يحتل التقويم مكانة حساسة فى التعليم بصفة عامة، وفي تعلم العلوم بصفة خاصة، فأى قرار يخص الطالب في مجال التعليم يكون بناءً على التقويم. فانتقال الطالب من موضوع لآخر في العلوم، ومن صف إلى آخر لا يتم إلا من خلال التقويم، كما أن نجاحه أو رسوبه، واختياره لتخصص معين هي كلها قرارات مبنية على التقويم بالدرجة الأولى، ومن هنا نستشف مدى خطورة ممارسة التقويم على الطالب، لذا لا نغالي إذا قلنا إن تقويم الطالب هو بنفس خطورة عملية القلب المفتوح.
قد يري البعض أن المقصود بعملية التقويم هو الاختبارات المعروفة فى مختلف مجالات العلوم، وهذا الاعتقاد سائد بين عدد كبير من المعلمين، بأن المعلومات والحقائق هي الأساس فى تدريس العلوم، لذا فهم يؤكدون على اختبارات الورقة والقلم التى تقيسها، والتي تشمل أنواع مختلفة من الأسئلة أو المفردات، مثل: (الاختيار من متعدد- الصواب والخطأ- المزاوجة- التكملة- الإجابة القصيرة)، وتقتصر هذه الاختبارات في كثير من الأحيان على قياس ما اكتسبه الطلاب، وما استطاعوا تذكره من معلومات تتعلق بالحقائق، والمبادئ، والتعميمات التى تناولتها الكتب المدرسية فى العلوم بفروعها المختلفة.
ولكن في حقيقة الأمر أن المعلومات والحقائق تعتبر من أسهل أهداف تدريس العلوم في تحقيقها، كما أنها تعتبر من أسهل الأهداف من حيث قياسها. أما فى حالة هدف مثل المهارات، والاتجاهات العلمية، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب جهداً كبيراً.
ولذلك فإن هذه الاختبارات لا تعد أدوات تقويم صادقة لما يجب أن يتعلمه الطلاب فى العلوم، وما ينبغي أن يكتسبوه من مهارات تفكير عليا، ومهارات أدائية وعلمية، وقدرات متعددة يوظفونها فى حياتهم المستقبلية.
ونظراً لأهمية وحساسية عملية التقويم، فقد اهتم المتخصصون فى مجال القياس، والتقويم التربوي بتبنى أحدث التوجهات المعاصرة فى التقويم، وهو التوجه الذى شاعت تسميته Authentic Assessment أي التقويم الأصيل أو التقويم الواقعي، والذى يطلق عليه أحياناً التقويم البديل Alternative Assessment أو التقويم القائم على الأداء Performance Assessment.
للتقويم الحقيقي (البديل) تعريفات متعددة يمكن تلخيصه ، وتعريفه بأنه : ” هو ذلك النوع من التقويم الذي يُطلب فيه من الطالب أداء مهام حياتية واقعية، وذات معنى ودلالة، تُظهر قدرته على إبداع نتاجات تحقق مستويات جودة معينة فى ضوء المحكات التى يُستند إليها فى الحكم علي مستوي جودة مثل هذه النتاجات”.
ومعنى هذا أن التقويم الحقيقي هو ذلك التقويم الذى يعكس، ويقيس في نفس الوقت إنجازات الطالب في مواقف حقيقية واقعية.
هناك عديد الأسباب للأخذ بالتقويم الحقيقي أو البديل في العلوم نذكر منها ما يلي:
توسيع مفهوم التحصيل من تحصيل أحادي البعد يقيس قدرة الطالب علي تذكر المعارف، والمعلومات باستخدام أسئلة ومفردات اختبارية محدودة، ولا علاقة لها بكثير من الأحيان بواقع حياة الطلاب، إلى تحصيل متعدد الأبعاد والأوجه يقيس قدرة الطالب على بناء المعرفة، وتنظيمها، مهارات ما وراء المعرفة لديه، وقدراته العقلية، وكفاياته المعرفية والاجتماعية، وقدراته المهارية، ونزعاته الوجدانية.
توسيع مفهوم الذكاء الإنساني من ذكاء كان يُنظر إليه أنه سمة عقلية تشتمل نوعين أو ثلاتة من الذكاءات أو القدرات العقلية إلى ذكاء ينظر إليه الآنعلى أنه سمة عقلية تشتمل علي تسعة أنواع من الذكاءات، وهي: الذكاء (اللغوى، المنطقي، المكانىن البصري، الحركي، الموسيقي، الاجتماعي، الشخصي، الطبيعي، الوجودي) ، الأمر الذي يجعل من الضروري الأخذ بمفهوم التقويم الحقيقي أو البديل متعدد الأبعاد الذي يأخذ فى الحسبان هذه الذكاءات المتعددة.
ظهور مفهوم التعليم الفاعل الذى يتطلب تغييراً أساسياً فى دور كل من المعلم والمتعلم، بحيث يصبح المعلم مصمماً للتعليم يُقدم فرصاً وأنشطة ومواد تعليمية متنوعة للطلاب من أجل فهم المادة العلمية، ويصبح دور الطالب نشطاً فعالاً منتجاً للمعرفة بنفسه.
ظهور حركة المستويات التربوية Education Standard التى تحدد ما يجب أن يعرفه الطالب، وما يُمكنه أداؤه فى أوقات معينة، وبمؤشرات أداء محددة Rubrics كموجهات لتقويم أداء الطالب، وما يرتبط بتلك المستويات من قضايا تربوية دولية مثل مشروع TIMMS، ومستويات التميز الدولي World-Class Standards.
المبادئ الأساسية للتقويم الحقيقي أو البديل:
إن التقويم الحقيقي أو البديل يقوم على مجموعة من الأسس، والمبادئ التى يجب مراعاتها عند تطبيقه، ومن أبرز هذه الأسس، والمبادئ ما يلي:
التقويم الحقيقي أو البديل يرافق عمليتي التعليم واتعلم بقصد التحقق من بلوغ كل طالب لمحكات الأداء المطلوبة، وتوفير التغذية الراجعة الفورية له حول إنجازاته بما يكفل تصويب مسيرته التعليمية، ومواصلة عملية التعلم.
يؤكد التقويم الحقيقي أو البديل علي ممارسة الطلاب للعمليات العقلية ولمهارات التقصي، والاكتشاف، وحل المشكلات، واتخاذ القرارات، واكتسابهم لها,
يركز التقويم الحقيقي أو البديل علي نتاجات التعلم Learning Outcomes أو على إنجازات الطلاب أو علي أدائهم، وليس علي حفظهم للمعارف، واسترجاعهم لها، ويقتضي ذلك أن يكون ذلك التقويم متعدد الأبعاد، والوجوه متنوعاً فى أساليبه، وأدواته.
يركز التقويم الحقيقي أو البديل علي المشكلات، والمهام الواقعية ذات الصلة بشئون الحياة التي يعيشها الطالب في حياته اليومية.
يراعي التقويم الحقيقي أو البديل ما بين الطلاب من فروق فرديةن حيث إنه يهتم بالتوصل إلى مؤشرات تعطي صورة واضحة عن أداء كل طالب دون مقارنته بأداء زملائه.
وظائف وأغراض التقويم الحقيقي أو البديل:
تقديم بيانات ومعلومات كمية وكيفية متنوعة وتفصيلية عن أداء الطلاب.
مراقبة تقدم الطلاب نحو تحقيق المستويات الأكاديمية المتوقعة، والتى تعكس نتاجات التعلم التى يجب أن يحققها الطلاب.
المساءلة التربوية Accountability للمعلمين من أجل تطبيق نظام رسمي للثواب والعقاب للمدارس التى لا تحقق نسبة معينة من المستويات التى يتم تحديدها.
منح الطلاب شهادات تخرج توثق تحصيلهم، ومهاراتهم، وإمكانياتهم، وليس حصيلة ما اكتسبه فقط من معارف أو معلومات.
تسهيل الاعتماد الأكاديمي Accredetation للمؤسسات التعليمية، حيث أصبح تركيز الجهات المسئولة عن الاعتماد الأكاديمي ينصب الآن علي نظام تقويم المؤسسة التعليمية وطلبتها استناداً إلى الأداء Performance based System ، فى ضوء رؤية المؤسسة المستقبلية والمستويات المتوقعة التى اتفقت عليها، وأصبح السؤال الرئيسي للقائمين بالتقويم هو: ماذا يعرف الطلاب؟ وماذا يمكنهم أداؤه عند تخرجهم.
تقديم صورة حقيقية ودقيقة عن التحصيل الفعلي للطلاب ومستويات أدائهم ، علي عكس نظم التقويم الحالية التى تقدم صورة مضللة عن تحصيل الطلاب، فقد يُبين ارتفاع درجات الطلاب فى نظم التقويم هذه ارتفاعاً وهمياً لا يقابله تحسن أو ارتفاع فعلي فيما اكتسبوه من معارف ومهارات.
أساليب التقويم الحقيقي أو البديل في العلوم:
خرائط المفاهيم.
اختبارات مواقف مشكلات.
اختبارات الأداء المختبري.
التقويم القائم علي الأداء.
ملفات الأنجاز.
اختبارات التفكير العلمي.
___________________
المراجع:
الميهي، رجب السيد، نجله، عنايات محمود(2006). تعليم العلوم حاضراً ومستقبلاً، دار الأقصي للطباعة والنشر.
سليم، محمدصابر (2007). تدريس العلوم.