى التلميذ معتبرا هذا الأخيرا وعاء يضخ فيه المعارف، بل لابد أن يبتكر أسلوبه الخاص وطريقته في التواصل من أجل إيصال الأفكار إلى التلميذ بشكل مبسط وسلس وجعله يتماهى وينخرط في الدرس.

     ما يهمني حقيقة في هذه الورقة ، هو الإدلاء برأيي المتواضع ،بخصوص مهارة النقل الديداكتيكي التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من العملية التعليمية التعلمية والمنظومة التعليمية برمتها لأنها أساس كل تعلم.. ولنجاح هذه العملية، وجب تتبع القواعد وٱحترام تلك المقترحات والعمل على امتلاكها لكي تعطي هذه العملية ثمارها على المستوى الدراسي والمهني وتعد التلميذ المغربي خاصة على تربية الحس النقدي والمناقشة والحوار وتنمية أساليب التفكير واستراتيجيات العمل.

—————————–

بقلم الكاتب والشاعر المغربي يوسف أسونا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى